تجارب سابقة تدفع الجميع للترقب والخوف من مقبل الأيام
غزة ـ «القدس العربي»: توصلت المقاومة الفلسطينية لأول اتفاق هدنة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، تتوقف بموجبه الحرب الدامية ضد قطاع غزة، لمدة أربعة أيام متواصلة، بدأت صبيحة الجمعة الماضية، بعد تأخير ليوم كامل، بناء على وساطات قامت بها عدة أطراف، وسط شكوك بنوايا قادة الاحتلال، خاصة في ظل حوادث كثيرة سابقة خرق فيها جيش الاحتلال حالة التهدئة، بتنفيذ عمليات اغتيال مفاجئة، أدت وقتها إلى نشوب تصعيدات عسكرية وعودة حروب سابقة شنتها إسرائيل إلى المربع الأول.
هدنة وترقب
وبدأت الهدنة الجديدة عند الساعة السابعة من صبيحة الجمعة، وتمتد حسب اتفاق الوساطة، لمدة أربعة أيام متتالية، تتوقف فيها عمليات القتال، وهناك حديث على أن يجري تمديدها لأيام أخرى، في وقت تبقي فيه دولة الاحتلال قواتها المتوغلة داخل مناطق قطاع غزة، مع تنفيذ عملية تبادل أسرى تشمل 50 إسرائيليا من الأطفال والنساء، مقابل 150 أسيرا من الأطفال والنساء الفلسطينيين، على أن تنفذ هذه الصفقة على عدة أيام.
وهذه هي الهدنة الأولى بعد أيام حرب طويلة، امتدت لـ 48 يوما من الهجمات العسكرية الإسرائيلية العنيفة، التي لم يشهد لها مثيل في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث أدت إلى استشهاد أكثر من 13 ألف فلسطيني، فيما هناك آلاف آخرون ضحايا تحت أنقاض المباني المدمرة من آلة الحرب الإسرائيلية، وعن إصابة أكثر من 30 ألفا آخرين، حيث كانت نسبة الأطفال والنساء الأعلى في صفوف الضحايا والمصابين، علاوة عن التدمير الكبير الذي لحق بالمباني والبنى التحتية، والذي أعاد قطاع غزة إلى عشرات السنين إلى الوراء.
ورغم مطالب السكان الفلسطينيين في غزة، وكل المستويات الرسمية والشعبية، بأن تنتهي الحرب بشكل كامل في قطاع غزة، وأن لا تعود الحرب الدامية التي تنفذها قوات الاحتلال مجددا، من خلال تطور الهدنة الحالية قبل انتهائها إلى آليات تضمن ذلك، بمجهود الوسطاء، إلا أن التجارب السابقة لدولة الاحتلال في هكذا قضايا، تجعل الجميع متخوفا من مخططات إسرائيلية قادمة، قد تعيد الأمور إلى المربع الأول.
وتستند المخاوف إلى ما كانت دولة الاحتلال تقدم عليه سابقا، من خلال تنفيذ عمليات اغتيال لقادة المقاومة، أو تقوم بأعمال عسكرية تخرق فيها اتفاق التهدئة، من أجل تنفيذ مخططاتها العسكرية، خاصة وأنها أبقت قواتها المتوغلة داخل مناطق تقع في عمق مدينة غزة.
كما تستند هذه المخاوف الفلسطينية، إلى تصريحات قادة الاحتلال، بعد موافقتهم على الهدنة الحالية، والتي لم يخفوا فيها نواياهم العسكرية تجاه قطاع غزة، الذي باتت معظم مناطقه لا تصلح للسكن والعيش.
تجارب سابقة
وهنا يمكن استذكار العملية العسكرية الأولى التي شنتها إسرائيل ضد قطاع غزة، بعد سيطرة حركة حماس، والتي كانت في نهايات شهر كانون الأول/ديسمبر من العام 2008 حين قامت عشرات الطائرات الحربية المقاتلة، بشن مئات الغارات الجوية في آن واحد ضد مراكز شرطية وأمنية تديرها حكومة حماس، ما أدى وقتها لاستشهاد 400 فلسطيني في الضربة الأولى، واندلاع حرب دامت لـ 21 يوما، أسفرت عن استشهاد وإصابة الآلاف من المواطنين، وحدوث دمار كبير في المنازل.
وكما هو الحال كانت الحرب الثانية التي نفذتها دولة الاحتلال ضد غزة، في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2012 حين أقدمت رغم وجود اتفاق تهدئة رعاه الوسطاء، على اغتيال قائد الجناح العسكري لحركة حماس في قطاع غزة أحمد الجعبري، وتلت ذلك بشن هجمات دامية استمرت لثمانية أيام، أدت لوقوع مئات الشهداء وإحداث دمار كبير في المباني.
