ديكلان والش* – (نيويورك تايمز) 3/8/2023
وسط انقلاب عسكري لم يكن متوقعًا ولا يمكن التنبؤ بتداعياته، هددت الدول الأفريقية المجاورة بشن حرب على النيجر -بعضها لإفشال الانقلاب، والبعض الآخر لضمان نجاحه.
نيروبي، كينيا- في البداية، كان الانقلاب في النيجر يشبه الانقلابات الأخرى التي عصفت بغرب إفريقيا في السنوات الأخيرة. في 26 تموز (يوليو)، احتجز جنودٌ رئيس النيجر في منزله بالعاصمة نيامي. وبعد ساعات، أعلنوا أنهم استولوا على السلطة. وسرعان ما أدانت القوى الأجنبية الانقلاب، لكنها لم تفعل شيئًا سوى ذلك.
ثم اتخذ الانقلاب مسارًا مختلفًا. هددت الولايات المتحدة وفرنسا بقطع العلاقات مع النيجر، وهو إجراء يعرض للخطر مساعدات تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات. وكان الرئيس المخلوع، محمد بازوم، على الرغم من احتجازه، قادرًا على التحدث هاتفيًا مع قادة العالم، واستقبال الزوار، ونشر رسائل تحدٍّ على وسائل التواصل الاجتماعي.
في الإقليم، هددت دول الجوار بشن حرب على النيجر -بعضها من أجل إفشال الانقلاب، والبعض الآخر لضمان نجاحه.
وأصدرت “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا”، وهي كتلة إقليمية من الدول معروفة باسم (إيكواس)، إنذارًا نهائيًا للمجلس العسكري الانقلابي في 30 تموز (يوليو)، يطالب بإعادة السيد بازوم إلى السلطة في غضون أسبوع واحد من صدور الإنذار أو مواجهة العواقب، بما في ذلك العمل العسكري المحتمل.
وبعد فترة وجيزة، هبت الدولتان المجاورتان، مالي وبوركينا فاسو، للدفاع عن المجلس العسكري، معلنتين أنهما ستعتبران أي تحرك خارجي ضد النيجر بمثابة “إعلان حرب” ضدهما أيضًا. (كما أعربت غينيا عن دعمها لجيش النيجر، ولكن من دون التهديد باستخدام القوة).
ما يزال السبب الذي أفضى إلى انقلاب تموز (يوليو) غير واضح. ولكن، على النقيض من عمليات الاستحواذ على السلطة الأخرى في غرب إفريقيا، التي قوبلت إلى حد كبير باللامبالاة، أصبح انقلاب النيجر خطاً أحمر بالنسبة للكثيرين -بمن فيهم الحلفاء الغربيون.
ثمة الآلاف من جنود القوات الأميركية والفرنسية الذين يتمركزون في النيجر للمساعدة في مكافحة تصاعد هجمات التنظيمات الإسلاموية المتطرفة في جميع أنحاء المنطقة. والآن تم تعليق هذا التعاون العسكري في إطار ممارسة الولايات المتحدة وفرنسا ضغوطًا على المجلس العسكري لاستعادة الديمقراطية. وبدأت الدول الأوروبية في إجلاء مواطنيها من البلد يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي. وفي اليوم التالي، أمرت الولايات المتحدة بإخلاء جزئي لسفارتها في النيجر. ونصحت بريطانيا رعاياها “بعدم السفر إلى أي مكان في البلاد”.
كشفت الاضطرابات وقعقعة السيوف التي تصاحب الأحداث في النيجر عن انقسامات عميقة في غرب إفريقيا. في النيجر، يصر قادة الانقلاب على أنهم باقون ولن يذهبوا إلى أي مكان. ومع المخاوف من احتمال امتداد الأزمة وتوسعها إلى حرب إقليمية، تتصاعد المخاطر بوتيرة سريعة.
لماذا النيجر مهمة؟
إذا نجح هذا الانقلاب، فستكون النيجر آخر قطعة دومينو تسقط في سلسلة متواصلة من البلدان الممتدة عبر إفريقيا، من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، التي أصبحت تحكمها الطغم العسكرية. كان القادة المنتخبون ديمقراطيًا في المنطقة يسقطون مثل قوارير البولينغ: منذ العام 2020، شهدت ثلاث من الدول المجاورة للنيجر -مالي وبوركينا فاسو وغينيا- خمسة انقلابات. وعلى الرغم من ذلك، بدت الحالة في النيجر مختلفة.
