تتصدر ظاهرة الأكياس البيضاء ومهنة التقاط مخلفات المنازل والخردوات والمعادن، الصورة النمطية ليوميات سكان مدينة الرقة السورية، حيث أضحى المشهد جزءا حاضرا بالحياة اليومية، حيث تتكدس مجموعات من أطفال ونساء في الشوارع والأسواق ومكبات النفايات والحاويات والخرائب.
وهي ظاهرة طرأت على المجتمع الرقيّ بعيد العام 2018 واتجاه عديد من سكان المحافظات السورية التي توالت عليها السيطرة العسكرية «مناطق النظام» مثل ديرالزور، حماه، إدلب، حمص وأصبحت تلك العوائل تقطن في ما يقرب من 58 مخيما تحيط بالرقة. من ناحية أخرى عملت عدة منظمات محلية ودولية على مكافحة ظاهرة الأكياس البيضاء، في خطوة لحماية الطفولة والأمومة وما ترتب عنها من عمالة للأطفال وانتشار الأمية والتنمر والتحرش خاصة للإناث والأمهات، ما جعل نشطاء محليون بالرقة يطلقون حملة «نريد نغير» لإسقاط تلك القضية المؤرقة أمام الرأي العام، وتم عقد عدة جلسات مع الأطفال والأمهات ومناقشة الأوضاع التي آلت إليها حياتهم للعمل بتلك المهنة الخطرة. يقول عبدالرزاق العبيو أحد القائمين على الحملة: خلال شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو من العام الجاري توجهنا نحو العوائل التي امتهنت التقاط الخردوات والمعادن «الأكياس البيضاء» وتم الاستماع لقضاياهم واتجاههم نحو العمل بهذه المهنة الخطرة، وتفاوتت الأجوبة نحو «الوضع المعيشي الصعب، غياب المعيل، انعدام برامج دعم إغاثية وطبية من قبل المعنيين» وهو ما حذى بتلك العوائل لدفع بناتهم وأبناءهم بل والأمهات وكبار السن، للعمل على حمل أكياس بيضاء والتقاط تلك المواد من الطرق والمنازل المهدمة والحاويات، وبيعها لمحلات جمع الخردة، لتأمين مصروفهم دون الحاجة للتسول وما سواه.
بالمقابل يقول الناشط الإعلامي أحمد الحسين: أن المحاكاة السينمائية «دمع حامض» هي لفتة طارئة في سبيل إسقاط الضوء على قضية «الأكياس البيضاء». عمل مجموعة من النشطاء والإعلاميين من الرقة على تصوير فيلم سينمائي قصير، تناول فيه العمل السينمائي، صورا دقيقة من حياة العوائل التي تمتهن التقاط المخلفات عن قرب، وكيف تبدأ دورة الحياة عندهم وما تشكله من مخاطر على الطفولة والأمومة ولمحة الفقر والقسوة والتنمر وما يتعرض له أصحاب الأكياس البيضاء خلال يوم من عملهم». وتقول ميديا سليمان التي أخذت دور الأم في فيلم «دمع حامض» إن دورها كان شاقا جداً في تقمص شخصية أم يعمل ابنها الفتى على جمع البلاستيك والخردوات والمعادن من الحاويات والطرق، وكيف تتعرض وابنها لقسوة من زوجها العاطل عن العمل، في سبيل تأمين المال له ثمناً للتبغ ومصروفه الخاص. وتضيف ميديا: «ما قدمته من رؤيا لدور الأم المكسورة والمقهورة في العمل، هو زاويا من خفايا عديدة ما زالت المرأة في المجتمع تتعرض له من ضرب وقهر وتنمر وتعنيف خاصة في الطبقات المهمشة ومراكز الإيواء والمخيمات العشوائية التي قد لا تصل إليها عدسات الصحافة والإعلام».
الممثل والمخرج المسرحي عبدالقادر العبود يقول: منذ ما يقارب الأربعين سنة وأنا أعمل بمجال المسرح والتمثيل بالدراما السورية، وأخرجت عدة أعمال مسرحية أخذت زوايا ومناحي الحياة الاجتماعية والأزمة التي مرت على الشعب السوري، لكن تجربتي في فيلم سينمائي تطرق لظاهرة الأكياس البيضاء بالرقة، هي الأولى، فهي كانت مشاهد حية تم تنفيذها في شوارع وأحياء حقيقية وليست «كركتر» مصنوع، ولم نعمل ديكورا مصطنعا، فأماكن التصوير هي أماكن بالفعل يراها القاصي والداني في منازل الطبقة المهمشة، وأماكن التقاط الخردوات من قبل الأطفال والنساء بمشهد يتكرر بشكل يومي في مدينة الرقة».
واختتم العبود حديثه: كانت خاتمة العمل «دمع حامض» هي ظاهرة الأطفال حديثي الولادة التي تؤرق حاليا المجتمع المحلي، حيث بين الفينة والأخرى، يتم العثور على مواليد جدد على قارعة الطرق والحدائق وأمام المساجد، وهي لا تقل شأناً عن الأكياس البيضاء».
في سياق متصل عملت شركة «وسم» الإعلامية المحلية في العام الماضي على إنتاج فيلم سينمائي قصير حمل اسم «قيد مكتوم» تحدث فيه العمل عن زواج نساء محليات من الرقة من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية خلال فترة سيطرته
الإعلامي عبدالسلام الأسمر تحدث بدوره عن كواليس تصوير المشاهد في العمل السينمائي وقال: «مسألة تصوير محاكاة سينمائية وتجربة جديدة للإعلاميين والنشطاء، حيث كانت الضرورة استهداف مناطق حقيقية من أحياء الرقة الشعبية والمخيمات، بالإضافة لدمج الأطفال الممثلين بالفيلم مع أطفال بحق يعملون بهذه المهنة، وأضف لذلك عدم وجود تجربة تصوير سينمائي للمصورين العاملين بالفيلم، وهو ما أراه نقلة نوعــية بمجال العمل الإعلامي والسينما بالرقة، دون وجود أي دعم مادي أو تقني لإنتاج هذه الأعمال».
فيما يؤكد أحمد النزال الإعلامي الذي أشرف على عمليات التصوير والمونتاج والمكساج، أن إطلاق هكذا محاكاة سينمائية محلية هي نقلة نوعية في مدينة الرقة التي لم يسبق أن ظهرت بوادر تجارب سينمائية سابقة فيها، وتهمشت قضايا المجتمع بالرقة سوى بعض التقارير والصور التي تنقلها بعض وسائل الإعلام.
ويضيف: الهدف الأساسي من فيلم «دمع حامض» هو إيصال رسالة هذه الطبقة التي تكبر وتزداد يوماً بعد يوم «الأكياس البيضاء» وما نجم عنها من آثار وظواهر كارثية مثل عمالة الأطفال والنساء، والتسرب والعنف المدرسي، والتسول والتحرش وانتشار الجهل والأمية وتزايد نسبة الفقر.
“القدس العربي”