إيلون ماسك: مخلص أم مجرد صبي مشاكس جدا؟

إيلون ماسك، وفق المعترف به على نطاق واسع، ليس رجلاً لطيفاً للغاية، لكنني لست متأكداً تماماً أي تجربة هي الأسوأ من بين التجارب المصورة في شكل مذهل في سيرة والتر أيزاكسون الرائعة: أن يعمل المرء لدى إيلون ماسك، أو أن يكون ذا قرابة به أو على علاقة معه، أو أن يكون في الواقع ماسك نفسه، ماسك الذي يجعل فكرة أن يكون أغنى شخص في العالم (بثروة تساوي نحو 300 مليار دولار) أقل متعة مما يفترض بها أن تكون.

من المؤكد أن الحصول على عمل لدى ماسك لا يتوافق مع السعي وراء السعادة البشرية، في الأقل إذا انتهى الأمر بالمرء في مناصب قريبة من مدمن العمل هذا الذي يجبر موظفيه على العمل الشاق ويخلو من العاطفة. كان أيزاكسون حكيماً جداً في تقسيم الكتاب المكون من 616 صفحة إلى 95 فصلاً، إضافة إلى مقدمة (“ملهم من نار”، التي تلمح إلى انزلاق أيزاكسون في بعض الأحيان إلى تقديس الأشخاص). هكذا هو تعقيد شخصية ماسك ومعاملات أعماله وحياته الشخصية التي لا يمكن هضمها إلا في شكل مقالات قصيرة، كثيراً ما تكون مستندة إلى أدلة شفهية، في الواقع، هي 96 لمحة عن ماسك. سمح للمؤلف بمرافقة “المبتكر الأكثر إثارة للجدل في عصرنا” لمدة سنتين، فقرأ نصوصه ورسائله الإلكترونية، وأجرى مقابلات مع أصدقائه وأعدائه وأقاربه وشركائه. ويشكل استنتاجاته الخاصة، التي هي في الأغلب متوازنة وناضجة في شكل مثير للإعجاب. هي ليست سيرة “مصرحاً بها” – في الأقل، ليس بأسوأ معنى للمصطلح – وبالنظر إلى ميل ماسك إلى السيطرة، من اللافت أن ماسك لم يقرأ حتى المخطوطة قبل النشر. على أي حال، هذا هو أفضل ما سنحصل عليه لفترة من الوقت.

ومع ذلك، في بعض الأحيان، يصبح السرد متكرراً. ما إن يشهد المرء في شكل غير مباشر ماسك يتنمر على مسؤول تنفيذي تعيس بمطالب مستحيلة، لن يريد حقاً العديد من التكرارات، لكن هذه الميزة ميزة مركزية في طريقة عمل ماسك إلى درجة أنها تستهلك جزءاً كبيراً من الكتاب. هذه هي الطريقة التي وضع بها أكبر صاروخ في التاريخ في مداره، على ما أعتقد، على رغم أنني لست مقتنعاً بأن هذا النهج ضروري. إنه دائماً الروتين نفسه. يركز ماسك تحديقه الشبيه بالليزر والمؤمن بالخيال العلمي على شخص ما، سيأمره بوضع رقاقة في دماغ خنزير ستنقل الأفكار إلى كمبيوتر محمول، واستكمال ذلك بحلول نهاية الأسبوع. وإذا كان الشخص غبياً بما فيه الكفاية “للتصدي”، يأمره إيلون بأن يفعل ذلك على أي حال أو “ستقبل استقالته”. أنا أبالغ قليلاً فقط. هناك كثير من ذلك في الكتاب، إذ تحدد مواعيد تسليم صعبة للأصدقاء والأقارب والغرباء مع عدم مبالاة متساوية بالظروف الشخصية، إذ يسعى أيزاكسون إلى إجراء مراجعة شاملة لظاهرة ماسك، يخطئ قليلاً في دور المتلصص في هذه اللقاءات، لكنني لا أستطيع لومه، هذا هو المشهد على حقيقته.

في الطريقة التي يرى بها ماسك العالم، لا مجال للمشاعر المجروحة في عالم الفيزياء أو الأعمال، ويعوق التعاطف النجاح. وهو لا يجنب نفسه، ولا يرى لماذا يجب عليه منع شخص ما من العمل كل الليل. لذلك، لا، لن يريد المرء أن يعمل لدى ماسك، ولا أن يكون مقاولاً أو شريك أعمال له.

