خطت أوروبا خطوة جديدة أمس نحو فرض نفسها قوة دولية ذات ثقل سياسي، باختيارها في قمة غير رسمية في بروكسيل، رئيس الوزراء البلجيكي هرمان فان رومبوي، ليصير رئيسا أول لها بدءا من الاول من كانون الثاني 2010، لولاية مدتها سنتان ونصف سنة قابلة للتجديد، والمفوضة الاوروبية للتجارة كاثرين آشتون (53 سنة)، وهي بريطانية، ممثلة عليا للشؤون الخارجية ونائبة لرئيس المفوضية الاوروبية، الامر الذي بدد آمال البعض الذين طمحوا الى شخصية نافذة في واحد من المنصبين تسمع صوت أوروبا في العالم في مواجهة الولايات المتحدة والقوى الصاعدة.
وأمكن التوصل الى الاتفاق على هذين الخيارين، بعدما وافق رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون على التخلي عن ترشيح سلفه طوني بلير لمنصب الرئيس، خلال اجتماع مع نظرائه الاشتراكيين في بروكسيل، في محاولة للتوصل الى حل مشترك.
وأفاد مسؤول أوروبي شارك في الاجتماع أن الزعماء الاشتراكيين قرروا المطالبة بمنصب الممثل الاعلى للشؤون الخارجية للاتحاد الاوروبي، نظرا الى أن منصب الرئيس سيذهب الى اليمين الذي يسيطر على ميزان القوى السياسية في القارة، واتفقوا خصوصاً "بالاجماع" على دعم كاثرين آشتون، العضو في حزب العمال، لهذا المنصب الذي كان تردد اسم وزير الخارجية ديفيد ميليباند لتوليه.
ويروق هذا الخيار النواب الاشتراكيين الذين أرادوا أن يكون الممثل الاعلى من صفوفهم، بعد تعيين المحافظ خوسيه مانويل دوراو باروسو رئيساً للمفوضية الاوروبية لولاية ثانية.
وستخلف آشتون الممثل الاعلى للسياسة الخارجية والامن المشترك للاتحاد الاوروبي خافيير سولانا، ولكن مع حقيبة موسعة. وهي ستكون أيضاً نائبة لرئيس المفوضية.
ويفترض أن يتيح منصبا الرئيس والممثل الاعلى اللذان استحدثا بموجب معاهدة لشبونة، لاوروبا اسماع صوتها على الساحة الدولية في مواجهة الولايات المتحدة والقوى الصاعدة الاخرى مثل الصين والهند. وسيحل رومبوي محل النظام الحالي للرئاسة الدورية التي تتغير كل ستة أشهر والتي تسبب "الدوار" لزعماء العالم.ولكن مع اختيار شخصيتين غير معروفتين كثيراً حتى في أوروبا، لا تبدو المهمة سهلة.
وعرف رومبوي المسيحي الديموقراطي الفلمنكي الذي يرئس الحكومة البلجيكية منذ كانون الاول 2008، بقدرته على عقد تسويات بين التجمعات اللغوية المختلفة في بلاده، بما فيها الفلمنك والفرنكوفون. وليست واضحة آراؤه في المسائل الاوروبية، الا أنه يميل الى أن يكون فيديراليا أوروبيا.وتطرق الاسبوع الماضي الى فكرة الضريبة الخضراء الاوروبية لتغذية موازنة الاتحاد الاوروبي، الامر الذي أثار انتقادات واسعة في الصحف البريطانية المشككة في أوروبا والتي نبشت له أيضاً خطاباً القاه عام 2004، إذ كان في المعارضة البلجيكية، قال فيه انه لا يمكن تركيا أن تنضم الى الاتحاد الاوروبي. ولكن قد يكون صب في مصلحته كونه رضي بمنصب مفاوض لتسهيل التسويات.
أما آشتون، فتعتبر مبتدئة في الديبلوماسية، علماً أن المنصب يعتبر الاكثر أهمية في أوروبا الجديدة.
وعرض منصب "وزير الخارجية" أولاً على رئيس الديبلوماسية البريطانية ديفيد ميليباند، الا أن الاخير رفضه مفضلاً تكريس جهده للسياسة الداخلية.
ولم يرق البعض اختيار شخصين غير معروفين على الساحة الدولية.وقال ديبلوماسي اوروبي إن "البريطانيين أرادوا قتل منصب (الممثل الاعلى)، وقد نجحوا" بتعيين شخصية فيه لا تتمتع بخبرة ديبلوماسية كبيرة، وهكذا "سنخسر خمس سنوات" للتمكن من وضع ديبلوماسية أوروبية طموحة.