على الرغم من وجود تاريخ طويل من الانقلابات في البلد، أثار انتخاب السيد بازوم رئيسًا للبلاد في العام 2021 الآمال في أن تكون النيجر قد شرعت في السير على طريق ديمقراطي. وقام السيد بازوم، وهو شخص يعتنق التحديث بوضوح، بتعزيز تعليم الفتيات، وسعى إلى خفض معدل المواليد في البلاد، وهو الأعلى في العالم، وأشرف على انتعاش اقتصادي مثير للإعجاب: بعد سنوات من الركود، كان من المتوقع أن ينمو اقتصاد النيجر بنسبة 7 في المائة هذا العام.
ورأت الدول الغربية السيد بازوم كشخصية ودودة في جوار قاسٍ. ومنذ أن تم نشر مرتزقة من شركة “فاغنر” العسكرية الروسية الخاصة، التي تشكل رأس الحربة في هجوم الكرملين الأخير في أجزاء من إفريقيا، في مالي العام الماضي، أصبحت الولايات المتحدة وفرنسا تعتمدان بشكل أكبر على السيد بازوم.
يتمركز حوالي 1.100 جندي أميركي و1.500 جندي فرنسي في النيجر، إضافة إلى العديد من قواعد الطائرات من دون طيار. وتشكل المساعدات الخارجية التي تبلغ قيمتها 2.2 مليار دولار نحو 40 بالمائة من الميزانية الوطنية للنيجر.
ساعد التحالف مع الغرب السيد بازوم على جعل النيجر مكانًا أكثر أمنًا -حيث سجل عدد القتلى الذين يسقطون بسبب عنف الإسلامويين انخفاضًا حادًا في العام الماضي. لكنه ربما يكون قد أجج التوترات داخل الجيش، مما أسهم في حدوث الانقلاب الأخير.
ما هي “الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا”، وهل يمكنها إيقاف انقلاب؟
تمثل “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” أقوى تجمع إقليمي في غرب إفريقيا، حيث تتكون من 15 دولة ويبلغ عدد سكان دولها مجتمعة حوالي 400 مليون نسمة. وعلى الرغم من أن الهدف من تأسيسها كان دعم اقتصادات الدول الأعضاء، إلا أن المجموعة كانت تتدخل بانتظام في الصراعات الإقليمية.
منذ العام 1990، تدخلت قوات حفظ السلام التابعة للمجموعة للمساعدة على قمع التمردات، ودعم اتفاقيات وقف إطلاق النار والإطاحة بالطغاة وطردهم من السلطة. وكانت أحدث مهمة نفذتها القوات التابعة للمجموعة في غامبيا في العام 2017، حيث ساعد جنودها في منع الرئيس السابق، يحيى جامع، من تقويض نتائج انتخابات كان قد خسرها.
الآن، يريد البعض أن تحاكي “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا” هذا المثال نفسه في النيجر. ويقول رئيس الكتلة، الرئيس النيجيري بولا تينوبو، إن منطقة غرب إفريقيا لا تستطيع أن تتحمل المزيد من الانقلابات، وإن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في حاجة إلى التوقف عن كونها مجرد “كلب بلا أسنان”.
يقول رحمن إدريسا، الباحث في مركز الدراسات الأفريقية بجامعة ليدن في هولندا: “يبدو أن تينوبو يأخذ أزمة النيجر على محمل شخصي. لقد كان هذا الانقلاب كثيرًا بالنسبة له ولـ(إيكواس)”.
يوم الأربعاء، 2 آب (أغسطس)، قال رئيس أركان الجيش النيجيري، كريستوفر موسى، لـ”راديو فرنسا الدولي”، إن قواته مستعدة للانتشار إذا أُمرت بذلك. لكن كثيرين يشكون بأن “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا” تريد حقًا شن حرب على النيجر. كانت غامبيا، حيث تم نشر قوات الكتلة آخر مرة، أصغر دولة في البر الرئيسي لإفريقيا، مع جيش ضعيف. وفي المقابل، تبلغ مساحة النيجر ضعف مساحة فرنسا، وقد تلقى جيشها الذي اختُبر في المعارك التدريب على يد القوات الخاصة الأميركية والأوروبية.
