هل خربت حماس خطط بايدن للشرق الأوسط؟ هكذا تساءلت مجلة “إيكونوميست”، التي أكدت أن الرئيس الأمريكي منح إسرائيل مطلق الحرية لعمل ما تريد في غزة بعد هجوم السبت الذي شنته حماس داخل إسرائيل، لكن ماذا سيحدث في اليوم التالي؟ وذكرت المجلة بكلمات مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في 29 أيلول/سبتمبر “الشرق الأوسط هادئ اليوم وأكثر مما كان عليه قبل عقدين”، ولكن هجوم حماس يقدم لبايدن أزمة حادة في الشرق الأوسط فوق الأزمة المزمنة في أوكرانيا وتلك التي تلوح بالأفق في تايوان. وبحسبها فواحد من أهم مظاهر القلق لفريق الأمن القومي العامل معه هو تحديد عدد القتلى الأمريكيين (11 حتى الآن) وعدد الرهائن المحتجزين لدى حماس (غير معروف)، أما القلق الثاني، فهو السيطرة على ترددات محتملة من الأزمة في الشرق الأوسط. وفي 8 تشرين الأول/أكتوبر أرسلت البنتاغون حاملة الطائرات “يو أس أس جيرالد فورد” إلى المياه الإسرائيلية، وسيتم تعزيز أسراب سلاح الجو الأمريكي بالشرق الأوسط وإرسال إمدادات سلاح إلى إسرائيل في أيام. وقالت البنتاغون إن التحرك “يهدف إلى تقوية الموقف الأمريكي العسكري بالمنطقة وتعزيز جهود الردع الإقليمية”.
وبالنسبة لمارتن إنديك، السفير الأمريكي السابق في إسرائيل، فهذا يصل إلى حد “تحرك كيسنجيري” ويهدف لتعزيز الردع الإسرائيلي ومنح تحذيرات بايدن لإيران وجماعاتها الوكيلة جوهرا “ليست هذه اللحظة لاستغلال أي طرف معاد لإسرائيل هذه الهجمات”، ويظل إرسال قوات أمريكية لتقاتل مع إسرائيل إمكانية بعيدة.
وزير الخارجية أنطوني بلينكن تحدث عن الحاجة “للمعايير العالية” لحماية المدنيين، لكن تغريدات وزارته الداعية لضبط النفس حذفت مع تشدد الخطاب الإسرائيلي
وتقول المجلة إنه مع إعلان رئيس الوزراء عن التعبئة “للانتقام من هذا اليوم الأسود”، لم يعلن البيت الأبيض عن الحاجة لضبط النفس أو الحد من الضحايا الفلسطينيين. وقال بايدن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وشعبها”، لكن وزير الخارجية أنطوني بلينكن تحدث عن الحاجة “للمعايير العالية” لحماية المدنيين، لكن تغريدات وزارته الداعية لضبط النفس حذفت مع تشدد الخطاب الإسرائيلي. وأمر وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت بفرض حصار شامل على غزة “لا كهرباء ولا طعام ولا غاز وكل شيء مغلق، نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف بناء على ذلك”.
وبحسب المجلة يعتبر التقارب بين القادة الأمريكيين والإسرائيليين نتاجا للهجوم الأخير، فقد حد بايدن من لقاءاته المباشرة مع نتنياهو لخوفه من ائتلافه المتطرف، ولكن معظم استراتيجية بايدن تجاه الشرق الأوسط قد قلب رأسا على عقب، فجهوده للتوسط في صفقة تطبيع بين إسرائيل والسعودية، متوقفة الآن، وبات منظور حل الدولتين الذي تبنته إدارته بعيد المنال، كما أن تطلعاته لتخفيض التوتر مع إيران أصبحت غير محتملة. وتلاشت آماله بالتحول عن الشرق الأوسط وتركيز جهوده لمواجهة القوى العظمى مثل الصين.
وتذكر المجلة أنه في مؤتمر نظمته مجلة “أتلانتك” قال سوليفان بحس الراضي عن نفسه إن “حجم الوقت الذي كرسته للأزمة والنزاع في الشرق الأوسط، مقارنة مع أسلافي بفترة ما بعد 9/11 خفض بشكل واضح”، واعترف سوليفان أن “كل شيء قد تغير”، لكن آماله “بالحد من الضغوط وخفض التوتر ودمج الشرق الأوسط، يواجه مخاطر التراجع. فهجوم حماس أثار الإعجاب والتقدير بين بعض العرب والمسلمين، وسيجلب مخطط الإنتقام الإسرائيلي الغضب وسيخاف القادة العرب من مخاطر الإضطرابات الواسعة.
وتقول إنه في الوقت الذي دعا فيه محمد ضيف، زعيم الجناج العسكري لحماس العرب والمسلمين المشاركة في المعركة، إلا آن كلامه لم يثر إلى ردودا رمزية على شكل قنابل هاون على مزارع شبعا ولم يعلن حزب الله عن دخوله المعركة كما في 2006، ولم ينتفض الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس الشرقية، رغم التقارير عن مقتل أعداد من رماة الحجارة في المواجهات مع الجنود الإسرائيليين خارج القدس. وفي أماكن أخرى، قام شرطي مصري بقتل سائحين إسرائيليين ودليلهما. وكلما طال أمد الحرب كلما زادت احتمالات توسعها.
