«سافو» شاعرة إغريقية ولدت في جزيرة لسبوس في ميتيليني في بحر إيجة في اليونان بين عامي 630 و612 قبل الميلاد، وتوفيت عام 570 قبل الميلاد. رحلت في أواخر حياتها، إلى صقلية وماتت هناك، وأُحرقت ونقل رمادها إلى بلدها. خُلد اسمها برسم صورتها على الآنية والنقود. كانت مشهورة جدا خلال العصور القديمة، لكن لم تبق من عملها الشعري إلا نتف على شكل شظايا.
أعربت في أشعارها عن ميلها للنساء، ومن هنا جاء مصطلح سافيزم sapphism للإشارة إلى المثلية الجنسية للإناث بالإنكليزية والفرنسية والعديد من اللغات الأوروبية، بينما مصطلح «مثلية» في هذه اللغات الذي يلفظ ليزبيان فهو lesbian مشتق من الجزيرة ليسبوس (Lesbos)التي ولدت فيها سافو وترعرعت. كانت سافو مشهورة ومُقدَّرة في العصور القديمة: استشهد بها أكثر من مئة كاتب قديم أو تحدثوا عنها. في قصيدة نُسبت (ربما عن طريق الخطأ) إلى أفلاطون، توصف بأنها «آلهة الإلهام العاشرة». ومع ذلك، لم يتبق سوى عدد قليل من كتاباتها: لم يصل إلينا سوى قصيدة واحدة كاملة، «ترنيمة أفروديت» والأخرى غير مكتملة (وهي أجزاء على ورق بردى، واقتباسات تقتصر أحيانا على قصيدة واحدة أو حتى كلمة واحدة) (papyrus d›Oxyrhynque no 7 notamment). يبدو أن موضوعها المفضّل هو الحب العاطفيّ، خاصة حبها لعشيقتها آتيس. لذلك يمكننا القول عن شعرها إنه شعر غنائيّ. يقول سولون بعد سماعه إحدى قصائدها:«أريد أن أتعلّمها ومن ثم أموت». يجب أن نتذكر أيضا أنه في لغة الحياة اليومية، عندما يقال في العالم القديم «الشاعر» فالكلمة تشير إلى هوميروس، وعندما يقال «الشاعرة» فهي تشير إلى سافو. هناك القليل من البيانات الموثوقة بخصوص سافو. منذ القرن الخامس، سيطرت الكوميديا الأتيكية comédie attique (منسوبة لأتيكا منطقة في أثينا)على شخصيتها، وعناصر السيرة الذاتية المتعلقة بها متأخرة، وغالبا ما تكون متأثرة بالتقاليد الكوميدية. كما هو الحال مع معظم الشعراء القدماء، لم تصل أعمالها إلينا إلا بطريقة مجزأة للغاية. وفقا لبعض المصادر، تمّ حرق معظم أعمال سافو في عام 1073 في روما والقسطنطينية بناءً على أوامر من السلطات الدينية، ليتم اكتشافها لاحقا في شذرات في عام 1897 تقريبا. ومع ذلك، هناك شك في الأوساط العلمية بصحة هذه الأعمال.
هذه المصادر التي لعلها كانت تسعى إلى إدامة الأسطورة.. إن الواصل إلينا هو شظايا واستشهادات متفرقة من مؤلفين قدماء عاشوا عبر قرون عديدة. لذلك ليس من السهل استخلاص أي شيء موضوعي من المؤشرات المتوفرة. ثمة التباس بين (شخص) و(شخصية) هذه الشاعرة، والحديث يجري عموماً عن الشخص والشخصية معا، دون أن يكون من السهل دائما التمييز بين أحدهما والآخر. كانت شخصية سافو وحياتها الجنسية موضوعا لتأويلات مختلفة على مر الأزمنة، وغالبا ما كانت مرتبطة بالتطورات الاجتماعية والثقافية.
ففي الفترة الكلاسيكية أصبحت الشخصية موضع سخرية من طرف الكوميديا الأتيكية الكلاسيكية الجديدة آنذاك (ميناندر Ménandre) ما ساهم في جعلها شخصية منحرفة أخلاقياً. يخبرنا سينيكا عن وجود عمل بعنوان «هل كانت سافو امرأة عامة؟» كتبها ديديم، في عهد أغسطس.
