منذ الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024 دخلت الثورة السورية مرحلة جديدة لم تصل إليها أي من ثورات الربيع العربي منذ العام 2011. الثوار السوريون تحت قيادة أحمد الشرع “الجولاني”، انطلقوا في سيل مباغت جرف أمامه عناصر نظام الأسد الهارب والميليشيات الإيرانية والأجنبية الموالية له وتركهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاستسلام وتسليم السلاح أو الملاحقة الأمنية.
صفعة قوية أذهلت الأسد وداعميه وعلى رأسهم إيران، وتركتهم في حالة اضطراب شديد وكأن القيامة وقعت على رؤوسهم. هرب بشار الأسد وعائلته إلى روسيا، ودخل الثوار قصور عائلة الأسد وبدؤوا بتفكيك نظام أمني استخباراتي معقد بهدف حمايتها وضمان استمرار هيمنتها على سوريا، وبهذا أعلنت الثورة سقوط نظام الأسد الذي حكم سوريا لنصف قرن. الفرق الأساسي بين المرحلة التي تمر بها الثورة السورية الآن وبقية ثورات الربيع العربي التي أدت إلى تغيير رأس الحكم فيها فقط، هو أن الثوار السوريين وحدهم من سيعيد بناء نظام حكم جديد وجيش جديد بعيد كل البعد عن أذرع وأرجل النظام القديم، فالوعي الجمعي السوري وصل لمرحلة متطورة من النضج والخبرة السياسية والعسكرية لمواجهة المحاولات الداخلية والخارجية لإعادة إنعاش النظام البائد بشكل أو بآخر، عن طريق فرضه على السوريين في المرحلة المقبلة تحت حجة “المشاركة السياسية” و”التمثيل العادل”، وبالتالي فإن السوريين حالياً هم الذين يضعون قواعد جديدة تشكّل منارة للثورات القادمة على الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة.
الوعي الآن ليس لدى الثوار السوريين فقط، بل الدول الإقليمية أيضاً تعلم بالضبط ما يمكن أن تحمله الأيام القادمة، من هذه الدول من يسعى ويتأمل ويحلم بعودة النظام الهارب، ومنها من هو حريص على بناء سوريا جديدة مستقلة وقوية وترسم مستقبلاً آمناً لأبنائها وللمنطقة ككل.
ما نشهده في بعض المحافظات السورية حالياً من جهود لتنظيف الطرق والمخابئ والحجرات فيها من فلول النظام القديم، والعناصر التي باعت نفسها لأنظمة شيطانية خبيثة تنخر الجسد السوري لإضعافه وحتى قتله، هو من أهم مراحل الثورة السورية الطاهرة، وهي المرحلة التي غفل عنها أو أهملها من سبق السوريين للثورة في المنطقة. لا مجال للعودة الآن، نحن في طريقنا لعبور عنق الزجاجة، ونحتاج لصبر أكثر قليلاً ونفس طويل وتصميم عال ومهارة وخبرة ورص الصفوف لتكون متينة يصعب هدمها أو خرقها. إن أي تخاذل أو تسامح الآن مع من وقف بجانب النظام الهارب وساعده على ارتكاب المجازر، هو خذلان لدماء مئات الآلاف من السوريين وعائلاتهم.
فالأنظمة الفاسدة الفاجرة لا تستمر من دون الموالين والداعمين لها والساكتين عنها، وهؤلاء هم فئة فاسدة لا يجب القبول بها في المرحلة المقبلة، وعليهم أن يعلموا أن سوريا الآن وإن بدت ضعيفة إلا أن ساعدها قوي وما تتجاهله اليوم من مقتضيات السياسة والمرحلة الراهنة سيتم التعامل معه في الوقت المناسب. جروحنا عميقة وما زالت ملتهبة، لكنها لن تعيقنا ولم يحن وقت الاسترخاء والراحة بعد، فحملة مواجهة هذه الفلول واجبة الآن وعلى الكل المشاركة فيها. لهذا، من يستطيع الانضمام لقوات الأمن فليفعل، ومن لا يستطيع فليقل قول الحق ويواجه الخطاب الطائفي القائم على بث الفتنة والمنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وكله تحت شعارات زائفة من أناس الجميع يعلم أنهم لم يكونوا يوماً من الأيام جزءاً من الثورة أو حتى كانوا صامتين بل كانوا جزءاً أصيلاً من النظام البائد وأدوات هدمه، اليوم عادوا بثوب جديد تحت شعار الثورية.
على السوريين عدم استعجال البناء والرفاه في هذه المرحلة حتى لا يقعوا فريسة للانتهازيين، بل عليهم التأكد من صحة وسلامة كل مرحلة قبل الانتقال إلى غيرها، وتنظيف القواعد الآن والتأكد من نظافة ووطنية المشاركين وانسجامهم فيها أمر في غاية الأهمية. على الأطراف الداعمة للشعب السوري في نضاله المشروع ضد الوحوش بهيئة بشر، والسفاحين القتلة المختبئين خلف الأطقم الرسمية والشعارات الخبيثة، عدم التخلي عن هذه الثورة بأهدافها المشروعة، ومساعدة السوريين بكل الطرق لبناء دولة مدنية جديدة قائمة على احترام الإنسان وإعلاء قيمه الإنسانية.
وهذا الدعم ليس فقط واجب إنساني، بل واجب سياسي وعسكري وفيه مصلحة كبرى للداعم، فسوريا بدستورها وجيشها ونظامها الجديد ستصبح شريكاً أساسياً لجيرانها في المنطقة لرفعتهم وقوتهم وأمنهم. وإلى كل المتأملين والحالمين بعودة نظام الفساد والكبتاغون والمسالخ، وفروا على أنفسكم المجهود النفسي والمادي والعسكري، فالثورة السورية انتصرت، ولن يتراجع السوريون الآن خصوصاً بعد زوال الظلام ورؤيتهم لإشراقة الشمس بحلة جديدة، وتنفس هواء بنكهة شامية كلها حرية وأمل في بناء دولة حديثة قوية تقوم على العدل والحرية والمواطنة.
- تلفزيون سوريا