اجتمعت مع وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الإمارات، أول أمس الأربعاء، مظاهر غير معهودة في زيارات الزعماء للدول، ومنها مرافقة طائرة بوتين الرئاسية بسرب من أربع مقاتلات روسية مسلحة من طراز سوخوي هبطت معه في مطار أبو ظبي (ورافقته بعدها في زيارته إلى الرياض) وبعدها قيام مقاتلات إماراتية بالترحيب بالضيف عبر رسم ألوان العلم الروسي في السماء.
برّرت موسكو وجود المقاتلات حول طائرة بوتين بوجود «مخاطر أمنية» وكي لا يعتبر ذلك إشارة لأبو ظبي (أو الرياض) قال ديميتري بيسكوف، سكرتير الرئيس الروسي، إن الإمارات والسعودية تعتبران دولتين آمنتين لكن «المنطقة المحيطة بهما، تعاني من تفاقم الأوضاع وتشكل مصدرا للمخاطر».
يتوجه التعليق، على الأغلب، بأصبع الاتهام إلى اليمن أو العراق، رغم أن ذلك يمكن أن يعتبر تعريضا بإيران، ذات النفوذ الكبير على البلدين، وحليف موسكو في مواجهة أوكرانيا والحلف الأطلسي، وكذلك في دعم النظام السوري وقضايا أخرى. لتوضيح موقف الإمارات، نشر موقع «سبوتنيك» الروسي تصريحات لمحلل سياسي إماراتي اعتبر فيها رسم المقاتلات الإماراتية للعلم الروسي من دلالات الترحيب لـ«ضيوف الإمارات الكبار» وكما كان الشرح الروسيّ ملتبسا بعض الشيء، فإن الحركة الإماراتية لم تخلُ من مفارقات لكون الطائرات المستخدمة في الترحيب ببوتين هي من طراز إف 16 الأمريكية.
بعد عملية «كتائب القسام» ضد إسرائيل في 7 تشرين أول/ أكتوبر حرّكت أمريكا حاملة طائرات وسفنا حربية وقوّات خاصة إلى شرق المتوسط، وهو ما اعتبر عملا استباقيا لردع إيران، و«حزب الله» في لبنان عن توسيع الصراع ضد إسرائيل، كما لمنع امتداد تأثيرات هذا الحدث الكبير إلى الجبهة الأوكرانية واستغلال روسيا الوضع لتغيير الأوضاع العسكرية لصالحها.
كشف رد الفعل العسكري الإسرائيلي الوحشي ضد القطاع وسكانه، والدعم الأمريكي والأوروبي الكبير لهذا الهجوم، الوزن الهائل لإسرائيل في السياسة الغربية، وضمن محاولات الغرب لتغطية حجم الإرهاب والترويع الإسرائيليين ساق الرئيس الأمريكي جو بايدن، تشبيهه العجيب لإسرائيل بأوكرانيا، ولروسيا بـ«حماس» وهو ما بدا اجتماعا للنفاق الغربي بالكوميديا السياسية السوداء، فإسرائيل هي التي تملك قوة نووية وعسكرية وسياسية مثل روسيا، وليست «حماس» وإسرائيل هي التي تحتلّ أراضي الفلسطينيين، وليس العكس، وبوتين هو المرحّب فيه في أبو ظبي، كما الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي كان موجودا قبله بأيام على أراضي الإمارات، ومعلوم للجميع العداء السياسي لأبو ظبي لـ«حماس» ولحاضنتها الأيديولوجية العربية: الإخوان المسلمون.
يجب القول، رغم السياق الآنف، أن أبو ظبي، عملت بعد العدوان الأخير، مع باقي الدول العربية، على اتخاذ مواقف سياسية معقولة في الأمم المتحدة والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي بخصوص مأساة غزة، كما حصل في تقديمها، أمس الخميس، مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار الفوري في غزة، لكنّها، وكما فعلت بالترحيب بالرئيس الروسي بمقاتلات أمريكية، فقد تابعت توطيد علاقاتها بإسرائيل رغم عدد الضحايا الفلسطينيين المهول، بل إنها، حسب صحيفة «معاريف» اتفقت مع تل أبيب على إنشاء جسر بري بين ميناءي حيفا ودبي، وهو حلّ لمشاكل الشركات الإسرائيلية التي تتعرّض لتهديد «أنصار الله» الحوثيين قرب السواحل اليمنية.
في تقاربها مع روسيا، تتكسب أبو ظبي من الهامش الكبير الذي خلقته الحرب الأوكرانية، وتتوقى الغضب الأمريكي من هذا التقارب عبر الهامش الكبير الذي خلقه التطبيع مع إسرائيل، وفي كلا الحالتين، فإنها تجد هوى في مظاهر القوة والاستعلاء والغطرسة والنفوذ الباطش، سواء كان في موسكو، أو واشنطن، أو تل أبيب!
“القدس العربي”