في ما يلي المقدمة التي كتبها رئيس مجلس النواب نبيه بري للكتاب الجديد للزميل راجح الخوري الصادر حديثا عن "دار النهار للنشر" تحت عنوان "ارهاب ضد الارهاب" وهو عبارة عن مجموعة مقالات مختارة للزميل الخوري.
تحت مطر الرصاص وبين الرصاص ينجح راجح الخوري في إنجاز كتابه "إرهاب ضد الإرهاب"، عن مرحلة تمتد ما بين اواخر العام 1994 وايار من العام 2009 والتي تمثل بورصة لحركة الدم، وهذا الامر وحده يحتاج الى قدرة عالية من الرشد والتحمل والانتباه، لأنه لم تكن توجد فرصة لالتقاط الأنفاس في صورة الحركة الدولية المتسارعة، وفي الحركة العاصفة للتوترات الاقليمية والقطرية المتنوعة على مساحة الشرق الاوسط، او كانعكاس للمتغيرات الدولية التي رافقت الهجمات الإرهابية في ذلك اليوم الجحيمي الحادي عشر من ايلول من العام 2001، واستتباعاتها من شعارات وحروب ضد الاوهام والاشباح، والاستثمار عليها تحت ستار تمويه النيات بالديموقراطية والشفافية والحكم الصالح من اجل تعزيز "الامبراطورية" وحروبها لاستكمال السيطرة على الموارد البشرية والطبيعية لمختلف الشعوب وخصوصاً الشرق الاوسط.
من الأهمية بمكان الانتباه الى صحة استنتاج الكاتب حول ان ادارة الحروب والأزمات على الطريقة الأميركية تنطلق من معادلة تقول: "ان اميركا لا تقيم وزناً للتاريخ، وهذا ما يفسر تعاملها مع الجغرافيا" على النحو الذي يجري، ويطلق العنف من عقاله في اطار استراتيجية "الفوضى البناءة" ليصبح هذا العنف عابرا لحدود التفاهمات والتسويات والاتفاقات على كل مساحة، وليصبح عابراً للكيانات والاقاليم والقارات.
وهكذا في كل مراحل الكتاب كما في كل مراحل التاريخ السابق واللاحق، يبرز أن الاستراتيجية الاميركية تجاه الشرق الاوسط ثابتة لا تتزحزح، وهي تدور حول: النفط والنار (المصالح وإسرائيل). والرؤساء الاميركيون المتعاقبون على البيت الابيض وصولاً الى الرئيس باراك اوباما، يحملون مفتاحاً صنع في اسرائيل لسياساتهم الشرق اوسطية، وهم – الرؤساء – يواصلون نفس السلوك الاستعماري اضافة الى تشجيعهم لصناعة الوهم حول اعتبار التغيير وتحديث النظام السياسي في المنطقة مهمة امبريالية وليس صناعة وطنية، وبالتالي فإن النتيجة المؤكدة هي "ديموقراطيات تقطر دماً" و… سلام مستحيل.
هكذا الامر في الاستراتيجية اما في التكتيك والتفاصيل فإن لا شيء يتغير سوى استبدال الوسائل الحربية او الفظة والخشنة في صنع السياسات بالديبلوماسية المخملية اليس ذلك ما يعبر عنه تعاقب الاسماء من جون فوستر دالاس الى هنري كيسينجر وجيمس بايكر ووارن كريستوفر الى السيدتين كوندوليزا رايس وهيلاري كلينتون، والنتيجة في كلا الحالين مجزرتان: قانا الاولى نيسان 1996 وقانا الثانية 2006 بفارق عشر سنوات، حيث الرؤية الاوضح لقياس السياسات الاسرائيلية كما هو الحال في قياس السياسات الغربية من خلال مجازر "الإيساف" الجوية والبرية ضد الشعب الافغاني والباكستاني.
في المقابل الاسرائيلي المزيد من الاتجاه الى اليمين وصولا الى مزدوجي التطرف: نتنياهو وليبرمان حيث تقع سلطة القرار الاسرائيلي تحت ضغط ضجيج الجنرالات وصيحات الحرب من اجل اسقاط اسوار اريحا واعلان موت الفلسطينيين انطلاقاً من تمهيد قطاع غزة وتسويته بالارض لجعله اكبر مخيم للاجئين في العالم، وصولا الى المزايدات الاستيطانية، على ضفاف القدس لمحاصرتها بالاطواق الاستيطانية الى الحرب التي لا تهدأ ضد لبنان والتي لا تخضع لمتطلبات القرارات الدولية 425 و1701 وغيرها، وحيث تستمر الحروب الاستخبارية والمالية والاعلامية والنفسية الاسرائيلية مفتوحة، وتبقى العمليات الحربية المتواصلة عبر الخروقات والتلويح باستخدام القوة تمهيداً للحرب المقبلة لتحقيق هدف مستحيل: "استعادة قوة الردع الاسرائيلية”.