إن القول إن ماسك معاد للووك عبارة عن تبخيس، وبالنسبة إلى عقل منطقي كهذا، فإن اشمئزازه غير عقلاني إلى حد ما

بالنسبة إلى شريك الحياة… حسناً، أنجب 11 طفلاً (10 بقوا على قيد الحياة) من أربع نساء، ولد معظمهم من خلال التلقيح الاصطناعي، وبقدر ما يمكن للمرء أن يقول، في ضوء دافعين رئيسين. الأول هو اعتقاده أن الغرض الرئيس من البقاء على قيد الحياة هو التكاثر (ليس لديه كثير من الجانب الروحاني)، الثاني هو امتلاكه كثيراً من المرح ليحلم بأسماء محرجة يطلقها عليهم. ماسك هو رجل تعرض إلى التنمر في شكل سيئ في المدرسة في جنوب أفريقيا إلى درجة أنه لا يزال يخضع إلى جراحات تصحيحية لأنسجة أنفه. ومع ذلك، يبدو أنه يعتقد أن من المقبول إرسال أفلاذ كبده إلى أماكن اللعب ويعيشون بأسماء مثل واي (ابنته، التي كانت تسمى سابقاً إكسا دارك سايديرئييل ونجت بصعوبة من أن تسمى أندروميدا سينثيسيس ستوري ماسك… ربما لاحظ شخص ما أن الأحرف الأولى لهذا الاسم ستكون أي أس أس ماسك [ماسك الحمار]، وهو أمر سيكون مؤسفاً). كان ماسك حريصاً جداً على الإنجاب، إلى درجة أن مرحلة ما شهدت امرأتين – غرايمز (اسمها الحقيقي كلير بوتشر)، وشيفون جيليس – تنجبان في وقت واحد، من دون أن تعرفا بعضهما بعضاً، مزيداً من أطفاله.

كيف يكون الأمر، أن يكون المرء إيلون ماسك؟ حسناً، كان هناك كثير من الأذى في حياته، ومعظمه من قبل والده “المغامر” إيرول، الذي أهانه وأذله في شكل روتيني خلال نشأته في بريتوريا، تماماً كما يفعل ماسك مع آخرين الآن، هذا لا يبرر تجاوزات ماسك الشخصية، لكنه سياق أساسي. كان إيرول ماسك يملك كثيراً من المال، إذ كان يدير في وقت من الأوقات مشروعاً غير مشروع ينطوي على نقل الألماس في شكل غير قانوني من زامبيا، وساعدت عوائده في تمويل شراء سيارة “كورنيش رولز رويس”، وتعليم جيد للأطفال، ونمط حياة مريح، لكن إيرول كان أيضاً يفلس من وقت إلى آخر، ولا يمكن للمرء أن يجادل حقاً بأن إيلون كان يتمتع بامتياز رائع، لقد نشأ في فقر عاطفي مدقع، على رغم مداهنة الأم الشغوفة، ماي.

وجد إيلون أنه يستطيع التعامل مع هذا كله من خلال الهرب إلى عالم الخيال العلمي، ولا سيما أعمال إسحق عظيموف. كانت الروبوتات الشبيهة بالبشر والمستوطنات على الكواكب البعيدة هي المواضيع التي أثارت اهتمامه أكثر من غيرها. وكانت علاقته بوالده، على رغم تفشي النوايا الحسنة بين الحين والآخر، سيئة، وهما الآن لا يتحدثان مع بعضهما بعضاً. من ثروته الهائلة، يرسل إيلون إلى والده ألفي دولار شهرياً. أما ماي، على النقيض من ذلك، فمدللة – إذا كانت هذه هي الكلمة الصحيحة.

أحد المقاطع الأكثر إثارة للقلق في هذه السيرة الذاتية المذهلة في بعض الأحيان يتعلق بعلاقة إيرول بابنة زوجته، جانا. في زيارة عائلية نادرة، عندما كان إيرول يبلغ من العمر 56 سنة وجانا 15 سنة، يزعم الكتاب أن إيلون كان منزعجاً للغاية من سلوك إيرول تجاه الفتاة إلى درجة أنه أنهى الزيارة. وشعر ماسك وشقيقه كيمبال بـ”فزع” أكبر حتى في لقاء بعد عقد عندما اكتشفا أن جانا، التي كبرا معها جزئياً وتعاملا معها كأخت، كانت قد حملت من إيرول. في مكان آخر، يلاحظ إيلون قائلاً: “ستكون لدى والدي خطة مدروسة بعناية للشر. سيخطط للشر. كل جريمة تقريباً يمكن أن يفكر المرء بها، قام بها. كل شيء شرير تقريباً يمكن أن يفكر المرء به، فعله”.

