تعني كلمة أبارتهايد بلغة الأقلية البيضاء (النبذ)، وقد طُبّق نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وناميبيا اعتبارا من 1948إلى 1991، وأضفى هذا النظام الطابع المؤسساتي لهيمنة العرق الأبيض على باقي الأعراق، لكي تحكم الأقلية البيضاء المتحدرة من أصول أوروبية، التي تُقدَّر نسبتها من 15إلى 20%، الغالبية السوداء ذات الأصول الأفريقية والهندية.
يصادف 30 نوفمبر/تشرين الثاني ذكرى مرور خمسين عاما على اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها. تعدّ هذه المعاهدة المتعدّدة الأطراف أول معاهدة دولية تصنّف نظام الفصل العنصري بوصفه جريمة ضد الإنسانية، وتمت الموافقة عليها بـ91 صوتا، مقابل اعتراض البرتغال وجنوب أفريقيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وامتناع 26 دولة عن التصويت، وقد أصبحت هذه الاتفاقية نافذة في 18 يوليو/تموز 1976.
أدخل الحزب الوطني المتطرف في جنوب أفريقيا هذه التشريعات التي تشكل نظام الفصل العنصري في أواخر الأربعينات وبدأ بقانون “سجل السكان” الذي يقسم البلاد مجموعات عرقية ويحدد أماكن وجودها. فكرّس هذا القانون الذي اعتمد في 1950التفرقة العنصرية مقسِّما السكان أربع مجموعات عرقية هي الأفريكانو (البيض)، والبانتو (السود)، والخلساء، والآسيويون، حيث يذكر العرق في الهوية الشخصية. وحصلت الأقلية السوداء على منطقة لا تتجاوز 13%. وقام هذا القانون أيضا على التفريق في الخدمات وخصوصا التعليم، وتقسيم المجالات الحضرية بين أحياء السود الهامشية الفقيرة والأحياء الراقية للبيض ومنع دخول السود إلى هذه المناطق. لا يمكن لكل هذه الممارسات أن تتحقق دون قبضة أمنية حديدية دفعت بزعامات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى غياهب السجون ومارست القمع الشديد والقتل والمجازر في حق المعارضين.
في ما يأي 8 كتب صدرت بالإنكليزية تحدثت عن نظام الفصل العنصري وعن معاناة البشر تحت نيره.
القطارات الليلية
يتحدث تشارلز فان أونسلين، أبرز مؤرخي جنوب أفريقيا في كتابه الجديد، “القطارات الليلية: نقل عمال مناجم موزمبيق من مناجم ويتووترسراند واليها، 1902-1955” الصادر لدى منشورات جامعة أكسفورد (2021) عن كيفية استغلال العمالة السوداء في جنوب أفريقيا في القرن العشرين، في ممارسة قذرة لا تزال خفاياها وآثارها وتكاليفها البشرية في بطن التاريخ حتى اليوم. فقد رزح شعب جنوب موزمبيق تحت الأعباء التاريخية للعمل القسري والعبودية، وقد قايضت الشركات حياتهم بذهب جنوب أفريقيا عندما بيع هؤلاء الموزمبيقيون بيعا جماعيا كعمال للتنقيب عن ذلك الذهب.
تفتّق ذهن الشركات والسلطات الاستعمارية عن الطريقة الفضلى لنقل هذه العمالة السوداء الرخيصة للغاية، وذلك باستخدام القطارات الليلية على خط السكة الحديد الذي يربط بين العاصمة جوهانسبورغ ومدينة مابوتو (الماركيز لورينزو) عاصمة موزمبيق. يوضح أونسلين من خلال تتبع الرحلات التي قام بها المهاجرون السود، انعكاسات التفكير العنصري على تركيبة البلاد. ويؤكد على الدوام أن الجحيم هي المحطة الأخيرة في مسيرة هذه القطارات الليلية.
