يندرج مشروع القانون الذي صوّت عليه مجلس النواب الأميركي يوم 14 فبراير/ شباط الجاري، وينص على مناهضة التطبيع مع نظام الأسد، ضمن سلسلة القوانين والخطوات التي اتخذتها الإدارة الأميركية ضد هذا النظام، حيث لا يبتعد هذا المشروع عما سبق من خطوات رعاها ودفع بها ناشطون في منظمات سورية تعمل في الولايات المتحدة، بعد أن تمكنوا من تنظيم أنفسهم، وبناء شبكة علاقات مع عدد من أعضاء مجلس النواب والكونغرس، ومع غيرهم في الإدارة الأميركية، الأمر يقدم دروساً مستفادة للسوريين في بلدان الشتات الأوروبي، بضرورة تنسيق العمل الجماعي ضمن منظمات ومؤسسات تخدم القضية السورية.
الجديد الذي حمله مشروع القانون هو حظر اعتراف حكومة الولايات المتحدة بنظام الأسد، ومنع تطبيع العلاقات مع أي حكومة يقودها بشار الأسد، إضافة إلى منح الرئيس الأميركي صلاحيات فرض عقوبات على من يخترق العقوبات السابقة، وفرض مزيد من إجراءات مراقبة للتداولات التجارية مع النظام. إضافة إلى المطالبة بتوسيع وتطبيق جميع العقوبات المنصوص عليها في “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019″، والأمر التنفيذي رقم 13894، الصادر في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، والذي يفرض عقوبات على المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا، أو المتواطئين والمتورطين فيها.
مشروع القانون الجديد يعتبر من أقوى التشريعات المتعلقة بسوريا، بالنظر إلى ما يمتلكه من أهمية خاصة في حال إقراره، فهو يمنع بشكل قاطع الحكومة الأميركية من الاعتراف بأي حكومة يقودها بشار الأسد
لا يعتبر مشروع القانون هو الأول من نوعه، بل سبقه العديد من القوانين الهامة، مثل “قانون قيصر لحماية المدنيين” لعام 2019، وقانون “تعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات والاتجار بها”، الذي وقعه الرئيس الأميركي جو بايدن في 23 كانون أول/ ديسمبر 2022، والمعروف باسم “مكافحة الكبتاغون”، لكن مشروع القانون الجديد يعتبر من أقوى التشريعات المتعلقة بسوريا، بالنظر إلى ما يمتلكه من أهمية خاصة في حال إقراره، فهو يمنع بشكل قاطع الحكومة الأميركية من الاعتراف بأي حكومة يقودها بشار الأسد، ويمنع تطبيع العلاقات معه، إلى جانب فرضه عقوبات على المتعاملين مع النظام وأنصاره وداعميه.
اللافت هو تعددّ القوانين التي سنّها مشرعون أميركيون لمعاقبة نظام الأسد على جرائم وفظائع، اقترفها – ولا يزال – بحق ملايين السوريين منذ انطلاق الثورة السورية منتصف آذار مارس 2011، وطالت الإجراءات العقابية التي نصّت عليها النظام وحلفاءه وداعميه، أفراداً ومؤسسات وكيانات مرتبطة به وبداعميه، إضافة إلى أنها تعبّر عن مواقف الولايات المتحدة الرافضة لإعادة تأهيل نظام الأسد والتطبيع معه.
غير أن المشكلة ليست في مدى جدوى وتأثير العقوبات الأميركية وسواها على نظام الأسد وجدواها، بل في أن هذا النظام يتحايل على العقوبات، عبر اتخاذه تدابير وآليّات تخفف من تأثيرها عليه. وبالتزامن مع ذلك، يفرض تدابير تُحيل معظم آثارها السلبية على غالبية السوريين الخاضعين له في مناطق سيطرته، وبما يزيد من وطأة تدهور أوضاعهم المعيشية، وتجعلهم يلهثون وراء تأمين أساسيات وضروريات حياتهم اليومية، إضافة إلى أن النظام يتخذها ذريعة كي يحصل على مزيد من الدعم الخارجي، الذي يقدمه الروس والإيرانيون، ويقوم بدعم نشاط السوق السوداء، واقتصاد الحرب والعقوبات، وكل النشاطات والفعاليات التي يستفيد منها أزلامه وحاضنته، وتشجيع الفساد والنهب، ورعاية عمليات تصنيع وتهريب المخدرات، التي بات يبتزّ بها دول الخليج والعالم.