لا يزال الأمر الأكثر إثارة إرهاقاً لماسك هو اغترابه عن ابنته المتحولة جنسياً، جينا ويلسون. رفضت والدها حين غيرت اسمها من كزافييه ماسك واعتنقت الاشتراكية. حاول ماسك استرضاءها من خلال قبول تحولها، وبيع قصوره، وتبني أسلوب حياة أبسط، والعيش في منزل مؤلف من غرفتي نوم بالقرب من مركزه الفضائي المغبر في تكساس. وهذا يناسب نظرته، غير المادية في شكل خاص، لاحظ ذات مرة أن منافسه في “أمازون” جيف بيزوس يقضي في حوض الاستحمام الساخن وقتاً أطول مما ينبغي لمنفعة أعماله، لكن ذلك لم يكن مجدياً مع جينا، ويشتهر ماسك بإلقاء اللوم على “فيروس عقلية الووك” في شأن الصدع – “لقد فقدت ابناً”. وهذا أحد الأسباب التي جعلته يقرر الاستحواذ على “تويتر”، فضلاً عن استخدامه لمنع المنافسين مثل رئيس “غوغل” لاري بايج من السيطرة على الإطار الثقافي للذكاء الاصطناعي ومفرداته. إن القول إن ماسك معاد للووك عبارة عن تبخيس، وبالنسبة إلى عقل منطقي كهذا، فإن اشمئزازه غير عقلاني إلى حد ما: “ما لم يوقف فيروس عقلية الووك، وهو في الأساس مضاد للعلم، ومضاد للإنسان في شكل عام، لن تصبح الحضارة متعددة الكواكب”.

ليس هناك أي معنى لسعي إيلون ماسك إلى تعاطف مع أي من عيوبه النفسية أو صدماته العاطفية، ولا لكونه يحتاج إليه، هذا لأن كون المرء إيلون ماسك أمراً سهلاً نسبياً. هو يستمتع بالمجازفة، وهو لا يهدأ، ويفتقر إلى التعاطف، ويشخص بنفسه إصابته بمتلازمة أسبرجر، ويكون في أسعد حالاته حين يلعب ألعاب فيديو استراتيجية تستهدف بناء إمبراطوريات، مثل “بوليتوبيا” و”سيفيليزيشن”، حتى يشعر بحرقة في عينيه. هو شخص يمكن أن يسميه المرء متحفظاً. لديه بعض الأهداف البسيطة في الحياة، وإن كانت غير تقليدية، كرس نفسه لها. كل شيء وكل شخص مرهون بصعود السيارة الكهربائية، لإنقاذ الكوكب، وإنشاء مستعمرة بشرية على المريخ إذا دمرت الأرض بسبب تغير المناخ أو حرب نووية. هذه هي دوافع ماسك المتجاوزة الحدود: في نهاية المطاف، هو يرتدي تيشيرت يقول “احتلوا المريخ”. وهو يعني ذلك.

ذلك كله مستوحى من الخيال العلمي، وكما يلاحظ أيزاكسون، يعيش ماسك حياته كمزيج بشري من “دليل المسافر إلى المجرة”، و”حرب النجوم”، و”المصفوفة”، و”شرائط مارفل المصورة” وعظيموف. الصواريخ، ووسائل التواصل الاجتماعي، والسياسة، والحياة الأسرية، والمال – كلها وسائل لغرض إنقاذ البشرية من خلال جعلنا “حضارة ترتاد الفضاء” وتستطيع التغلب على الإعاقة من خلال التدخلات العصبية بالتكنولوجيا الفائقة والتغلب على تغير المناخ بالسيارات الكهربائية ذات الأسعار التي يمكن تحملها. كل شيء مثير للإعجاب بطريقته، ولو كان مجنوناً قليلاً، لكن من الصعب تجنب استنتاج أن ماسك يمتلك عقدة المخلص. نظراً إلى أنه مغرم بشدة باقتباس نصوص “مونتي بايثون”، قد نستنتج “إنه ليس المخلص، إنه صبي مشاكس جداً”. المشكلة هي أننا، سواء أحببنا ذلك أم لا، نتعرض في شكل متزايد إلى جاذبية هذا الصبي المشاكس.

“إيلون ماسك” بقلم والتر أيزاكسون من منشورات “سيمون أند شوستر”، 28 جنيهاً استرلينياً