وبالتوازي، حاول بعض المعلقين منذ العصور القديمة الحفاظ على سمعة الشاعرة، وذهبوا إلى حدّ إرجاع الجوانب التي تعتبر فضائحية إلى فرضية وجود سافو الثانية، التي تسمى أحيانا سافو إريس (وأريس Érèse تقع بالقرب من ميتيليني، في جزيرة ليسبوس) أو عازفة القيثارة أو المحظية. كرّس الألمانيّ باهوفن، مُنظِّر النظام الأموميّ، فصلا من كتابه قانون الأمومة (Das Mutterrecht) لسافو، نُشر عام 1861. وهو يجعل الشاعرة من أتباع الدين الأورفيّ orphique، وينسب إليها، في عملية تصعيد مثالي فلسفي، وظيفة تعليمية مشابهة لوظيفة سقراط. منذ القرن التاسع عشر فصاعدا، اعتبرها بعض المؤلفين مديرة لمدرسة داخلية للفتيات الصغيرات من العائلات الجيدة، مما ينفي أي بُعد مثلي حقيقيّ عن الشخصية. يقدم ستة مؤلفين قدماء تواريخ أو مؤشرات تسمح بتحديد تسلسل زمنيّ لحياتها، من هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد، إلى سودا Souda في القرن الحادي عشر.
يستخدم مكسيموس الصوري وأثينيوس وسودا، المصدر المفقود الآن، وهو لفيلسوف معاصر لأرسطو اسمه شامليون Chaméléon أي الحرباء. وفقا لسودا، عاشت سافو (أو وُلدت، إذ يمكن تفسير المصطلح اليوناني بطرق مختلفة) خلال الأولمبياد الثاني والأربعين (612-608 قبل الميلاد) في الوقت نفسه الذي عاش فيه ألكايوس Alcée وستيسيكورس Stésichore وبيتاكوس Pittakos، بينما تخبرنا ملاحظة من القديس جيروم أن سافو وألكيوس كانا مشهورين في عام 600-599. يحتوي جزء من حولية باروس Chronique de Paros المحفوظة في أكسفورد على إشارة دقيقة لنفي سافو من ميتيليني إلى جزيرة صقلية. تسمح لنا هذه الحولية بموضعة المنفى في عام 596 قبل الميلاد. ومع ذلك، فإن الأخطاء المعروفة من حولية باروس تشير إلى تأريخ المنفى في وقت ما بين 605 و591. فقط هيرودوت، الذي يذكر سافو بشكل غير مباشر فقط (التاريخ، الجزء الثاني، 135) جعلها تعيش من أربعين إلى خمسين عاما. وإذا أهملنا هيرودوت، فإن هناك مجموعة من المصادر تتفق على حقيقة أن سافو عاشت بين الأعوام 620-591 تقريبا، ويمكننا الاعتقاد بأنها ولدت حوالي عام 630 قبل الميلاد. ولم يذكر أي مؤلف أي إشارة إلى تاريخ وفاتها.
أما بالنسبة لشكلها وبنيتها الجسدية فتصفها بردية 1800 (بردية أوكسيرينخوس papyrus d›Oxyrhynque)) التي تعود إلى القرن الثالث أو الثاني قبل الميلاد، بأنها «قبيحة، سوداء وقصيرة جدا» وبالنسبة لمكسيموس الصوري، فهي أيضا «قصيرة وسوداء». تتحدث سافو نفسها في أحد نصوصها عن شَعْرها الأسود، الذي بدأ يتحول إلى اللون الأبيض، وقد تشير إحدى الشذرات إلى أنها لم تكن تعتبر نفسها جميلة. تم تأكيد هذه النقطة من خلال الهيرويد الخامس عشر لأوفيد، وهو النص الذي يتابع في مجمله عن كثب أعمال سافو نفسها.
