كما هو حال المفاجأة التي أحدثتها عملية «ردع العدوان» في الأوساط المحلية والدولية، كذلك تصدرت التطورات العسكرية المُتسارعة في سوريا عناوين وسائل إعلام تركية، وأشعلت تفاعلاً واسعاً بين ناشطين ومتابعين أتراك في منصات التواصل الاجتماعي.
تباينت التقارير الإخبارية التركية بين تغطية التحولات الميدانية في سوريا وشرحها من وجهة النظر التركية، ونقل تصريحات المسؤولين الأتراك تعليقاً على ما يجري في الجارة سوريا، خاصة في ظلّ مبادرات أنقرة الأخيرة والمتكررة للتطبيع مع دمشق. فيما تناولت عناوين أخرى استياء سياسيين معارضين في تركيا من مباركة أوساط شعبية وسياسية تركية لتقدُّم الفصائل المُعارِضة على الأرض، ومن الاحتفاء باستعادتها مناطق استراتيجية وعلى رأسها مدينة حلب.
«حلب تُركيّة ومُسلمة»
نقلت وكالة الأناضول التركية للأنباء تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حول المستجدات الميدانية في سوريا، والتي أشار فيها إلى «وضوح موقف تركيا وأولوياتها الأساسية ومعايير سياستها فيما يتعلق بالصراع بسوريا». واعتبرَ وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أنه «من الخطأ في هذه المرحلة، محاولة تفسير الأحداث في سوريا بوجود تدخل خارجي، مُشيراً إلى أن «السبب وراء اندلاع صراعات واسعة النطاق مجدداً في سوريا، هو أن المشاكل المُترابطة في هذا البلد لم يتمَّ حلُّها منذ أكثر من 13 عاماً».
فيما ألمحَ رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، خلال كلمة له أمام الكتلة النيابية للحزب بشأن الأحداث الأخيرة في سوريا، إلى أن مدينة حلب «تُركيّة ومُسلمة حتى النخاع»، لتلقَى كلماته ردَّات فعل متفاوتة من المتابعين الأتراك، إذ أيَّدَ بعضهم وجهة نظره لِما تحمله المدينة من رمزية تاريخية وسياسية بالنسبة لهم، فيما عارضه آخرون مُشيرين إلى أن المدينة للعرب والسوريين.
أما رئيسة بلدية غازي عنتاب عن حزب العدالة والتنمية، فاطمة شاهين، فقد رأت أنَّ التقدم العسكري لفصائل المعارضة فُرصة لتشجيع اللاجئين على ما وصفتها بـ«العودة الطوعية والآمنة»، مشيرة إلى أن «فتح طريق حلب يمثل خطوة محورية في هذا الاتجاه».
من جانبه، ادّعى زعيم حزب الوطن التركي، دوغو بيرينتشيك، أن الشعب التركي يدعم نظام بشار الأسد، مُشيراً إلى ثقته بـ«نصره» وأمله بعدم استمرار الحكومة التركية في «موقفها المُتردِّد» على حد وصفه. فيما رأى رئيس حزب الجيد المُعارِض، مساوات درويش أوغلو، أن ما يحدث في سوريا «لعبة تُمارَس»، داعياً حكومة بلاده إلى عدم التدخُّل في سوريا.
ماذا عن الإعلام المحلي؟
صحيفة يني شفق المُقرَّبة من الحكومة التركية واكبت التطورات العسكرية لعملية «ردع العدوان» منذ بدايتها، وعملَتْ على ترجمة ومشاركة مقاطع مُصوَّرة يجري تداولها باللغة العربية، تُسلِّط الضوء على انتصارات الفصائل العسكرية، وعلى فرحة سوريين بلقاء أقربائهم أو عودتهم إلى منازلهم في القرى والبلدات التي سيطرت عليها الفصائل.
استخدمت الصحيفة في تغطيتها المكثفة للمستجدات في سوريا وصف «المجموعات السورية المُعارِضة» لتعريف الفصائل المقاتلة، وحافظت على مصطلحات «النظام السوري» و«الميليشيات المرتبطة بإيران» لوصف مقاتلي النظام وحلفائه.
