من عملية “سهم باشان” التي قضت فيها إسرائيل على البنية التحتية لجيش سورية بعد سقوط النظام البائد، إلى إشهار الهجري انفصاله باسم “جبل باشان” لتفتيت سورية، كان توغّل جيش الاحتلال المتكرّر وقضمه لأراضي منطقة فضّ الاشتباك1974 واقتحامه للقرى والمدن المحاذية لها، وقصف هيئة الأركان بدمشق الذي تُوِّج بتوغل نتنياهو مع أعتى قادته المتطرّفين، الساسة والعسكر، قمة جبل الشيخ الإستراتيجية، رسائل ضغط في تفاوضه مع حكومة دمشق للعمل على اتفاقية جديدة، بعد فرار الأسد حارس الحدود، لم تطلق فيها رصاصة واحدة طوال 60سنة، لتأتي عملية التوغّل الفاشلة في بلدة “بيت جن” بريف دمشق، وارتقاء 13 مدنياً وإصابة 6 من ضباطه وجنوده، خلال اشتباكات مع الأهالي، والتي أعلنت قواعد اشتباك جديدة، حسب تصريحاتهم، بعد الفاتورة الكبيرة التي فوجئوا بها، لتكون عمّا قريب ساحة اغتيالات وقضمِ نهمٍ يرسّخ خطوطاً جديدة تطمئن خوفاً وجودياً لا يمكن انتهاؤه، قوامها: ما لا يتمّ تحصيله بالتفاوض يُفرَض بالقوة، وما يُرتّب على حدودنا، هو ما يلائم أمننا! وهذا يعني أن نتنياهو يقايض استقرار سورية في هذه المرحلة بما يريده، وهو استسلام وفرض أمر واقع بالقوة.
وفي خضمّ الفراغ الأمني، لم يكن توغل ” بيت جن ” مجرّد فعل عسكري، بل تدشيناً لـمرحلة فوضى يديرها نتنياهو ومَن حشدهم في الداخل، قسديين وغزاليين وهجريين، مكرّساً أمنه الاستباقي على حساب الدم السوري، مستهدفاً السيادة السورية، وقد يجرّ السوريين إلى حرب لا تبقي ولا تذر.
فمن الدعوة للاحتفال بسقوط النظام، والغضب من العدوان الإسرائيلي، شرعت حالة تعبئة وطنية تتخلّق، تمنح الدولة الجديدة إمكانية تحقيق إجماع وطني ضد العدوان، وتفضح القوى الداخلية التي تعمل كأدوات وظيفية للتفتيت.
لم تألُ سورية الجديدة جهداً بالعمل على تصفير مشاكل الداخل والخارج، وعلى الرغم من الأخطار والأخطاء، لم تتأخّر في مدّ اليد للعمل على استقرار سورية والمنطقة وانتعاشها، دون التنازل عن الحقوق والسيادة. ولكن نتنياهو ما انفكّ يخلق الذرائع لإرباك سورية ومنع انطلاقها في إعادة الإعمار ودورة عجلة الاقتصاد والعدالة الانتقالية، مرة بالدفاع عن عمقه وأخرى بالدفاع عن الأقليات وثالثة بتواجد إرهابيين وحوثيين وحماس وغيرهم، وما تستهدفه إسرائيل غير موجود، ومَن واجهها مدنيون شجعان يدافعون عن أنفسهم وعائلاتهم!
لم يرُق لقادة الكيان الصهيوني احتضان العالم لسورية الجديدة موحّدة، ومساعدتها في انطلاقها نحو المستقبل، لذلك انكبّوا يبحثون عمّا يثبت تورّطها في فشل التوغّل وارتفاع فاتورته، والجنوب كله تحت أنظارهم. والمطلوب واقعياً من التصعيد قبول الشروط أو الدخول في المجهول الذي سيعقّد مشهد المواجهة لا في سورية بل في المنطقة كلها. إنها رسائل إستراتيجية هدفها توجيه سلوك دمشق الجديدة، وتحديد الموافق والمناقض لمشاريع إسرائيل! ومن هنا نجد الإدانات العربية والدولية للتدخّلات في الشأن الداخلي السوري، والأهمّ ما سيكون عليه الجهد الأمريكي لنزع فتيل تفجّر الجنوب السوري، وهو ما سيربك ما تسعى لإنجازه في المنطقة، عبر الضغط على نتنياهو ومتطرّفيه.
سورية في مرحلة التوازن الحَرِج، أمامها عدوّ وخلفها أدواته، فعلى أي جانبيها تميل؟ الإجابة بتحويل المشاعر إلى إرادة صلبة، وفكر منفتح يقبل الشراكة، حيث تكون أرضها حراماً على أعدائها، ولا يمكن لأي أداة داخلية أن تفرض وصايتها على غيرها. يجب أن تتحوّل من أرض للصراع إلى مرتكز للاستقرار والاستثمار، ينعم فيه السوريون بعد طول المعاناة وعظيم التضحيات، بالكرامة والحرية والعدالة.
- رئيس التحرير


























