دمشق – «القدس العربي» : بخطى تائهة، يفرّ آلاف السوريين من بيوتهم أو ما تبقى منها في بلد النزوح في البقاع وبعلبك وجنوب لبنان، مثقلين بما استطاعوا أن يحملوه على عجل هرباً من القصف الإسرائيلي على القرى والبلدات اللبنانية.
وأجبرت آلاف العوائل نتيجة الغارات الإسرائيلية المكثفة على مناطق متفرقة في بلد النزوح، على الهروب من جديد، حيث يتعرض أكثر من مليون سوري لتهديد هذه الغارات المكثفة، ويطاردهم شبح التشرد في بلدات وقرى لبنان.
وعلى الرغم من أنه لا توجد إحصائيات رسمية لعدد اللاجئين السوريين في لبنان، فإن الحكومة اللبنانية تقدر عددهم بنحو المليون ونصف المليون. ووسط صعوبة الظروف الحالية، يقول مراقبون إنه يستحيل توثيق أعداد النازحين في الشوارع والحدائق والأماكن العشوائية، لكن مما لا شك فيه أن أعدادهم “هائلة”.
ولاء سليمان، وهي لاجئة سورية، جامعية، تقيم مع عائلتها في قرية سعد نايل قضاء زحلة في محافظة البقاع اللبناني، تشرح لـ “القدس العربي” أوضاع السوريين في منطقتها، فتقول: “تتعاظم مخاوفنا مع تزايد مناظر الأطفال والنساء وكبار السن الذين يفترشون الأرض والحدائق والأسواق، وتعيد هذه المشاهد ذكريات النزوح ومآسيها التي بدأت مع اندلاع الثورة السورية”.
وتضيف: “لا مأوى الآن لكثير من هذه العوائل، معظم الناس تخشى العودة إلى سوريا، وقد تعتقل من نقطة العبور الأولى على الحدود السورية اللبنانية، لا جرائم ولا جنايات بحقهم، لكن النظام السوري يعتقل العائدين إلى الوطن!”.
يفترش سعيد وعائلته المكونة من 3 أطفال الأرض منذ 3 أيام، في محيط بلدية بلدة مجدل عنجر، وهي إحدى بلدات البقاع الأوسط، ويقول لـ “القدس العربي”: “رفضت المدارس استقبالي أسوة بأهالي المنطقة المهددين في بيوتهم، وتواصلت مع كثير من الجمعيات المحلية لكني وبكل أسف، لم أجد من يساعدني كوني سوري الجنسية، إذ ترفض البلديات في هذه المحافظة استقبال أي لاجئ سوري في مراكز الإيواء أو المدارس التي سمحت لها البلديات استقبال النازحين”. وهي حال عليّ، من ريف حمص، الذي يقيم في منطقة المرج بلبنان، حيث خرج مع عائلته ببعض حاجيتهم الأساسية بسبب القصف الإسرائيلي على البلدة، وباتوا منذ ذلك اليوم وفق ما يقول لـ “القدس العربي”: “نفترش الأرض في سوق الإثنين مع عشرات العوائل التي تقيم في العراء بلا مأوى”.
ويضيف: “يوجد الكثير من العائلات السورية في مناطق البقاع عموماً، وجنوب لبنان. أكثر النازحين المشردين اليوم هم من قرى البقاع الشمالي وبلدات الجنوب، حيث كانوا يعملون ضمن مصالح أو مصانع أو في المداجن، وكل هذه المناطق تعرضت للقصف الإسرائيلي”.
وتتواصل رحلة النزوح التي يزيدها نقص الحاجات الأساسية والغذائية. ورغم الظروف غير الإنسانية، يقتات النازحون المقيمون منذ أيام في العراء الصبر أملاً في العثور على مركز أو خيمة تؤويهم.
الدكتور فراس الغضبان مدير جميعة “إيما” الطبية في لبنان، يقول لـ “القدس العربي”، إن أعداد النازحين من السوريين الموجودين في البقاع الشمالي والجنوب هائلة، وهم لا يجدون مأوى يبيتون فيه.
وتحدث الطبيب عن تعميم صادر من وزارة الداخلية إلى مراكز الإيواء التي افتتحتها البلديات والمدارس التي تستقبل النازحين، يقضي بعدم السماح للسوريين بالدخول إلى هذه المدارس أو مراكز الإيواء، كما وصت تنبيهات رسمية إلى المخيمات المستحدثة بعدم استقبال اللاجئين السوريين.
ونتيجة لهذه التعليمات، يقول الغضبان: “تفترش مئات العائلات السوريين في البقاع وجنوب لبنان الشوارع والحدائق منذ أكثر من 3 أيام، بينما تحاول المنظمات والجمعيات المحلية السورية إيجاد مراكز إيواء لهذه العائلات المشردة، رغم الصعوبة البالغة بسبب عدم تعاون البلديات ورفضها إعطاء أذونات لإيواء السوريين”.