يقول كاميرون هدسون، محلل شؤون أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: “سوف نرى ما إذا كان بإمكان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا زيادة الضغط بعد الآن. لكنني أظن أن نواياها ما تزال في حاجة إلى إثبات”.
أين الرئيس
يبدو أن السيد بازوم عالق في منطقة الليمبو حيث ينعدم اليقين. في العادة، يُجبر القادة المخلوعون أثناء الانقلابات على الفرار أو التوقيع على استقالة رسمية. ولم يفعل السيد بازوم أيًا من الأمرين. بدلاً من ذلك ظل في المنزل وانشغل بإجراء المكالمات الهاتفية. يوم الأربعاء، تحدث مرة أخرى مع وزير الخارجية الأميركية، أنتوني ج. بلينكين، وتحدث أيضًا مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. كما زاره رئيس تشاد، محمد إدريس ديبي، يوم الأحد ونشر لاحقًا صورة للرئيس المسجون على وسائل التواصل الاجتماعي. وما يزال كبار الدبلوماسيين النيجيريين يسمّون السيد بازوم رئيسهم.
وقال كياري ليمان تنغيري، سفير النيجر لدى الولايات المتحدة، في مقابلة دعا فيها إلى دعم دولي لإحباط عملية الانقلاب “إذا نجح هذا الانقلاب فستكون كارثة. كارثة على النيجر والمنطقة والعالم”.
وقال الجنرال عبد الرحمن تشياني، زعيم الانقلاب المعلن من جانب واحد، إنه لن يرضخ للضغوط. وبصفته قائد الحرس الرئاسي في النيجر لمدة 12 عامًا، تحول الجنرال تشياني من كونه حامي السيد بازوم إلى سجّانه.
أما السبب في اتخاذه هذه الخطوة، فما يزال غير واضح. لكن الجنرال تشياني أطلق في خطاب تلفزيوني ألقاه مساء الأربعاء، ملاحظة متحدية، منتقدًا العقوبات “غير القانونية والظالمة واللاإنسانية” التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على النيجر منذ الانقلاب. وأكد أنه لن يعيد السيد بازوم إلى منصبه أبدًا.
مَن المستفيد من الفوضى؟
أثار مشهد مؤيدي الانقلاب من المواطنين وهم يرفعون الأعلام الروسية في وسط نيامي، وبعضهم يرددون شعارات مؤيدة للرئيس فلاديمير بوتين، الشكوك في أن الكرملين كانت له يد في الانقلاب. وفي واقع الأمر، لا توجد الكثير من الأدلة التي تدعم هذه الفكرة، كما يقول الخبراء. لكن هذا لم يمنع المسؤولين الروس من رؤية أزمة النيجر كفرصة كبيرة.
يفغيني ف. بريغوزين، الأوليغارشي الروسي الذي تنتشر قواته شبه العسكرية من مرتزقة مجموعة “فاغنر” في مالي، عرض خدماته على قادة الانقلاب في النيجر. يوم الأربعاء، سافر أحدهم إلى عاصمة مالي، باماكو، حيث التقى بقادة ماليين ومسؤولين من “فاغنر”.
أما المستفيدون الآخرون المحتملون، فهم المقاتلون الإسلامويون في المنطقة. منذ الانقلابات التي حدثت في مالي وبوركينا فاسو، تصاعدت هجمات المسلحين المتطرفين على المدنيين في تلك البلدان. لكنها تراجعت في النيجر -وهو اتجاه يخشى الكثير من احتمال عكسه الآن.
وقال الدبلوماسي ليمان تنغيري إنه إذا ما نجح الانقلاب، فإنه “يمكن أن يوفر قاعدة كبيرة وملاذًا لمقاتلي ’فاغنر‘ والجهاديين في قلب غرب إفريقيا. إن هذا ليس انقلابًا آخر كالمعتاد”.
“الغد”