أقال الرئيس التونسي قيس سعيّد رئيسة الوزراء نجلاء بودن رمضان وعيّن مكانها رئيس حكومة جديدا هو أحمد الحشاني.
كانت بودن أول امرأة تتولى منصب رئاسة الحكومة في تونس كما في الوطن العربي، وإذا كان وصول امرأة لهذا المنصب حدثا كبيرا، فإن حصوله ضمن الملابسات السياسية لـ«الإجراءات الاستثنائية» كما سمّي انقلاب سعيّد في 25 تموز/يوليو 2021، جاء بطريقة تعاكس المصداقية التاريخية المطلوبة من الخطوة، بحيث اعتبر اختيارها (وهي التي يقتصر تاريخها السياسي على العمل في وزارة التربية عام 2011، ويتعلّق تخصصها العلمي بالجيولوجيا) انعكاسا لرغبة سعيّد في الحصول على شخص سكوت مطيع يلتزم بتعليماته، وهو ما التزمت به بودن فعلا طوال الفترة بين تعيينها في 29 أيلول/سبتمبر 2021، وإقالتها في 2 آب/أغسطس 2023.
كان صعبا على من استمعوا لتصريحات سعيّد التي أطلقها خلال مراسم التسلّم والتسليم بين بودن والحشاني أن يفهموا ما سبب الإقالة والتعيين فبدلا من شرح أسباب التغيير بمصطلحات وأرقام وتعابير مفهومة وواضحة، امتشق الرئيس التونسي، على عادته، سيف البلاغة العالي ليتحدّث بلغة التعميم عن «محاسبة الفاسدين» و«من يتلاعب بقوت الشعب والأمن الأهلي للبلاد» مهددا بـ«التطهير» ومعتبرا أنه يقود حربا «لتحرير الوطن» ومطالبا التونسيين بالانخراط «جميعا في هذه الحرب»!
معلوم طبعا للتونسيين ولغيرهم أن نجلاء بودن كانت مستمعة جيدة ومنفذة مطيعة لتعليمات وأوامر الرئيس فهل تعني إقالتها أنها لم تكن «تحاسب الفاسدين» أم أن الأوامر التي كانت تتلقاها لم تجد نفعا؟
وإذا حمّلنا بودن مسؤولية الفشل «العود الأعوج» (على حد وصف سعيّد للحالة التونسية) وصدّقنا خطابه الحربيّ فهل هذا يعني أن رئيس الوزراء الجديد هو مرشحه العسكريّ المحنّك المندفع مع رئيسه إلى «الحرب» و«التطهير» والضرب على «المتلاعبين بقوت الشعب» والمهددين لـ«الأمن الأهلي» وكيف سينفذ هذا الخطاب الذي يقسم التونسيين إلى جماعتين من دون أن يكون هو نفسه تهديدا لـ«الأمن الأهلي» وبالتالي خطرا على «قوت الشعب»؟
رغم قلة المعلومات عن التاريخ السياسي لرئيس الوزراء الجديد المعيّن فإن ما تنوقل من أنباء وتعليقات تقول إنه موظّف دولة، وكان طالبا للقانون في الجامعة ذاتها مع سعيّد، وأنه نجل ضابط أعدمه الزعيم التونسيّ الأسبق الحبيب بورقيبة بعد محاولة انقلاب عليه، وأن شقيقه ضابط برتبة عالية في الجيش الفرنسي، كما أنه معروف بمواقفه المعادية للإسلاميين.
إذا ضربنا صفحا عن التعميمات والمبالغات اللفظية والشعبوي التي يلجأ سعيّد إليها فإن الموضوع الحقيقي الذي يشغل جموع التونسيين هو الاقتصاد، وأن أساليب الحكم المطلق التي التزمها الرئيس التونسي ساهمت في توسيع دائرة الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية والتي يتحمّل مسؤوليتها هو شخصيا.
تغيير الحكومة، ضمن السياق المعلوم لتدخّل سعيّد في كل شؤون تونس، لا يعدو كونه تلاعبا يقصد منه إعطاء بعض الأمل للتونسيين، الذين ضربتهم الأزمة المالية الخانقة، ويعتبر قرابة 4 ملايين منهم ضمن الفقراء ومحدودي الدخل، والذين يخوضون، بالفعل، حربا، ضد الفاقة وغلاء المعيشة، ولا تجد أعداد كبيرة منهم حلا غير بركوب المخاطر والهجرة عبر قوارب الموت.
المشكلة في حكومات تونس منذ الانقلاب على النظام الديمقراطي أنها مجرّد صدى للرئيس، وهو ما يعني أن تغيير بودن بالحشاني لن يغيّر المعادلة السياسية العقيمة التي ما زال سعيّد يديرها بمعارك مع الأحزاب السياسية والقوى المدنية والقضاء المستقل والنقابات وهي معادلة لا تؤدي إلا إلى خراب سياسي واقتصادي واجتماعي مؤكد.
“القدس العربي”