القصف الإسرائيلي للأراضي السورية صار أمرا روتينيا
قبل عامين من اليوم، وتحديدا في سبتمبر/أيلول 2022، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك بيني غانتس عن خريطة لمراكز تابعة للنظام السوري يتم فيها تصنيع أسلحة وصواريخ بإشراف إيراني، ومن ضمن تلك المراكز مركز البحوث العلمية في مصياف بريف حماة، ومركز البحوث في منطقة جمريا بريف دمشق. ووفقا لغانتس فإن هذه المراكز مسؤولة عن تصنيع صواريخ دقيقة متوسطة وطويلة المدى، لصالح “حزب الله” اللبناني.
قبل أسبوع شنت إسرائيل نحو 15 غارة على الأراضي السورية، وكانت أعنفها وأكثرها غموضا تلك التي استهدفت مركز البحوث ومراكز عسكرية أخرى في مصياف، والتي استمرت لساعات ونتج عنها تدمير عدد من المباني والمراكز، واندلاع حرائق.
معلومات متضاربة كثيرة سُربت بعد الاستهداف، وإن كان لا شيء يبدو واضحا حتى اللحظة فإن المؤكد أن العملية ليست كسابقاتها لا في الحجم ولا في النتائج.
لقد بات القصف الإسرائيلي للأراضي السورية أمرا “روتينيا”، إلا أن وتيرة العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل وعلى الأراضي السورية ارتفعت بشكل كبير منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أي بعيد عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” والحرب على غزة التي تشنها إسرائيل منذ ذلك الوقت. فوفقا لإحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان، قصفت إسرائيل سوريا منذ ذلك الوقت 109 مرات، 76 منها جوية و33 برية، دمرت 221 هدفا بين مستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات، وتسببت تلك الضربات في مقتل 287 من العسكريين وإصابة 187 آخرين.
وتيرة العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل وعلى الأراضي السورية ارتفعت بشكل كبير منذ السابع من أكتوبر الماضي
ومنذ التدخل العسكري الروسي المباشر، والذي تصادف ذكراه التاسعة بعد أيام، عقد كثيرون آمالهم على موسكو للجم الوجود الإيراني في سوريا، واجتمع رؤساء وزراء إسرائيل، وخصوصا بنيامين نتنياهو، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرات عديدة للبحث في الأمر.
وفي يوليو/تموز 2018 نقل تقرير لوكالة “رويترز” عن مسؤول إسرائيلي وصفته بـ”الكبير” قوله: “إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الرئيس السوري بشار الأسد سيكون في مأمن من إسرائيل شرط إخراج قوات إيران من سوريا”. ونقل المسؤول الإسرائيلي عن نتنياهو قوله لبوتين في موسكو: “لن نتخذ إجراءات ضد نظام الأسد”، وذكر أن روسيا تعمل على إبعاد القوات الإيرانية عن الجولان، وكانت قد اقترحت أن تبقى على بعد 80 كيلومترا.
كذلك كشفت صحيفة “واشنطن بوست” في الوقت نفسه، أي يوليو 2018، عن أن كلا من “بوتين ونتنياهو اتفقا قبل لقاء الرئيسين الروسي والأميركي في هلسنكي في 16 يوليو، على أن (تعترف) إسرائيل بسيطرة الجيش السوري على محافظات درعا والسويداء والقنيطرة في الجنوب السوري وتلتزم باتفاق فض الاشتباك الصادر في عام 1974 مقابل أن تتعهد موسكو بإقناع إيران بأن لا تقترب قواتها من الحدود السورية الإسرائيلية على مسافة تقل عن 80 كيلومترا، وتَعِد بعدم الاعتراض عندما تقصف إسرائيل أماكن وجود أسلحة (إيرانية) في الأراضي السورية”.
ولكن بعد 9 سنوات على التدخل الروسي، وبعد 6 سنوات على الاتفاق الروسي الأميركي الإسرائيلي حول سوريا، ازداد نفوذ طهران وتوسعت أماكن سيطرتها بشكل واضح للجميع، فقبل أن يغرق بوتين في حربه على أوكرانيا لم يتمكن من تنفيذ تعهداته، فهل يمكن القول اليوم إن الأسد حل محل بوتين في هذا الاتفاق؟
الصمت السوري لافت رغم تكرار وحجم الاعتداءات الإسرائيلية شبه اليومية على سوريا، والصمت الإيراني لافت أكثر، وإن كان “صبرها الاستراتيجي” يتخطى ما تتعرض له ميليشياتها ومصالحها في سوريا
الصمت السوري لافت رغم تكرار وحجم الاعتداءات الإسرائيلية شبه اليومية على سوريا، والصمت الإيراني لافت أكثر، وإن كان “صبرها الاستراتيجي” يتخطى ما تتعرض له ميليشياتها ومصالحها في سوريا، فمنذ السابع من أكتوبر تكررت العمليات الإسرائيلية على المصالح الإيرانية ليس في سوريا فحسب بل داخل إيران نفسها، وكلها مرت دون رد بحجم الاعتداءات، وليس اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة “حماس” في طهران آخرها، وها هو بعد أسابيع بقي من دون رد، وكذلك الهجوم على قنصليتها في دمشق الذي كان ردها عليه “مسرحيا”.
إيران تراهن على اتفاق مع الغرب، وهو ما صرح به ودعا إليه مسؤولوها بمن فيهم المرشد الأعلى علي خامنئي، وهي الغارقة في العقوبات وأوضاع داخلية اقتصادية صعبة جدا، وبشار الأسد يراهن على أن يقبض ثمن صمته عن الحرب على غزة والحرب على إيران داخل سوريا.
لا يبدو أن الصراع الإسرائيلي الإيراني في سوريا سينتهي قريبا، وقد تكون العملية العسكرية على مصياف أبعد بكثير من كل التسريبات ونفي التسريبات التي ملأت الشاشات الأسبوع الفائت، لكن المؤكد أن سوريا تحولت إلى حلبة صراعات بالمباشر بين دول وقوى مختلفة، كما أنه من المؤكد أن إيران لن تتخلى عن سوريا نقطة تلاقي مشاريعها في المنطقة، وكل ذلك يحصل فيما النظام السوري ينأى بنفسه عن سوريا.
- المجلة