كان نظام النقل بالقطارات الليلية بين عامي 1902 و1955 عبارة عن نظام شراكة بين شركات التعدين والسكك الحديد، وقد صمم هذا النظام لتحقيق الحد الأقصى من الربح على حساب حياة هؤلاء الرجال. وقد أعادت القطارات من أعادت من العمال إلى موزمبيق مرضى وبأطراف مكسورة، بل وفقد العديد منهم صوابه مما عاناه في المناجم وفي القطارات.
أيام الكذب
الرواية الأولى المنشورة لنادين غورديمير، الأديبة الجنوب أفريقية الحاصلة على جائزة بوكر في 1974وجائزة نوبل للآداب في1991، صدرت عن “دار فيكتور غولانكز” (1953) وتحكي قصة فتاة بيضاء من الطبقة المتوسطة البيضاء نشأت في بلدة استعمارية صغيرة في جنوب أفريقيا في أربعينات القرن العشرين، حيث تبدأ الفتاة برؤية العالم من حولها كما هو حقا.
تتتبَّع الرواية حكاية هيلين شو التي تعيش في بلدة صغيرة تعمل في تعدين الذهب في جنوب أفريقيا وينمو وعي الفتاة مع بلوغها سن الرشد وتدرك الكثير من الديناميكيات الاجتماعية والسياسية في الحياة الأفريقية في ذلك الزمن، وتقودها مشاركتها كطالبة تعيش حياة متحررة، إلى العديد من العلاقات العاطفية المعقدة وتعلمها ثقافة الاختلاف.
تغوص الرواية في العلاقات العرقية والاجتماعية وتعكس تأثير نظام الفصل العنصري على الحياة والتحديات التي يواجهها الأفراد في محاولاتهم التأقلم مع مجتمع يتسم بالتوترات العنصرية والاضطرابات السياسية. تشكل هذه الرواية المنطلق الأساسي الذي بنت عليه غورديمير أعمالها اللاحقة وأهمها نقدها نظام الفصل العنصري.
هيلين سوزمان
منحت عائلة هيلين سوزمان، المناضلة والسياسية الجنوب أفريقية المولودة عام 1917حق الاطلاع على الأوراق الشخصية والمراسلات غير المنشورة بينها وبين نيسلون مانديلا للسفير البريطاني الأسبق في نهاية الثمانينات في جنوب أفريقيا روبن رينويك عندما كان نظام الفصل العنصري يعيش أيامه الأخيرة، ولا يتوقف الكتاب الذي حمل اسمها “هيلين سوزمان” وصدر عن “منشورات بايتباك” (2014) على مسيرتها الحافلة في مناهضتها نظام الفصل العنصري وحسب، بل يتعمّق في دراسة ذكائها السياسي وروح الدعابة الخلابة التي تمتعت بها، ليكون سيرة ذاتية تمتد إلى فترة ما بعد إنهاء الفصل العنصري بعد عام 1991.
كانت سوزمان الليبيرالية عضو المعارضة الوحيد (بل وربما المرأة الوحيدة) في البرلمان العنصري المكون من البيض بالكامل. كانت مواجهة نيلسون مانديلا وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي للنظام العنصري من الخارج، بينما كانت مواجهة هيلين سوزمان لهذا النظام من الداخل وبمفردها تقريبا.
مثلت سوزمان صوت ضمير جنوب أفريقيا خلال أحلك فترات الفصل العنصري على الرغم من العدائية الشديدة تجاهها والتهديدات الكبيرة التي تلقتها ودفعت مظالم حكم الأقلية في البلاد إلى تحت دائرة الضوء العالمية.
خطيئة الإغفال
يقول الكتاب المقدس في رسالة يعقوب (17:4): “فمن يعرف أن يعمل حسنا ولا يعمل، فذلك خطيّة له” وهذا ما يدعى في التراث المسيحي بخطيئة الإغفال.
تستحضر مارغريت بولاند الكاتبة الجنوب أفريقية في روايتها “خطيئة الإغفال” الصادرة عن “منشورات بنغوين” (2014) فترة قد تكون مجهولة من تاريخ جنوب أفريقيا في القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي سبقت وضع اللمسات الأخيرة على نظام الفصل العنصري، وتشكل الفترة التأسيسية لتاريخ البلاد المقبل.