ولم يكن الأمر بعيدا أيضا في الحرب الطويلة التي شنتها دولة الاحتلال ضد قطاع غزة صيف العام 2014 والتي امتدت لـ 51 يوما، وتخللها عدة مرات التوصل إلى هدن إنسانية، كانت تدوم الواحدة لثلاثة أيام، حيث قامت في إحدى تلك الهدن، بتنفيذ عملية اغتيال لقائد الجناح العسكري لحركة حماس محمد الضيف، غير أنه نجا من تلك الغارة، وقضت فيها زوجته وأحد أبنائه.
ولم يكن الأمر بعيدا عن ذلك في سلسلة تصعيدات عسكرية أخرى نفذتها دولة الاحتلال ضد قطاع غزة، من بينها اغتيال بهاء أبو العطا، القيادي في الجناح العسكري لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ومن ثم وفي عملية أخرى في شهر ايلول/سبتمبر من العام الماضي، اغتيال خليفته تيسير الجعبري، ومن ثم في شهر ايار/مايو الماضي، تنفيذ عملية اغتيال طالت عددا من قادة سرايا القدس في ضربات جوية استهدفت في آن واحد عدة مناطق في القطاع.
وفي كل مرة من تلك العمليات، كان يقع تصعيد عسكري يمتد لعدة أيام، ترد فيه المقاومة على هجمات جيش الاحتلال، الذي كان يمعن في تنفيذ الهجمات الدامية التي كانت توقع مئات الشهداء والمصابين.
وكان لافتا في هذا الأمر تصريحات رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير جيشه يؤاف غالانت، بعد إعلانهم الموافقة على الهدنة الإنسانية الجديدة، والتي وافق عليها مجلس الحرب في إسرائيل، حيث حملت تصريحاتهم تهديدات خطيرة، من شأنها في حال نفذت أن تعيد الأمور إلى المربع الأول، كونها اشتملت على جملة تهديدات بإمكانية تنفيذ جيش الاحتلال هجمات أو أفعال يخرق فيها الهدنة.
تهديدات علنية
وبشكل علني قال نتنياهو «أريد أن أكون واضحا بأن الحرب ستتواصل حتى تحقيق كل الأهداف والقضاء على حماس» وقوله أيضا «سنواصل الحرب حتى تحرير كل المختطفين والقضاء على تهديد حركة حماس».
ولم يخف أيضا نتنياهو نواياه الخطيرة، حين قال في مؤتمر صحافي بانه أمر جهاز الاستخبارات «الموساد» بالعمل ضد قيادات حماس في أي مكان يتواجدون فيه حول العالم.
أما وزير جيشه غالانت فقال مهددا أيضا «نهاية هذه الحرب يجب أن تكون عبر تفكيك حماس وإعادة المخطوفين وكل الجهات في إسرائيل تلتزم بذلك» مشيرا إلى أن العمليات العسكرية لجيشه تحقق هدفين هما «تفكيك حماس عسكريا وتقريب التوافق على اتفاق لاستعادة الرهائن».
وأضاف وهو يتحدث في ذلك المؤتمر الصحافي برفقة نتنياهو «حماس لا تفهم إلا لغة القوة وقد حددت مصيرها ومصير غزة بعد هجوم السابع من أكتوبر».
وقد ترافق ذلك مع إعلان المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، عن أن ملاحقة قادة حماس في غزة، تعد أولوية لجيشه في هذه المرحلة.
ولذلك تبقى المخاوف قائمة من لجوء جيش الاحتلال وأجهزة الأمن الإسرائيلية، بالإقدام على تنفيذ عمل عسكري خطير جدا، ينهي هذه الحالة من الهدوء، ويعيد الأمور إلى ما كانت عليه بشكل أخطر، بحيث تعود آلة الحرب الإسرائيلية إلى القتل والتدمير والتهجير القسري لسكان غزة، وإحداث الدمار الكبير والخطير في المباني والبنى التحتية وفي المرافق العامة والاقتصادية، ضمن خطة تدمير غزة.
ومن المؤكد أن قادة المقاومة الفلسطينية، ينتبهون جيدا إلى تلك التهديدات، بسبب تجاربهم السابقة مع دولة الاحتلال، لكن إمكانية نجاح خطط إسرائيل لنسف الهدنة أمر لا يزال واردا، في ظل امتلاكها لتقنيات متطورة جدا.
والجدير ذكره أن الهدنة الحالية، التي توسطت فيها قطر ومصر والولايات المتحدة الأمريكية، حسب ما أعلن، تشمل وفق ما ذكر الجناح العسكري لحركة حماس كتائب القسام في بيان توضيحي، والتي دخلت حيز التنفيذ عند الساعة السابعة من يوم الجمعة الماضي، وقف جميع الأعمال العسكرية من كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية وكذلك الاحتلال طوال فترة التهدئة.
كما تشمل وقف «الطيران المعادي» عن التحليق بشكل كامل في جنوب قطاع غزة، وكذلك توقف هذا الطيران عن التحليق لمدة 6 ساعات يومياً من الساعة الـ 10 صباحاً وحتى الــ 4 مساء في مدينة غزة والشمال.