وبحسب المجلة يعتبر عنف حماس، مشكلة كبيرة لمحمود عباس وسلطته الوطنية، فتحرك حماس يظهر فشل العملية السلمية وتحد لزعامته وأنه يقود كل الحركة الفلسطينية. وفي نفس الوقت ففشله في فصل نفسه عن العنف والتوقف مثلا عن دعم عائلات السجناء الفلسطينيين يقلل من مصداقيته في عيون الإسرائيليين وبعض الدول الغربية. وتسبب في انقسام في أوروبا، ففي 9 تشرين الأول/أكتوبر أعلن الإتحاد الأوروبي عن قطع مئات المليارات من الدولارات للسلطة الوطنية وأنها ستجمد بانتظار مراجعتها وإن تم استخدامها للتحريض على العنف والكراهية والإرهاب.
واعترض مسؤول السياسات الخارجية جوزيب بوريل على قرار مفوض التواصل في الإتحاد أوليفر فارلي، قائلا إن هذا يعد عقابا لكل الفلسطينيين. ويختلف الخبراء حول هجوم حماس وإن كان بالضرورة يستهدف نسف عمليات التطبيع السعودية مع إسرائيل، كما ويختلفون حول توجيه إيران له. فحماس لا تحتاج لتوجيه كي تقوم بالعملية، لكن القيادي البارز اسماعيل هنية قال: “نقول لكل الدول بمن فيهم الأشقاء العرب، أن هذا الكيان الذي لا يستطيع حماية نفسه من المقاومة لا يمكنه حمايتكم”.
وتشير المجلة إلى أنه في الشهر الماضي قال ولي العهد السعودي إن السلام قريب مع إسرائيل، ولكن وزير الخارجية السعودية حمل إسرائيل مسؤولية هجوم حماس نظرا للإحتلال وحرمانها الفلسطينيين من حقوقهم. وظلت المطالب السعودية عائقا أمام انضمام السعودية لنادي اتفاقيات إبراهيم، وكان نتنياهو سيواجه خطر انهيار ائتلافه لو قدم تنازلات للفلسطينيين بموجب الصفقة المتوقعة. ويقول آرون ديفيد ميلر من وقفية كارنيغي للسلام العالمي أن قدرة الولايات المتحدة تحقيق صفقة سعودية- إسرائيلية “انخفضت إلى صفر”، على الأقل الآن.
وتؤكد المجلة لن يقدم أي زعيم اسرائيلي تنازلات للفلسطينيين في الظرف الحالي، ولن يسارع محمد بن سلمان لعقد صفقة مع زعيم إسرائيلي قد يخسر منصبه، واستسلم بايدن للتأخير، وقال مسؤول أمريكي “هناك طريق طويل أمام العملية”. لكن الخطر الأكبر على بايدن هو الغضب ضد إيران، ويقول المسؤولون الأمريكيون والحكومة الإسرائيلية إنه لا توجد أدلة تربط طهران مباشرة بالهجمات الأخيرة، لكن الجمهوريين يحاولون الربط بين الهجوم على إسرائيل وسياسات بايدن من النظام الديني في إيران. فقد جاء إلى السلطة على أمل إحياء الإتفاقية النووية التي وقعها باراك أوباما وخرج منها دونالد ترامب والحد من نشاطات إيران النووية، لم يحقق صفقة وإيران باتت قريبة من القنبلة النووية.
كما تعلمت إسرائيل من مغامرتها الفاشلة في لبنان 1982 وأمريكا من العراق وأفغانستان، فمن السهل أن تنجر في حرب، ولكن من الصعب الخروج منها.
وهاجم الجمهوريون بايدن لأنه خفف من السياسة المتشددة تجاه إيران، التي فرضها ترامب وقراره الإفراج عن 6 مليارات دولار من عوائد النفط المستحقة على كوريا الجنوبية مقابل إفراج إيران عن رهائن أمريكيين، مع أن الأموال المفرج عنها محفوظة لدى قطر. وبالنسبة لترامب، المرشح الجمهوري المحتمل لانتخابات الرئاسة العام المقبل، فأموال دافع الضريبة الأمريكي استخدمت لتمويل هذه الهجمات.
ورغم كل هذا، فإن الجمهوريين لا يساعدون إسرائيل، فخلافاتهم جعلت من الكونغرس عاجزا، ولم يصادق مجلس الشيوخ على سفير بايدن المعين لدى إسرائيل، ولا مئات من التعيينات العسكرية، كما أن الإطاحة برئيس مجلس النواب يعني أن الميزانية، بما فيها الدعم لأوكرانيا وربما إسرائيل لن تتم الموافقة عليها. والذخيرة التي تحتاجها إسرائيل لاعتراض الصواريخ من خلال القبة الحديدية وغير ذلك من المعدات تختلف عما تحتاجه أوكرانيا وبالضرورة تايوان، إلا ان هذا يظلل المطالب التي تواجه أمريكا والضغوط على مصادرها وترسانتها العسكرية وقواتها المسلحة ومؤسسة الأمن القومي، فالتحزب والشلل في واشنطن قد يعيقان الرد المتماسك.
وتقول المجلة إنه في الوقت الحالي سيحتضن بايدن بناء على معتقد سياسي أو ضرورة إسرائيل، وهو ما شكره نتنياهو عليه، ولو افترضنا أنه يمكن تدمير حماس، فلا بايدن او نتنياهو لديه الجواب على ما سيحدث بعد انتقام إسرائيل، من سيحكم غزة؟ وماذا سيكون وضع الفلسطينيين في العقلية الإسرائيلية؟
وتختم المجلة بالقول إنه كما تعلمت إسرائيل من مغامرتها الفاشلة في لبنان 1982 وأمريكا من العراق وأفغانستان، فمن السهل أن تنجر في حرب ضد ما أسمتهم “الإرهابيين”، ولكن من الصعب الخروج منها.
“القدس العربي”