تحكي الرواية قصة عودة الكاهن الأنغليكاني الشاب ستيفن مالوسي مزماني من منطقة كيب الشرقية إلى منزل والدته الريفي لإبلاغها بوفاة أخيه الأكبر. اختير ستيفن سابقا للسفر إلى إنكلترا في 1869ليتعلم في الكلية التبشيرية في كانتربري، وعند عودته إلى جنوب أفريقيا أرسل في مهمة بالقرب من فورت بوفورت (التي تدعى اليوم كاواماكوما) في ريف كيب الشرقية، وهناك لم يتعرف في تلك البلدة الصغيرة الى تحيزات المجتمع الاستعماري عن كثب وحسب، بل وجب عليه مواجهة التحيزات والتمييز داخل الكنيسة نفسها.
تحلل الرواية بعمق حالة التضارب بين ولاء ستيفن لشعب أمانجيكا، الذي حارب شقيقه من أجله، والقضية الاستعمارية التي يجب عليه دعمها بوصفه القس مزاماني، وتحسم هذه الرحلة كل تلك التناقضات التي تمزق قلبه.
تعيد مارغريت بولاند في هذه الرواية خلق عالم الاستعمار الفيكتوري المليء بالاستقطاب والازدواجية وكيف خان هذا العالم الذي يدّعي التحضر الأشخاص الذين ادّعى استعماره تنويرهم. حصلت “خطيئة الإغفال” على جائزة “صنداي تايمز” الأدبية في عام 2021.
المواطن والرعية
يحلل الأكاديمي الأوغندي محمود ممداني، أستاذ العلوم السياسية والأنثروبولوجيا في جامعة كولومبيا الأميركية، في كتابه “المواطن والرعية: أفريقيا المعاصرة وتراث الكولونيالية المتأخرة” الصادر عن “منشورات جامعة برينستون” (1996) الذي فازت نسخته الإنكليزية بجائزة “هيرسكوفيتز” كواحد من أحسن مئة كتاب في القرن العشرين، محنة القارة الأفريقية في التنمية الاجتماعية والثقافية، وبناء المؤسسات، وبناء الأمة، وبناء الدولة. يتبنى ممداني نهجا متعدد الاختصاصات يجمع بين العلوم السياسية والتاريخ والأنثروبولوجيا لتحليل قضايا المواطنة والهوية والسلطة السياسية في أفريقيا في فترة ما بعد الاستعمار.
تميل الحكومات الأفريقية إلى تكرار تطبيق الهياكل المتحيزة عنصريا وإثنيا التي كانت جزءا من الحكم الاستعماري. ويتمّعق ممداني في الحجج العديدة لمصادر هذه المشاكل لتمهيد الطريق لرؤيته الجديدة لكيفية التغلب على عقبات التحول الديموقراطي في أفريقيا.
يرى ممداني أن الحكم الاستعماري المباشر أو غير المباشر يتضمن في بنيته الداخلية النظام الاستثنائي الذي يشكل الجوهر الحقيقي لأشكال الحكم هذه، وهو الفصل العنصري.
صدرت الطبعة الجديدة للكتاب عن “منشورات جامعة برينستون” (2018) وترجمه إلى العربية صلاح أبو نار، وراجعه وقدّم له حلمي شعراوي وصدر عن المركز القومي للترجمة (2018).
إشاعات المطر
نشرت رواية “إشاعات المطر” لأحد أشهر الروائيين من جنوب أفريقيا أندره برينك في 1978وترشحت في العام نفسه لجائزة بوكر.