ورأى ديبلوماسيون أن الدول الكبيرة مثل فرنسا والمانيا وبريطانيا خصوصاً، ستحتفظ على نطاق واسع بسيطرتها على الشؤون الديبلوماسية في أوروبا، وأن الرئيس الجديد لن يستطيع اخفاء وهجها.
وكانت صدقية الاتحاد الاوروبي على المحك. وسط انقسام واضح بين أعضائه حيال الشخصيتين اللتين ستتوليان المنصبين. وبدا الانقسام واضحا بعد ايام عدة من المحادثات غير المثمرة لمحاولة التوصل الى اتفاق على المرشحين.
وسادت مخاوف من ان تعيش اوروبا تكراراً تجربة 2004 عندما ادى تعيين رئيس المفوضية الاوروبية الى مشاورات طويلة وشد حبال. وفي النهاية، تنازل المرشح البلجيكي غي فرهوفشتات، الذي تدعمه باريس وبرلين وترفضه بريطانيا، عن المنصب لمرشح طرح اسمه في اللحظة الاخيرة وهو باروسو.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مهمات الرئيس و"وزير الخارجية"
استحدثت معاهدة لشبونة منصبي رئيس المجلس الاوروبي والممثل الاعلى للشؤون الخارجية والسياسة الامنية.
• رئيس المجلس الاوروبي:
يعد استحداث رئاسة ثابتة للمجلس الاوروبي، الهيئة التي تضم رؤساء الدول والحكومات للاتحاد الاوروبي، واحدا من نقاط التحديث الرئيسية في معاهدة لشبونة.
ويتولى هذا المنصب حاليا رئيس الدولة او الحكومة للبلد الذي يتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي، والتي تستمر ستة اشهر. ولكن المعاهدة نصت على أن يتولى المنصب رئيس متفرغ ينتخب بالغالبية الموصوفة في المجلس لولاية مدتها سنتان ونصف سنة يمكن تجديدها مرة واحدة.
وتنص المعاهدة على ان هذا الرئيس "يرئس المجلس الاوروبي" ويهتم باعماله و"يضمن اعداد اعمال المجلس ومواصلتها بالتعاون مع رئيس المفوضية" و"العمل على تسهيل التلاحم والتوافق داخل المجلس الاوروبي".
وبذلك، يؤمن الرئيس "بمستواه ونوعيته التمثيل الخارجي للاتحاد في المجالات المرتبطة بالسياسة الخارجية والامن المشترك من دون المساس بصلاحيات الممثل الاعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الامنية".
• الممثل الاعلى للشؤون الخارجية والسياسة الامنية:
مع ان صفة "وزير خارجية الاتحاد الاوروبي" الغيت بطلب من بريطانيا في معاهدة لشبونة وحل محلها منصب "الممثل الاعلى للشؤون الخارجية والسياسة الامنية"، يحتفظ هذا المسؤول بالجزء الاكبر من الصلاحيات التي وردت في المعاهدة الدستورية.
ويتولى الممثل الاعلى، الذي يعينه المجلس الاوروبي بالاتفاق مع رئيس المفوضية، مهمات مسؤولين اثنين، فهو سيخلف الممثل الاعلى للسياسة الخارجية والامن المشترك وكذلك المفوض الاوروبي للعلاقات الخارجية والسياسة الاوروبية للجوار.
وسيكون فعليا نائب رئيس المفوضية.
ويرئس الممثل الاعلى مجلس وزراء الخارجية الاوروبيين، الوظيفة التي كان يضطلع بها وزير خارجية الدولة التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد.وهو كذلك "يقود السياسة الخارجية والامن المشترك ويساهم بمقترحاته في وضع هذه السياسة وتنفيذها".
كذلك، يتولى الممثل الاعلى "تمثيل الاتحاد الاوروبي في المواد المرتبطة بالسياسة الخارجية والامن المشترك ويقود باسم الاتحاد الحوار السياسي مع الاطراف الآخرين ويعبر عن موقف الاتحاد في المنظمات الدولية والمؤتمرات الحكومية".وله "جهاز اوروبي للعمل الخارجي"، وهو هيئة تضم آلاف الموظفين في المفوضية والمجلس والدول الاعضاء.
كما يمكنه الاعتماد على ممثلي المفوضية في الخارج الذين سيمارسون مهمتهم تحت سلطته.
(وص ف)
و ص ف، أ ب، "الموند"