ينكب الخليجيون على مداواة مصابهم المالي ، فيتحسسون ميزانياتهم وأرصدتهم ودفاتر شيكاتهم ، ويتبادلون المخاوف من تسونامي العجز والإفلاس الذي يهدد بورصاتهم وصناديقهم .
وينكفىء عرب الجزيرة الآخرون على مصابهم اليمني ، لمعالجة ما يجري في صعدة ومن حولها بكل مدخراتهم من المال والسلاح والخوف على السلطة ، وحصاد سياساتهم المخفقة من الحقد والعنف والتهميش واستبعاد العقل ، بعد أن تفاقم جرح اليمن وفاض قيحه .
ويتابع السودانيون مكابرتهم وعنجهيتهم ونهجهم المكرور في الهروب إلى الأمام . فيرشون على الموت سكراً ، وينظمون المناسبات والاحتفالات والمهرجانات الصاخبة ، ولا يفوتون فرصة لتحقيق ظهورهم الفولكلوري الإعلامي الراقص على الملأ وكأن الأشياء من حولهم برداً وسلاماً .
أما المصريون والجزائريون ، فيحشدون كل إخفاقاتهم الوطنية والاجتماعية في حرب كرة القدم ، التي أشعلوها وأججوها بوقود إعلامي وسياسي ودبلوماسي ، بشكل يبعث على الألم والقرف معاً . وكأن حرب داحس والغبراء لم تنته بعد ، أو أن صراع عبس و ذبيان لم يكن ينقصه إلا قدم عنترة لتحرز الهدف ، وتثير غوغاء القبائل الهاربة من عصر الجاهلية ، وتبعثها مع أساليبها المنكرة من جديد .
والمغاربة الآخرون من ليبيا إلى تونس موريتانيا يحتفلون بالانتخابات " النزيهة " وتجديد البيعات الرئاسية ، ولملمة ألقاب العظمة الفارغة من أدغال أفريقيا وموائد القمم العربية ، ودفع أثمان الحماقات المستمرة .
ويتابع السوريون اهتمامهم بكل شيء على الصعيدين العربي والدولي عدا شؤون شعبهم وبلادهم . مجددين مسيرة التغني بالاستقرار الموهوم والنجاحات الزائفة ، دون أن يملوا من عقد مؤتمرات التأييد و مهرجانات الصخب الوطني والقومي واليساري ، والدق على بوابة السلام المواربة .
وليعذرنا بقية حكام العرب ، فمنذ زمن غابت أصواتهم وحركاتهم تحت ثقل ما يعانون في أقطارهم ، مما أدى إلى إخراجهم من الصورة كلياً .
أما ما يفعله الفلسطينيون بأنفسهم وبقضيتهم في غزة ورام الله ، فله مذاق آخر وخطورة عصية على الندية والمشابهة .
في هذا الوقت ينشغل حكام إسرائيل بأمر آخر . الاستيطان . . ثم الاستيطان . . ثم الاستيطان . وتخوض حكومتهم صراعات مع أصدقائها وحماتها وحلفائها من أجله ، واضعة مخرزاً في عين الجهود الأمريكية الجديدة ومشاريع السلام الدولية ببجاحة عدوانية وإجراءات عنصرية غير مسبوقة . ولم لا والأوضاع العربية كما هي اليوم أفضل من يساعدها على إتمام الخطة وفرض الواقع الجديد ، خاصة في القدس المحتلة حيث يتم هدم البيوت وطرد السكان العرب كنشاط يومي ، تنتهي آثاره عند رصيف ينام عليه المقدسيون المجردون من حق الإقامة بمدينتهم ، وخبر تنشره الوكالات والفضائيات العربية . وتقدم البيانات الصحفية كشفاً بالأعداد المتزايدة التي قاربت الخمسة آلاف مواطن فلسطيني مطرود من القدس ، دون أن تنسى شجب السياسات العنصرية الإسرائيلية للثنائي نتنياهو – ليبرمان .
البيوت العربية في القدس تهدم ، وسكانها يطردون إلى الأرصفة أو إلى خارج المدينة ، ومذابح أشجار الزيتون التي ينفذها المستوطنون تتولى تجويع الباقي وتعرية وجودهم ، بحيث لا يعود ممكناً . بينما مدينة القدس ونداءات الضحايا لا تجد أكثر من الحماس الديني والحمية القومية والتأييد الإعلامي .
ويستيقظ المقدسيون على هدير الجرافات والعربات المجنزرة من جديد . حقاً . . الناس بالناس و " العرب " بالنفاس .
4 / 12 / 2009 هيئة التحرير