بإمكان هذه الهيئة بعد استكمال حواراتها، أن تصل إلى مخرجات تضعها بين يدي السلطات الرسمية للتنفيذ، فنضمن فعلاً أن المستقبل السوري كان نتيجة حوارات شارك فيها أوسع طيف من السوريات والسوريين، على امتداد الوطن وخارجه.
بعدما توج سقوط نظام الأسد مسيرة درب الآلام الطويل للسوريين نحو الحرية، يحتل ضمان الأمن والاستقرار والهموم المعيشية وطريق الانتقال نحو المستقبل المنشود، سلم الأولويات لدى عمومهم. إلا أن السوريين اليوم وفي مقدمهم السلطة الحاكمة، لا يمتلكون تصوراً مشتركاً ومعلناً حول أهداف الانتقال السياسي ومراحله وجدوله الزمني، واكتفت الإدارة الحالية بتسلّم السلطة، بما في ذلك تشكيل المؤسسات العسكرية والأمنية الجديدة، والإعلان على لسان قائدها السيد أحمد الشرع، أن مؤتمراً وطنياً جامعاً سيُعقد، وحلاً للفصائل ضمن مؤسسة عسكرية جديدة.
قال الشرع أيضاً إننا نحتاج إلى ثلاث سنوات لكتابة الدستور، وأربع سنوات لإجراء انتخابات عامة، وإن الأولوية اليوم لتأمين احتياجات الناس وضمان الأمن والاستقرار، في غياب الآن لأي شكل دستوري يحدد مسؤولية السلطات العامة، وينظم عملها ويقر بالحقوق والحريات الأساسية، وأسس النظام العام في البلد، إلى حين الوصول إلى إقرار الدستور الدائم للبلاد وإجراء الانتخابات العامة.
يغيب كذلك تصور مشترك عن مهمات مرحلة الانتقال السياسي، والكيفية اللازمة لإجراء الحوار الوطني، كي يؤمن الوفاق الوطني المطلوب للانتقال نحو الوضع الدائم للبلاد.
وإذا اتفقنا مع الإدارة على أن إقرار دستور دائم للبلاد، وإجراء انتخابات عامة يحتاجان إلى فترة زمنية مريحة، وأن ضمان الأمن للناس وتلبية احتياجاتهم المعيشية ودوران عجلات الدولة، أمور لا تحتمل التأخير، فإن ما ينقصنا هو خطة واضحة مطمئنة لعموم السوريين على تنوعهم، للكيفية التي ستدار البلاد بها خلال هذه الفترة وبأي اتجاه، وهو ما يحتاج إلى مقالات كثيرة للخوض فيه وتفصيله، لكن بتخصيص الحديث هنا عن المؤتمر الوطني، فإننا وفقاً لما يرشح من أخبار بصدد دعوة ألف شخصية سورية من خلفيات متنوعة للاجتماع أياماً عدة، والخروج بحكومة كفاءات يُفترض أن تعكس تنوع المجتمع السوري، وإعلان حل “هيئة تحرير الشام” والفصائل المسلحة، وتشكيل لجنة استشارية للحكم، وأخرى لصياغة الدستور.
وباستثناء النقطة الأخيرة، لا تحتاج الإدارة التي استلمت السلطة بحكم قيادتها إلى الجولة الأخيرة في معركة إسقاط النظام، وقامت بترفيعات وتعيينات عسكرية وفق ما ارتأت، وتتولى مهمة تمثيل الدولة السورية إلى مؤتمر كهذا للقيام بهذه الخطوات، ولا يعالج مؤتمر كهذا القضايا الوطنية المطروحة على الشعب السوري. وبإمكان الإدارة الاكتفاء بعقد مؤتمر للقوى الثورية، التي تحالفت معها لإسقاط النظام، والاتفاق على هذه الإجراءات وإعلانها، وتشكيل مجلس تشريعي وإعلان دستوري مؤقتين بالاستفادة من مبادئ أساسية في دستور 1950.
ما هو مطلوب من الإدارة التي تولت سلطات الدولة على مستوى الحوار الوطني أمر مختلف تماماً، وبآلية مختلفة تماماً، بخاصة ألا أحد ينازعها على قيادة المرحلة، إنما تتم مطالبتها بالمشاركة مع شرائح وطنية أخرى في هذه المهمة.