إذاً، تعوّد نظام الأسد على أن يبدي سلوكيات تخفف عنه وطأة العقوبات المفروضة عليه، وبات يمتلك خبرات تمكنه من الالتفاف والتحايل عليها بطرق مختلفة، إضافة إلى التراخي الأميركي في تطبيقها وفق حسابات الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض ومصالحها السياسية، خاصة أن الرئيس الأميركي يتمتع بصلاحيات تمكنه من إبطاء تطبيقها، وحتى التراخي حيال تنفيذها تحت ذرائع مختلفة، حيث يرجع تاريخ العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على نظام الأسد إلى ثمانينيات القرن العشرين الماضي، حين فرضت عليه حزمة من العقوبات على خلفية تصنيفه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، ثم فرضت عليه عقوبات بأشكال أخرى خلال عهد إدارتي جورج بوش الأب (1989-1993)، وبيل كلينتون (1993-2001)، وشملت تخفيض الصادرات الأميركية إلى سوريا. كما جددت الإدارة الأميركية عقوباتها في فترة إدارة جورج بوش الابن في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2003 مع إقرارها “قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان”، الذي تضمن منع التعامل الاقتصادي والتجاري مع النظام، ومنع الشركات الأميركية من الاستثمار ومن دخول السوق السورية، وغير ذلك. أما بعد اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد في منتصف مارس/ آذار 2011 أصدر الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، في 29 أبريل/ نيسان 2011، أمراً تنفيذياً، قضى بفرض عقوبات جديدة على النظام، وفي الوقت نفسه وسّع العقوبات المفروضة عليه بموجب القرارات التي اتخذت خلال الأعوام 2004، و2006، و2008.
من جهتهم، يكرر المسؤولون الأميركيون بأن العقوبات التي تفرضها بلادهم على النظام، تهدف إلى تغيير سلوكه، والحدّ من قدراته عسكرياً واقتصادياً، من خلال استهداف هيئاته وكياناته وأفراده الرئيسيين، وكذلك الأفراد والجهات والكيانات الأجنبية، التي لديها علاقات تجاريّة مع النظام، وتلوّح بفرض عقوبات على المطبعة معه في حال إبرامها عقوداً استثمارية أو تجارية معه أو عقود إعادة الإعمار.
من الضرورة بمكان إجراء تقييم للدور الذي تلعبه العقوبات في التأثير على النظام، خاصة أنها لم تندرج ضمن خطة استراتيجية أميركية وأوروبية، تهدف إلى إجبار النظام على الدخول في الحل السياسي
غير أن كل وسائل التضييق على النظام لم تثنه عن ارتكاب الجرائم بحق السوريين، ولم ترغمه على الدخول في مسار الحل السياسي وفق القرار 2254، نظراً إلى الدعم غير المحدود الذي يتلقاه من طرف النظامين الروسي والإيراني وسواهما، وبالتالي فإن من الضرورة بمكان إجراء تقييم للدور الذي تلعبه العقوبات في التأثير على النظام، خاصة أنها لم تندرج ضمن خطة استراتيجية أميركية وأوروبية، تهدف إلى إجبار النظام على الدخول في الحل السياسي.
لا يبدو أن مشروع القانون الجديد سيغير من المسار الذي اتخذته القوانين السابقة، على الرغم من أن إقراره لن يواجه مشكلة في الكونغرس، بالنظر إلى إجماع أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في التصويت عليه بمجلس النواب، لكن تأثيره سيبقى محدوداً على نظام الأسد، ولن يغير من موجة التطبيع العربي معه، كما أنه لن يفضي إلى إحداث تغيير في علاقة الولايات المتحدة بالدول المطبعة معه، العربية وغيرها، لكن ذلك لا يخفي أهمية أن تبقى العقوبات سلاحاً يشهر في وجه نظام الأسد، وبما يمهد الطريق إلى محاسبته على جرائمه المرتكبة بحق السوريين.