تبدي الأوساط الإسلامية اللبنانية والعربية اهتماماً كبيراً بمتابعة التطورات الداخلية التي تجري في الجمهورية الإسلامية الايرانية في ظل تصاعد التحركات المعارضة وتحولها احياناً اعمال شغب وتظاهرات شعبية، اضافة الى وصول الأصوات الاعتراضية الى داخل الحوزة الدينية والجامعات.
ورغم ان الأوساط الإسلامية تعتبر ان ما يجري في إيران هو شأن داخلي من خلال الصراع بين المحافظين والاصلاحيين، إلا أنّ ذلك لا ينفي ان التطورات ستكون لها انعكاسات مستقبلية على الدور الإيراني في المنطقة، اضافة الى استغلال القوى الدولية الكبرى وخصوصاً أميركا وأوروبا ما يجري في ايران من أجل الضغط على النظام الإيراني في شأن الملف النووي وعلاقة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقوى المقاومة ودول الممانعة.
لذلك تتابع الأوساط الإسلامية هذه التطورات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وقالت بعض المصادر الإيرانية الاصلاحية انها وجهت رسالة خاصة الى المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله تطالبه بالتدخل لمعالجة الوضع الايراني، لكن المصادر المقربة من السيد فضل الله نفت قيامه بأي دور مباشر بالشأن الايراني الداخلي، وإن لم تنفِ هذه المصادر اهتمامه بالتطورات الايرانية وخصوصاً خلال لقاءاته مع المسؤولين الايرانيين الذين يزورونه بين فترة وأخرى.
اما على صعيد "حزب الله"، فهو يرتبط بعلاقة قوية مع مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام علي خامنئي، ولا يخفي المسؤولون في الحزب اعجابهم بالرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، وهم يتابعون التطورات الايرانية دائماً رغم عدم صدور تعليقات مباشرة على ما يجري في الداخل الايراني.
فكيف تنظر الأوساط الاسلامية لما يجري في ايران؟ وما هو موقف السيد محمد حسين فضل الله من هذه التطورات؟ وأية انعكاسات يمكن ان تطول "حزب الله" وقوى المقاومة في المنطقة إذا ما تفاعلت الأوضاع الإيرانية الداخلية؟
رؤية فضل الله
خلال استقباله ممثل قائد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي في دمشق، السيد مجتبى الحسيني، تطرق المرجع فضل الله الى التطورات الايرانية الداخلية ودور ايران في المنطقة، واعتبر "ان ايران تمر بمرحلة دقيقة وان أي سعي لإضعافها يمثل خدمة للمشروع الاستكباري الذي يقف الصهاينة وراءه سواء التفت البعض الى ذلك أو لم يلتفت".
لكن في المقابل أكد فضل الله "ان الإسلام والنظام الإسلامي يحتضن قوى المعارضة التي تتحرك في نطاق القيم والمبادئ، ولذا لا بدّ من التحرك على خطين:
1- فتح آفاق الحوار الداخلي على جميع المستويات، وبالتحديد مع أولئك الذين يحملون في أنفسهم الاخلاص للأمة والاسلام والوطن.
2- اقفال كل الثغر التي يسعى المحور الاستكباري للدخول من خلالها لتهديد أمن الأمة من خلال استهدافه مواقع القوة والمنع فيها".
وناشد فضل الله الجميع، وخصوصاً في إيران لتحصين الساحة الداخلية في مواجهة ما يخطط له الكيان الصهيوني من عمل لاستهداف ايران واسقاط حركتها السياسية والاجتماعية والعلمية وتطويقها وحصارها ومنعها من تحقيق تقدمها الصناعي والتكنولوجي على جميع المستويات. وأكد "ضرورة احتضان الجيل الجديد وفتح آفاق الحوار العلمي والثقافي والفكري معه لمنع الثقافة المضادة من اختراقه".
اما بشأن الدعوات التي قيل انها وجهت له للقيام بالتوسط بين القوى الاصلاحية والنظام في ايران، فإن الأوساط المقربة منه تؤكد انه لم يقم بأية وساطة، وهو يفضل عدم التدخل في الشأن الإيراني الداخلي، لكنه يحرص دائماً خلال لقاءاته مع المسؤولين الإيرانيين على تأكيد ضرورة العمل لمعالجة الأزمة الداخلية بالحوار واحتضان الجميع وخصوصاً القوى الإسلامية الحريصة على نظام الجمهورية الإسلامية.
وبالنسبة الى "حزب الله"، فإن المسؤولين فيه يحرصون على عدم الحديث العلني في الشأن الإيراني، وان كان الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله قد أكد مراراً الارتباط بولاية الفقيه ودعم الرئيس محمود احمدي نجاد والتعبير عن الارتياح لفوزه في الانتخابات الرئاسية. وقد حرصت الأوساط المقربة من الحزب على الاهتمام بالشأن الايراني واقامة العديد من الندوات غير المعلنة لفهم ما يجري في ايران ومعرفة أسباب الصراع الداخلي وابعاده.
تخوف من الانعكاسات المستقبلية
ورغم ان معظم الأوساط الإسلامية التي تتابع التطورات الايرانية تؤكد قوة نظام الجمهورية الاسلامية وعدم التخوف من حصول انهيار قريب للنظام والقدرة على استيعاب التحركات المعارضة، فإن هذه الأوساط لا تخفي وجود قلق على صعيد مستقبل التجربة الإسلامية في ايران، كما هو الحال على صعيد العديد من التجارب الإسلامية في الحكم كما هو حاصل في السودان وفي فلسطين.
وتعتبر بعض الأوساط الإسلامية انه "قد يستطيع النظام في ايران استيعاب قوى المعارضة في المرحلة الآتية، لكن ذلك لا يمنع من حصول تخوف على صعيد الوضع المستقبلي، وكذلك تعرض التجربة الإسلامية لبعض المشكلات في ظل انتقال الأصوات الاعتراضية الى داخل الحوزة الدينية واساتذة الجامعة وحتى لدى بعض اركان النظام، ما يقتضي العمل لمعالجة المشكلات الداخلية بالأساليب الايجابية وليس من خلال القمع أو منع حصول التظاهرات".
( كاتب في الشؤون الاسلامية)
"النهار"