في النهاية فإن القتلة رؤساء المستويات السياسية وجنرالاتهم في عالم المصالح يجلسون متساوين وفي المقابل يجلس القتلى متساوين: ضحايا الحروب الاسرائيلية على لبنان وفلسطين وضحايا الحروب الامبريالية إلا أن ما يتأكد رغم كرة النار والاسلحة الفتاكة والمحرمة والالكترونية نتيجة واحدة: عجز القوة العسكرية عن تحقيق الاهداف.
في متابعة الكاتب للمساعي المبذولة لتشكيل رؤية دولية تؤكد المشاهدات ان البضائع المعروضة على جانبي طريق المرور هي بضاعة الجحيم: احتكار وسائل القوة… ممارسات اجهزة الأمن والقمع، صور التعذيب من معتقل ابو غريب الى غوانتنامو الى جانب الجريمة المنظمة والارهاب، وان البائعين هم تجار الموت الذين يسوقون الذعر والقلق والتوتر ودائماً الفتنة وايقاظ الخلافات، ويعرضون شلل النظم السياسية واللااستقرار والترانسفير واللاجئين… أليس ذلك ما يفسر التعامل مع الجغرافيا على حساب التاريخ من دارفور الى الصومال واليمن وافغانستان وباكستان والعراق ولبنان ودائماً… فلسطين؟
على حلبة الصراع وعلى حلبة الكاتب يبدو ان هناك من يربح معارك بنقاط الدم ولكن المصارعة تستمر لأن أحداً لم يسقط بالضربة القاضية او يستسلم، وهو الأمر الذي يعبر عن ان المعركة الثانية قد وصلت الينا والى اننا نقع في أتونها رغم ان البعض لا يريد ان يحس او ان يشعر او ان يرى ويلمس هذه الحقيقة.
المعركة الثانية هي امتداد لمعركة فلسطين الاولى، حيث لم تكفِ النكسة ولا النكبة ولا محاولة وصم المقاومة بالارهاب لحسمها، والمسعى الاسرائيلي الآن ينصب على تصفية الوجود العربي الفلسطيني في المنطقة الخضراء وتحقيق الاعتراف بيهودية الدولة (اسرائيل) وعاصمتها القدس (اورشليم).
المعركة الثانية تدور بالتأكيد من أجل احباط اماني الشعب الفلسطيني واسقاط حق العودة وفرض التوطين.
المعركة الثانية تدور ضد الأنفاق وسلاح المقاومة ومرور مواد البناء الى غزة وتقنين سبل الحياة في قواعد ارتكاز المقاومة الشعبية و… اختراع عدو آخر انطلاقاً من وضع ايران في مرمى الاتهامات حيث يبذل مسعى جدي لاستبدال وجهة الصراع من عربي – اسرائيلي الى عربي – فارسي، واستنهاض أدوات مذهبية للصراع الجديد مع تربص كامل بالاظافر النووية الايرانية لتقليمها اذا كان ذلك ممكناً.
والمعركة تدور كذلك من اجل تحويل شعوب العالم انطلاقاً من الشرق الأوسط عبيداً من كل الالوان وتحويل العالم مساحة عقارية مفرزة لبيع الناس.
المعركة الثانية بالعربي هي محاولة غسل الاخطاء الاميركية بالنفط العربي.
عود على بدء الى فصول الكتاب فإننا نشهد أن "العلاقة بين الإسلام والعالم" هي قضية العصر وفي الخاتمة لا يحتاج المرء الى كثير من العناء لكي يكتشف ان المؤامرة التي تستهدف الإسلام وصورته في العالم لا تتوقف عند حد في عمليات التعمية والتزوير.
في النهاية يبقى ان الفصل الذي لم يكتب بعد وينتظر همة وانتباه الكاتب الاستاذ العزيز راجح الخوري هوعن المعركة الثالثة التي بدأت، وفي أهدافها تصفية التاريخ لأجل جغرافيا كونية تشبه مشاهدها مشهد الشرق الاوسط الاميركي الكبير حيث النار في كل مكان.
من جهتنا، نحن مطمئنون إلى أن صورتنا في مشهد هذه المعركة المقبلة هي: "يا نار كوني برداً وسلاماً على إبرهيم وآل إبرهيم" على مساحة الشرق الأوسط الإسلامي الكبير انطلاقاً من فلسطين وعاصمتها القدس.