بالإضافة إلى اسم والدها سكاماندرونيموس Skamandronymous الذي وفقا لأوفيد، توفي عندما كانت سافو في السادسة من عمرها، نعرف أيضا اسم والدتها كليس. Cléïs هو أيضا اسم ابنتها المذكورة مرات في قصائدها. ناقش المؤلفون القدماء (والحديثون لاحقا) ما إذا كانت سافو متزوجة أم لا. إذا كانت كذلك، فمن المحتمل أن يكون زوجها، الذي يُدعى كيركولاس، حسب البعض، والذي لم يُذكر في أي من القصائد، قد اختفى من حياتها مبكرا.
لديها أيضا ثلاثة أشقاء: إيريجيوس، ولاريشوس، وشاراكسوس. وفقا لأثينايوس، خدم أثينايوس كحامل للبريتانيوم في ميتيليني، وهي وظيفة مخصّصة لعضو من الطبقة الأرستقراطية، وكان المفضل لدى سافو، وفقا لبردية عام 1800. بينما تاجَرَ شاراكسوس وصولا لمصر، حيث وقع في حب إحدى المومسات في ناقراطيس، اسمها دوريش Doricha. وخرّب حياته من أجلها، وهو ما يرويه هيرودوت خالطاً التاريخ مع الأسطورة. تخاطب سافو هذا الأخ بتوبيخ عنيف في ثلاث من قصائدها التي نجد صدى لها مرة أخرى لدى أوفيد.
إذا كانت سافو مشهورة بشعرها الغزلي، فإن الشذرات المكتشفة خلال القرن العشرين، أبانت عن بعض الأبيات ذات الطبيعة الأكثر سياسيةً. عائلة سافو تنتمي إلى الطبقة الأرستقراطية القديمة في جزيرة ليسبوس التي كانت قد استمدت ثرواتها من ممتلكاتها من الأراضي. تحتوي العديد من قصائد سافو على ذمّ للعائلات التي تنتمي إلى هذه الطبقة الأرستقراطية، ما يُظهر الصراعات داخلها، وفيها شتائم للبانثيليد Penthilides، العائلة المالكة القديمة في ميتيليني التي كانت لا تزال قوية في القرن السابع، وعوائل Cléanax، وArchéanax، وPolyanax. لكن في العالم اليوناني في هذا الوقت، وبفضل الحركات الديمقراطية، وصل الطغاة المعارضون للأرستقراطيات القديمة إلى السلطة. وكان هذا هو أيضا الحال في ميتيليني. تذكر مقدمة كتاب (سافو: الملدوغة بالحبّ، قصائد وشذرات Sappho, Stung with Love: Poems and Fragments): «في الأدب اليوناني القديم، لا يميل الشعراء الذكور إلى تصوير النساء بصفتهن فانيات فحسب، بل يعزون إليهنّ نوعا من الشبق المختلف عن شبق الذكور: انعكاس تحت بشري وأوتوماتيكي ودافع حيوانيّ. سافو مهمة لأنها تعطي صوتا بشريا كاملا لرغبة الإناث لأول مرة في التاريخ الغربي. وبما أنها اختارت بتحدٍ هيلين طروادة موضوعاً جوهرياً للحب، ووكيلاً لها في التفكير الحرّ، فإنها تبدو مدركة تمامًا للمطلب الراديكاليّ الذي تتقدّم به». لا تتحدث سافو في الشذرات الحالية عن «الشعرية» أو «الفن الشعريّ» إلا عرضاً، ذلك أنها ليست فيلسوفة، أو نحوية أو لغوية. مفهومها الجوهريّ عن الشعرية يقع في أن «الجميل جيد والجيد جميل» وهو المفهوم الإفلاطوني للشعر. لكن مقاطعها المتعددة عن الأيروس تبدو وثيق الصلة بالشعرية، لأنها تصير موصولة بشكل وثيق بالشعر الغزلي، ومصدرا محرّضاً له. مفهوم ينطبق دوما على الشعر العُرْسي وشعر الخصوبة الأدمية في كل مكان وزمان. إضافة لذلك لا تجد سافو الشعر في الكلمات وحدها، إنما تجده في حاسة النظر، وهو موجود في الحياة، في الضحك وفي أشارات الجسد، بل وهذه فكرة جوهرية، فإن الشاعرة ترى طبيعة الشعر بصفته كلاما، حاضر في أصوات المفردات نفسها، أي بصقته نفَسَا وهواءً.
