في الوقت الذي تعمل فيه الدولة السورية على إعادة الاستقرار إلى محافظة السويداء، تروج بعض الأطراف لادعاءات عن “اتفاق شامل” يتضمن بنودًا مثيرة للجدل كدخول آلاف الجنود بضمانات أميركية وأردنية وعزل الشيخ حكمت الهجري. غير أن قراءة دقيقة للمشهد تكشف أن هذه التسريبات ما هي إلا محاولة لتشويش الرأي العام، بينما الواقع على الأرض يشي بأن الدولة ماضية في فرض الأمن تدريجيًا، في مواجهة ميليشيات مسلحة عطّلت حياة المواطنين ودفعت المحافظة نحو الفوضى.
تحدث البعض عن دخول “3000 جندي” دفعة واحدة، بينما الذي جرى فعليًا هو انتشار تدريجي لقوى الجيش والأمن السوري عبر نقاط تفتيش وتثبيت وجود في المربعات الأمنية. هذا التحرك ليس استعراضًا عسكريًا بل خطوة ضرورية لإعادة فرض سلطة الدولة وضبط السلاح المنفلت الذي طالما أرهق الأهالي.
أما ما يُشاع عن “ضمانات أميركية وأردنية” لنزع السلاح لا يعدو كونه مبالغة إعلامية. فالدولة السورية لم ولن ترتهن في سيادتها لأي ضمان خارجي، وما يجري من تنسيق إقليمي لا يتجاوز حدود دعم جهود التهدئة. الأساس هو أن السيادة في السويداء تبقى بيد دمشق، وأي حديث آخر محاولة لإضعاف صورة الدولة.
ولطالما حاولت دمشق الحفاظ على مكانة رجال الدين في السويداء، لكن الواقع أثبت أن الشيخ حكمت الهجري تجاوز موقعه الروحي وتحول إلى غطاء سياسي وعسكري لفصائل مسلحة عطّلت الخدمات، وفرضت إتاوات، وتسببت بقطع الكهرباء والمياه والاتصالات عن الأهالي. من هنا، فإن ما يُشاع عن “عزله” ليس قرارًا دوليًا كما يروّج، بل نتيجة طبيعية لانفضاض الناس من حوله بعد أن لمسوا حجم الضرر الذي ألحقته ميليشياته بحياتهم اليومية.
إن الدولة لا تفرض حصارًا على السويداء، بل تعمل على إحكام الطوق الأمني ضد الجماعات الخارجة عن القانون. الهدف هو منع تهريب السلاح وضبط التحركات التي تهدد حياة المدنيين، لا التضييق على الناس كما يزعم البعض.
أمّا توفير ممرات آمنة للمدنيين الراغبين بمغادرة مناطق التوتر فيعكس حرص الحكومة على مواطنيها. وما جرى من إجلاء محدود لحالات إنسانية عبر دمشق يؤكد أن الدولة قادرة على إدارة الأزمة بمسؤولية، بعيدًا عن الدعاية التي تحاول تصوير الأمر على أنه “خطة دولية”.
إن الواقع الخدمي المنهار في السويداء ليس نتيجة ضعف الدولة، بل بسبب سيطرة الميليشيات التابعة للهجري على مصادر الخدمات وابتزاز الأهالي. فالانقطاع شبه الكامل للكهرباء والاتصالات والمياه، أثبت أن هذه الجماعات لا تمثل مصالح الناس بل تستثمر في معاناتهم لفرض نفوذها.
وختاماً لا بدّ من التأكيد أن التسريبات التي تُنسب إلى الرئيس التركي أو غيره ليست سوى جزء من الحرب الإعلامية لإرباك المشهد السوري. والحقيقة أن الدولة السورية تخطو بثبات نحو إعادة بسط سلطتها في السويداء، وأن محاولات تضخيم أدوار خارجية أو التلاعب بمكانة رجال الدين لن تغيّر من هذه الحقيقة.
إن ما ينتظره أهالي السويداء اليوم ليس “اتفاقًا دوليًا”، بل عودة الدولة بكل مؤسساتها لتأمين الأمن والخدمات، وإنهاء زمن الميليشيات والاقتتال الداخلي.
– كاتب سوري