يعود رجل الأعمال الناجح والقومي الأفريكاني المتعصب مارتن مينهاردت إلى مزرعة العائلة لقضاء عطلته ومحاولة بيع المزرعة أيضا للحكومة في صفقة فاسدة تدر عليه الكثير، لكن الرياح لا تجري بما تشتهيه سفنه إذ تلحق به تداعيات العنف المستشري في المجتمع وتهز جميع العلاقات التي تشكل حياته. يُحكَم على أقرب أصدقائه، وهو محامٍ مثالي ورائع، بالسجن بسبب أنشطته “الإرهابية” المناهضة للفصل العنصري، وذلك بسبب رفض مارتن مد يد المساعدة لهذا الصديق. ويثور ابنه الذي عاد أخيرا من الحرب الأنغولية ضد قيم والده وقيم أمته بأكملها. أما عشقيته بيا، التي وفرت له على الدوام الأمل في الخلاص، فتجرفها العواصف السياسية في البلاد. مجتمع كامل على حافة الانهيار يحلله أندره برينك بعمق.
ترشح أندره برينك ثلاث مرات لجائزة نوبل للآداب ومرتين لجائزة بوكر، ويعدّ صاحب السجل الأغنى في تأريخ الأحداث في جنوب أفريقيا منذ أيام الفصل العنصري حتى اليوم.
أبعِدْ ظِلَّكَ
صدر كتاب “أبعِدْ ظلَّك: جنوب أفريقيا، السود والبيض” للصحافي الأميركي جوزيف ليليفيلد عن “دار بنغوين” (1986) وحصل في العام نفسه على جائزة “بوليتزر” عن هذا الكتاب، وهو عبارة عن مجموعة من التقارير الصحافية التي قدّمها ليليفيلد مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” عن زيارتيه لجنوب أفريقيا في الستينات، عندما فرضت القسوة العنصرية بمطرقة ثقيلة في البلاد، والثانية في الثمانينات عندما مر نظام الفصل العنصري بالمرحلة التجميلية ليجمّل صورته أمام العالم.
عبارة “أبعد ظلك” قالها يوما لاعب غولف أبيض لحامل المضارب الأسود الذي يتبعه. يعرض ليليفيلد تفاصيل انعدام المساواة وقسوة الفصل العنصري وتفاصيل العبث والسخافات والتبريرات التي حاول الكثيرون طرحها لتبرير هذا النظام، موضحا معنى المعاناة الحقيقية في ظل قيود نظام الفصل العنصري. ويتجاهل ليليفيلد الأخبار والبيانات والخطب المعتادة وينطلق من القاع إلى القمة ليصف بالتفصيل الحياة اليومية للناس السود العاديين الذين يشكلون الشخصيات الرئيسة لهذا الكتاب.
أصبح ليليفيلد المحرر التنفيذي لصحيفة “نيويورك تايمز” بين عامي 1994و2011.
حلم القبيلة البيضاء
صدر كتاب مارك دو فيلييه الصحافي والكاتب الكندي، “حلم القبيلة البيضاء: الجذور المريرة للفصل العنصري كما تشهد عليها عائلة من الأفريكان على مدى 8 أجيال”، عن “دار بنغوين” (1989) ويتتبع فيه المؤلف تاريخ عائلته من المستوطنين الأفريكان عبر ثمانية أجيال تمتد لـ300 عام، التي انتقلت للمرة الأولى إلى جنوب أفريقيا في القرن السابع عشر. يرسم “حلم القبيلة البيضاء” تطوّر السمات المميزة للفصل العنصري. ويستعمل المؤلف الرسائل والسجلات العائلية لتقديم تاريخ شخصي للبلاد ويناقش الحلول الممكنة لمشكلة الفصل العنصري. كما يقدم الكتاب نظرة دقيقة ومتعمقة على الشعب الأفريكاني وأصوله ومكانه في المشهد الاجتماعي والسياسي المعقد في جنوب أفريقيا، حيث يقارن دو فيلييه تاريخ عائلته بتاريخ جنوب أفريقيا نفسها، ويدرس العلاقة المعقدة بين المجتمع الأفريكاني والمشهد السياسي والاجتماعي الأوسع في جنوب أفريقيا، ويدرس تطور الهوية الأفريكانية، وتأثير الاستعمار البريطاني، ودور الأفريكانيين في حقبة الفصل العنصري.
“المجلة”