«عند الغضب لا شيء أفضل من الصمت»ـ عندما يملأ الغضب قلبك، لا تدع لسانك ينبح دون جدوى» ـ «الإنسان الجميل هو جميل فقط أثناء النظر إليه: الإنسان الحكيم والطيب جميل دائما» ـ «الإقناع هي ابن أفروديت».
في الفن الشعريّ وما يجاوره
«عند الغضب لا شيء أفضل من الصمت»ـ عندما يملأ الغضب قلبك، لا تدع لسانك ينبح دون جدوى» ـ «الإنسان الجميل هو جميل فقط أثناء النظر إليه: الإنسان الحكيم والطيب جميل دائما» ـ «الإقناع هي ابن أفروديت». (بالفرنسية المفردة «إقناع» كلمة مؤنثة La persuasion لذا قال المترجم الفرنسي ابنة أفروديت] ـ «الجميل جيد والجيد سيكون جميلاً» ـ «لقد خدمتُ الجَمال. هل يوجد عالَم أكبر [منه]؟» ـ «بالنسبة لي، أجمل شيء هو رؤية شخص يحبّ شخصا» ـ «هل لي أن أكتب كلمات أكثرعرياً من الجسد، أقوى من العظام، أكثر مرونة من الوتر، وأكثر حسّاسية من العصب» ـ «قلت لها إنني أغني الورود أيضا، يداي في الحمأة حيث تعيش إلى الأبد» ـ «الذهَب هو ابن كوكب المشتري. لا الصدأ ولا الديدان في هذا المعدن الذي يستحث بروعة ذكاء البشر» ـ «لا يتوجب أن يسود الحداد والدموع في منزل الشاعر: إنه ضعف لا يستحقه ابن أبولو» ـ «لا يتبقى الجمال إلا لإلقاء نظرة [عليه]. لكن الاستقامة ستكون فورا جمال الغد» [حرفياً vertu أي الفضيلة وتقصد الاستقامة] ـ «ما لا يمكن قوله سوف يبكي» ـ «على الرغم من أن الكلمات هي محض تنفُّس [أنفاس]، فإن الكلمات التي أقودها لا تموت» ـ «في الحقيقة هي نفسها كيبروجينيا التي وبّختني ذات مرة، لأنني صلّيتُ بهذه الكلمة: أرغب». [كيبروجينيا Kyprogeneia: أحد أسماء أفروديت. والفعل هو الفعل الإنكليزي want الذي لا مقام هنا بترجمته أريد، البارد] ـ «لا غيضة شجر تزدهر في الربيع دون غناء» ـ «إيروس، مرة أخرى الآن، مُحرَّر الأطراف، يعكّر صفوي
حلو ومر وخبيث، مخلوق لا يمكن السيطرة عليه … « ـ «أريد أن أقول شيئًا لكن الخجل يمنعني
ومع ذلك، إذا كان لديك رغبة في [عمل] أشياء جيدة أو جميلة
ولم يكن لسانك يلفق بعض الشر ويقوله،
فالخجل لن يمسك عينيك
ولسوف تتحدث بما هو صائب» ـ «أيتها الفتيات، كنَّ طيبات مع أرواح الموسيقى والشعر،
هذا الثدي هو انطلاقتك مع هداياهم المعطرة»ـ
«أي مخلوقة
من طبيعة أنثوية تخفي
في رحمها أطفالا لم يولدوا بعد
وهم، على الرغم من أنهم بلا صوت،
يتحدثون إلى ناس بعيدين؟
المخلوق الأنثويّ هو حرف.
الأطفال الذين لم يولدوا بعد هم حروف
(من الأبجدية) تحملهم
والحروف، رغم أنها دون أصوات،
فهي تتحدث إلى الناس البعيدين» ـ
«في انحناءات جسدك، وجدت ديانتي» ـ «مجرد هواء هذه الكلمات، لكنها لذيذة السماع» ـ «مثل عاصفة تضرب شجرة بلوط
على أرض جبلية،
ضربة من إيروس
حطّمت عقلي» ـ «يتقلب بجنون القلب المتأثر،
ضحكك ماء يجري فوق الحصى –
كل إشارة هي إعلان،
كل صوت هو خطاب…»
كاتب عراقي
- القدس العربي