ومع توسّع سيطرة الفصائل في ريف حلب وسيطرتها على مدينة تل رفعت، أوفدت يني شفق الصحفيةَ نسليهان ألتون لتنقل الصورة من المدينة التي كانت تحت سيطرة قسد المُدرَجة على قوائم تركيا للإرهاب، وسبقَ ذلك انتشارُ مقطع مُصوَّر لمُراسِلة CNN التركية فوليا أوزتورك من أمام قلعة حلب التاريخية بعد إعلان الفصائل دخولها إلى المدينة، قالت فيه إن «المُعارضين المُسلَّحين» يحتفلون أمام القلعة التي يشهد مُحيطها ازدحاماً شديداً.
لم تأخذ هذه التطورات المتسارعة حيَّزاً واسعاً في التغطية الإخبارية لصحيفة Sözcü المُقرَّبة من المعارضة التركية، وفضَّلت الصحيفة إعادة نشر تقرير للصحفي نوزت تشيشك أعدَّه لصالح صحيفة إندبندنت بنسختها التركية بعنوان «في سوريا من يقاتل؟ من أجل ماذا؟ كواليس الحرب»، تحدَّثَ فيه عن «الآثار التي تتركها أهداف المجموعات المختلفة وتوقعات الدول على خريطة سوريا المُتغيرة».
لكن مع وصول الفصائل العسكرية إلى أبواب مدينة حماة، أفردت الصحفية تقريراً مفصلاً كان عنوانه «ماذا يحدث في المدينة التي ستُغيَّر قدر سوريا؟»، تحدثت فيه عن آخر المستجدات العسكرية على تخوم المدينة، ووصفت فيه الفصائل المعارضة بـ«ميليشيات هيئة تحرير الشام».
مُغرِّدون يتفاعلون
لطالما لقيت المُنعطفات السياسية والتغيّرات العسكرية الفارقة في سوريا، كالتي تحصل مؤخراً، تفاعلاً من الشعب التركي على السوشال ميديا، غالباً ما يكون تحت وسم «Suriye» (سوريا) عبر منصة إكس، وذلك بسبب الدور الذي تلعبه تركيا فيها، وبسبب اندراجها على الأجندة الانتخابية للمسؤولين الأتراك مع وجود ملايين اللاجئين السوريين على الأراضي التركية.
وكان متابعون أتراك عبَّروا عن «فرحهم» بسيطرة الفصائل على حلب بتداول صورة لسيارة من أمام قلعة حلب، طَبَعَ مالِكُها لوحة تحمل الرقم «82 TC 1453»، وهو رقم يتداوله قوميون أتراك ويعتبرون من خلاله أن حلب هي الولاية التركية رقم 82، فيما مدينة الموصل العراقية هي الولاية رقم 83.
كما أن التغطية الإعلامية لمجريات الأحداث في سوريا لم تقتصر على وسائل الإعلام في تركيا، إذ أخذ صحفيون وناشطون أتراك على عاتقهم مخاطبة الشارع التركي، والتهليل للانتصار في حلب التي لطالما كانت لها أهمية سياسية وجغرافية وتاريخية بالنسبة لشريحة واسعة من المواطنين الأتراك.
في منشور له عبر إنستغرام ردَّ الصحفي عبد الرحمن أوزون على بيان لرئيس حزب السعادة التركي، محمود أريكان، اعتبَرَ فيه أن ما يجري في سوريا صراع عرقي طائفي «لن تنتصر فيه سوريا أو تركيا أو إيران في الأيام التي بدأت فيها إسرائيل الإرهابية بالخسارة في لبنان». وأكَّدَ أوزون في ردّه على أريكان أن ما يجري في سوريا، وخاصة في حلب، هو «استرداد الأرض من قبل أبنائها الأصليين من القوى الخارجية»، ليغلب التأييد لكلماته على تعليقات متابعيه من الأتراك.
وعملت منصة lahjamedia (لهجة ميديا) التركية عبر إنستغرام، والتي تنشط في نقل قصص اللاجئين ومنهم السوريون، على ترجمة ومُشاركة مقاطع مصورة تُظهِرُ جانباً إنسانياً من الأحداث الأخيرة في سوريا، لتلقى تفاعلاً واسعاً من متابعين أتراك.
- الجمهورية نت