وخلال الهدنة وفق توضيح القسام يتم الإفراج عن 3 أسرى فلسطينيين من النساء والأطفال مقابل كل أسير إسرائيلي واحد.
وخلال الــ 4 أيام يتم الإفراج عن 50 أسيراً إسرائيليا من النساء والأطفال دون الـ 19 عاماً.
كما تنص على أن يتم يومياً إدخال 200 شاحنة من المواد الإغاثية والطبية لكافة مناطق قطاع غزة، إضافة إلى إدخال 4 شاحنات وقود وكذلك غاز الطهي لكافة مناطق قطاع غزة.
أوضاع إنسانية صعبة
والجدير ذكره، أن الهدنة هذه جاءت في وقت ساءت فيه أحوال سكان غزة بشكل خطير جدا، بعدما نفدت غالبية المواد الأساسية من الأسواق، وبات السكان يعتمدون في هذا الوقت فقط على المساعدات الإنسانية التي تمر عبر المؤسسات الإغاثية الدولية من معبر رفح الفاصل عن مصر، فيما يواجه السكان معضلة كبيرة في الحصول على المياه الصالحة للشرب، فيما باتوا منذ بداية الحرب بلا أي امدادات للكهرباء.
ولم تعد تتوفر في محال البيع أي كميات من الدقيق والأرز والبقوليات، التي تعتبر غذاء أساسيا، وبات الحصول عليها يحتاج جهدا حيث تباع بأسعار مرتفعة، وهو ما دفع بمنظمات أممية أبرزها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين للتحذير من «مجاعة» تصيب السكان، خاصة وأن كميات المساعدات التي تمر لغزة، لا تفي احتياجات السكان المنكوبين في القطاع.
وفي بيان رسمي أكدت «الأونروا» أنه ليس لدى الأشخاص الموجودون داخل «مراكز الإيواء» ما يكفي من غذاء ومستلزمات البقاء الأساسية.
وأكدت أنه بسبب زيادة عدد النازحين، فإن مستويات النظافة الشخصية منخفضة، ما زاد من مشاكل الصحة العقلية أيضا.
وقالت إنه بسبب الظروف الصحية السيئة، تشير البيانات إلى زيادات كبيرة في بعض الأمراض المعدية مثل الإسهال والتهابات الجهاز التنفسي الحادة والتهابات الجلد والظروف المتعلقة بالنظافة الشخصية مثل انتشار القمل.
وكان المستشار الإعلامي لـ «الاونروا» عدنان أبو حسنة، قال معقبا على الأوضاع المتردية «أنا شهدتُ حروبا كثير قبل ذلك في غزة، لكنني لم أرَ بحجم هذه المأساة» ويضيف «إنها نكبة جديدة للفلسطينيين. لم أكن أتوقع أن أرى مئات الآلاف من النازحين الذين تركوا كل شيء».
وأضاف «لم أرَ في حياتي، إزالة أحياء كاملة عن الوجود في مدينة غزة، رأيت أناسا، هم سكان مدينة غزة الأصليون، الذين لم يغادروا غزة منذ آلاف السنين ولكن اليوم أصبحوا لاجئين ونازحين في مدينة جديدة».
وحسب ما أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن الحرب الإسرائيلية الدامية أدت إلى تدمير عشرات آلاف المباني في قطاع غزة، وجعل الكثير من المناطق غير صالحة للسكن، بعد استهداف بنيتها التحتية، وذكر المكتب الإعلامي في غزة، في إحصائية رسمية أن عدد الوحدات السكنية التي تعرضت إلى هدم كلي بلغ 43.000 وحدة سكنية، إضافة إلى 225.000 وحدة سكنية تعرضت للهدم الجزئي، ما يعني أن حوالي 60 في المئة من الوحدات السكنية في قطاع غزة تأثرت بالعدوان ما بين هدم كلي وغير صالح للسكن وهدم جزئي.
وأوضح أن عدد إجمالي المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بلغ أكثر من 1.340 مجزرة، وبلغ عدد المفقودين أكثر من 6.500 مفقودٍ إما تحت الأنقاض أو أن جثامينهم ملقاة في الشوارع والطرقات يمنع الاحتلال أحداً من الوصول إليهم، بينهم أكثر من 4.400 طفلٍ وامرأة.
هذا وقد بلغ عدد الشهداء أكثر من 13.300 شهيد، بينهم أكثر من 5.600 طفل، و3.550 امرأة، فيما بلغ عدد شهداء الكوادر الطبية 201 من الأطباء والممرضين والمسعفين، كما واستشهد 22 من طواقم الدفاع المدني، وكذلك استشهد 60 صحافياً، فيما زاد عدد الإصابات عن 31.000 إصابة، أكثر من 75 في المئة منهم من الأطفال والنساء.
“القدس العربي”