وأضاف: “كل المدارس في كل لبنان ترفض دخول السوريين، وخاصة في مناطق البقاع الغربي والبقاع الأوسط. أما في زحلة فيُمنع السوريون من المبيت حتى في الحدائق العامة، لافتاً إلى السماح بدخول بعض العوائل السورية إلى المدارس في طرابلس حصراً”.
ونظراً لطبيعة تواجد العيادات الطبية الخاصة بجمعية “إيما” الطبية قرب منطقة المصنع، يقول الغضبان، وهو متابع عن كثب عمل بعض الجمعيات الإنسانية في المنطقة: “عدد قليل جداً من السوريين عادوا إلى سوريا، على عكس المتوقع، مقارنة بأعداد اللبنانيين الضخمة الذين نزحوا خلال الأيام الأخيرة، من نقطة المصنع إلى مدينة دمشق وأريافها. أما بالنسبة للمعابر الثانية، فإن الناس يتجهون بالمئات من معبر المطربة في الهرمل نحو حمص، ومن معبر العريضة في طرابلس باتجاه طرطوس”.
وقال الغضبان: “لدينا عيادات متنقلة، ومستشفى ميداني يستقبل الحالات الطبية لتخفيف الضغط على المستشفيات، ونعمل بالتنسيق مع عدة جهات محلية لتجهيز مراكز إيواء أو مخيمات أو بيوت أو حتى كرفانات لاستقبال اللاجئين السوريين، وكلها مساكن ومراكز سرية وغير شرعية، نتيجة الرفض الحكومي تسهيل إيواء السوريين، لكن الوضع يجبرنا على التحرك وعدم ترك الأطفال والنساء على الطرقات”.
وحول أعداد الضحايا والحالة الصحية للجرحى في ظل الأوضاع المتوترة في لبنان، قال الغضبان: “وثقنا استشهاد 45 مدنياً سورياً في العدوان الإسرائيلي على قرى وبلدات لبنان، كان آخرها قصف استهدف الأربعاء قرية مشغرة”.
وحسب المتحدث، فقد استهدفت إحدى الغارات منزلاً يضم مجموعة عائلات سورية تتكون من 15 شخصاً، قتل منهم 6 وجرح 3 آخرون.
وقال الغضبان: “توزع المصابون على مستشفيي البقاع وشتورة، رفضت الإدارة فيهما إجراء عمليات جراحية للمصابين قبل دفع المبالغ المترتبة عليهم، وهو أمر شاق ومستحيل في هذه الظروف، كما رفض مستشفى تسليم جثث الضحايا قبل دفع المال، وأضاف: “تواصلنا مع وزارة الصحة اللبنانية والأمم المتحدة، وقد حصلنا على وعود من أجل إيجاد حل سريع يشمل السوريين”.
ورغم وجود المساعي الفردية، يقول الغضبان: “السوريون مأساتهم مضاعفة. وعلى الرغم من محاولات الأهالي مساعدة النازحين السوريين في مناطقهم وتعهدهم بذلك خلال اجتماعات البلديات، يبقى الأمر صعباً ويفوق قدراتهم ورغباتهم؛ لأن القرار صادر عن وزير الداخلية اللبناني ووزارة التربية. وأضاف: “للأسف، القرار شفهي غير مكتوب، وإلى الآن لا توجد أرقام واضحة للاجئين السوريين في الشوارع والحدائق والأماكن العشوائية، ولا يمكن وضع إحصائية دقيقة لهؤلاء”.
في موازاة ذلك، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن 17 لاجئاً سورياً قضوا خلال الساعات الفائتة نتيجة القصف الإسرائيلي على مناطق متفرقة في لبنان، بينهم 4 سيدات، و7 أطفال، و6 رجال.
وينحدر الضحايا من قرى وبلدات تل ممو بجبل سمعان بحلب، ومعرة النعمان بإدلب، ومزرعة الرشيد بالرقة، ومحافظة دير الزور، والقبو بريف حمص، وعفرين.
الناشط الإعلامي أحمد الشلبي، من دير الزور، قال في اتصال مع “القدس العربي” إن العائلة التي قضت في القصف الإسرائيلي، أمس الأربعاء، هم من آل الجدعان، وينحدرون من قرية الاندحي بريف دير الزور الشمالي. وحسب المصدر، فقد استشهد 10 أشخاص من عائلة الجدعان، بينهم 4 أطفال على الأقل، وشاب من آل السعيد.
وارتفع بذلك عدد الشهداء الموثقين حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، خلال الـ 48 ساعة، إلى 62 سورياً بينهم 11 سيدة، و18 طفلاً في الغارات الإسرائيلية التي استهدفت عدة مناطق في لبنان.
وأبدى المرصد مخاوفه بشأن سلامة المدنيين واللاجئين السوريين الذين يعيشون في ظروف صعبة للغاية، مؤكداً أن هؤلاء يعانون من نقص في المأوى، وعدم القدرة على العودة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خشية التعرض للاعتقال أو الانتقام، حيث إن غالبية اللاجئين السوريين في لبنان من المعارضين للنظام.
- القدس العربي