- أمجد آل فخري
ليس الصراع الذي رافق الثورة السورية 2011 وأخذ شكلاً تدميرياً إبادياً، إلا جزءاً متأخّراً من فصول صراعات ممتدّة منذ استقلالها الأول عن الدولة العثمانية 1920إلى بيان العقبة 2024، إذ ينعطف في كل مرحلة بما تمليه قوة المتصارعين ومصالحهم، في الوقت الذي لمّا يتعافَ الوضع السوري ليقرّر رؤيته وتحقيق مستقبله، وقد تمكّنت ثورته من خلع استبداد الأسدية التي كانت عنواناً على امتداد أكثر من خمسة عقود.
إن سقوط الأسدية وفرار أربابها، يشكّل تحوّلاً أساسياً يرسم صورة سورية المستقبل من خلال مسارات، يؤثّر في كلّ منها جملة عوامل متشابكة تتفاعل، ويأخذ الداخلي برقاب الخارجي، وقد تصل أحياناً للتناقض إقليمياً ودولياً، وهو ما يؤسّس لمسار يتغلّب على غيره في انعطافة يُراد تعويمها؛ لتكون ورقة رابحة في صيرورة سورية القادمة.
لقد زرع النظام البائد مرتكزات متينة، منذ أن أعلن نفسه حامياً للأقليات ” القومية والدينية والطائفية”، مع تغييب للهوية الوطنية، واستلاب لكلّ ما يمكن تسميته مؤسّسات وطنية، وبذات الوقت تخويف المكوّنات ممّا ينتظرها، انتقاماً وتشتيتاً حدّ الإبادة، لتتمحور حول ذاتها، وتنكص عن الهمّ الوطني والهوية الوطنية، وتنبش عمّا تراه مظلوميات، تتمترس خلفها داخلياً، وتستمدّ القوة، لمواقفها وتخوّفاتها خارجياً، ممّا يفتح مصاريع الأبواب لصراعات جديدة بين المكوّنات المختلفة. وترك المرحلة الانتقالية لتغرق في مستنقع التناقضات والمراهنات الخارجية، أو تحترق بسعير المتطلّبات.الداخلية التي تنتج احترابات، قد تستمرّ طويلاً في ظلّ مرحلة انتقالية هشّة غير مستقرّة، وهو ما سيكون عليه الوضع إن اعتمد المحاصصة، أو التوافقات غير المبنية على شرعية دستورية.
اعتمد النظام البائد مركزية مقيتة، اعتاش من خلالها عقوداً، وبنى أسساً قوية لاستمراره، عبر السطوة الأمنية والعسكرية والفساد والفشل في كل مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والتعليمية والتجارية التي بدأت تتآكل في حاضر سورية، ودفع لرهن أصول الدولة وثرواتها لحساب حلفائه، ليصل إلى درجة جمهورية تعتمد المخدرات والكبتاغون، وتجعل السوريين في حالة موت سريري، وهو ما صيّرها دولة فاشلة. ولا يمكن أن يقارب السوريون اليوم هذا المسار، إلا إن كانت مصالح القوى النافدة المسيطرة مسانَدَة بقوى خارجية أو ساحة نفوذ إقليمي دولي .تحقّق بقاءها موحّدة.
سقوط نظام الإبادة، لا يُقتلع وإلى الأبد، ولا يكون حقيقياً إلا بانتقال سياسي سلمي ديمقراطي مدني، يقود سورية إلى توافق وطني، يمكن أن يستمرّ، بتنازلات متبادلة بين جميع المكوّنات السورية.
وبذلك تُقطع الطرق أمام الفلول الأسدية والميليشيات الإيرانية والمتعدّدة الجنسيات، ولا تكون منصة للصراع الإقليمي والدولي، فتحدّ من تغوّل روسيا، وتلجم مطامع إسرائيل وسياساتها، بعد أن أُخرجت إيران وقضي على حزب الله العسكري، وتخفّف من الاحتضان التركي وتطرد قلقها، وتركن أكثر إلى الجانب العربي في استعادة سورية، وتطمئن الغرب وأميركا لسداد التوجّهات القادمة لتحقيق وتثبيت الاستقرار المجتمعي والسياسي المطلوب؛ لرفع العقوبات، وإعادة الإعمار، وإنهاء أزمة اللاجئين، والتدهور، بل الانهيار، الاقتصادي والمعيشي، وتفاقم الأزمات المتعدّدة.
في ظلّ المنظومة الدولية الحالية، لا يمكن أن يكون مسار لتفتيت سورية واقعاً، نظراً لموقعها الجيوسياسي، وتنوع التوازنات وتعدد التحالفات والتوافقات، فمن يمسك قرار سورية، سيكون فاعلاً مؤثّراً في محيطها، وربما أبعد، ومن هنا فإن القوى الإقليمية والدولية يمكنها تفعيل الاستقرار، عبر سورية، أو زعزعة المنطقة انطلاقاً منها.
لن تكون سورية سيّدة حرّة موحّدة، وتتصدّى للمتربّصين بها، وتقطع السُّبل على خطط رهنها أو إلحاقها لهذه القوة الإقليمية أو الدولية، إلا بتوافق السوريين على مرحلة انتقالية، والنهوض بنظام سياسي جامع، ويعملون على تحالف وطني ديمقراطي، ويتمكّنون من تصدير عقد اجتماعي، يُبنى عليه دستور، يلمّ الشمل، ويراعي التنوّع الديني والإثني، وحقوق المواطنة لكل السوريين.
-
- كاتب سوري