أحيانا تتصادم المشاكل المتأزمة منذ زمن، وتتفجر في سنة واحدة، فيبقى تاريخها محفوراً في الذاكرة. وفي هذا السياق يمكننا الاستشهاد بأمثلة من التاريخ تعود حتى القرن الخامس قبل الميلاد، لنشهد هذه الظاهرة، أو ربما نشهدها بشكل مباشر مجدداً في 2010.
في عام 480 قبل الميلاد، بلغ التوتر في منطقة حوض بحر إيجه أوجه بانطلاق الغزو الفارسي لليونان. وبدا أنه ما كان لشيء أن يوقف زحف الملك زيركسيس خلال اختراقه لمعبر ثيرموبيلاي، إلى أن احتشد الإغريق تحت قيادة ثيميستوكليس في معركة «سلاميس» البحرية وأنقذوا الغرب.
والآن دعونا نسرع الشريط إلى الأمام وصولاً إلى العصر الحديث، حين أدت نهضة الفاشية إلى نشوب حرب عالمية في 1939. في تلك السنة أيضاً، انتصر القوميون الفرانكونيون في الحرب الأهلية في إسبانيا، والاتحاد السوفييتي اقتتل مع اليابان في حرب حدودية ووقع خلالها معاهدة مولتوف ـ ريبتروب لعدم الاعتداء مع ألمانيا النازية.
وبعد ذلك بأسابيع، جاء الغزو النازي لبولندا معلناً عن بداية الحرب العالمية الثانية. والأحداث التي وقعت في سنة 1939 لا تتحمل وحدها مسؤولية إطلاق شرارة الصراع العالمي، فلقد انبثقت هي نفسها كحصيلة لسنين من الأفكار الرديئة، مثل المحاولات المتعاقبة لاسترضاء هتلر، شبه نزع سلاح الديمقراطيات الغربية، ومغازلة الحركات المعارضة للحروب بشتى أشكالها.
ولقد أوصل هذا السلوك دون قصد رسالة إلى العالم، مفادها أن بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة كانت غير راغبة وغير قادرة على النهوض في وجه تحدي الأنظمة الشمولية. وهكذا نهض الحكام المستبدون لاستعراض قوتهم في 1939 وبدأوا بالتحرك.
ثم في عهد أقرب إلى وقتنا الحاضر، كانت سنة 1979 حافلة بالأحداث الكبيرة أيضاً. فلقد أدت الخطب الوعظية الطنانة التي ألقاها جيمي كارتر في السنوات السابقة عن العادات الأميركية السيئة، إلى إقناع اللاعبين السيئين في العالم بأن الوقت قد حان للمضي قدماً في دفع أجنداتهم الإقليمية، دون الخوف من ردة فعل أميركية.
وحالما انطلقت الأعمال العدوانية على مسرح الأحداث، لم يكن بالإمكان فعل شيء لإيقافها. وحتى خطاب كارتر المدوي عن «أزمة الثقة»، الذي اعترف فيه بحالة توعك أميركي جماعي، لم يزد الأمور إلا سوءاً.
وكم كانت أحداث تلك السنة حاسمة! فأعضاء الجبهة الساندينية بقيادة دانييل أورتيغا سيطروا على نيكاراجوا. الثورة الإيرانية تسببت بموجة هلع في أسواق النفط، تبعتها أزمة طاقة عالمية. المتشددون احتجزوا رهائن أميركيين في السفارة الأميركية في طهران. وبعد ذلك بنحو سبعة أسابيع، دخل الجيش الأحمر أفغانتسان. وكانت الصين قد غزت فيتنام في وقت سابق من السنة نفسها.
وبطريقة مشابهة، ربما تكون 2010 سنة مصيرية. ففي 2009، أعطت الولايات المتحدة إيران ما لا يقل عن أربع مهل أخيرة لإيقاف برنامجها النووي، قوبلت كلها بالتجاهل من الجانب الإيراني. هل يعتقد إذن النظام الثيوقراطي المتجاسر في إيران، أن سنتنا هذه هي السنة المناسبة ليمتلك قوة نووية ويغير شكل الخارطة الاستراتيجية في الشرق الأوسط؟
لقد تنازلنا عن مفاهيمنا السابقة ل«الحرب على الإرهاب»، وأعدنا على مسامع العالم مراراً وتكراراً أن حرب العراق كانت خطأ، واعتذرنا للعالم الإسلامي للخطايا الأميركية المقترفة في حقهم، بينما قمنا بتضخيم إنجازات المسلمين.
وبعد أشهر طويلة من التردد، أعلنّا عن إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان، ووعدنا في الوقت نفسه بالبدء قريباً بسحبهم إلى أرض الوطن، ومددنا أيدينا للتواصل مع روسيا البوتينية، على حساب حلفائنا الديمقراطيين في أوروبا الشرقية.
ولم يغب مغزى هذا كله عن الإسلاميين. فالقاعدة، عموماً، تفسر مساعينا الحميدة تلك على أنها إشارة على ضعف معنوي. والدليل أن ثلث الحوادث المتصلة بالإرهاب التي وقعت على الأراضي الأميركية منذ 11 سبتمبر إلى الآن، حدثت في سنة 2009 وحدها.
في هذه الأثناء لم يقف الصينيون المتخمون بالسيولة مكتوفي الأيدي. وهم سيواصلون هذه السنة استخدام فوائضهم الهائلة في الميزانية لزيادة حجم قواتهم المسلحة، بينما تجبرنا ديوننا الفلكية المتوقعة في السنوات المقبلة على تقليص الإنفاق على قواتنا المسلحة.
وفي ظل الوضع الراهن حيث تنغمس أميركا في حربين وتغرق في ديون بقيمة ترليونات الدولارات، بدأ حلفاؤنا الآسيويون بإعادة حساب مواقفهم تجاه كل من الرئيس أوباما والكادر الشيوعي في بكين.
وعلينا أن نتوقع من حلفائنا التقليديين، مثل اليابان، الفلبين، كوريا الجنوبية وتايوان، أن يبدأوا بإعادة ضبط علاقاتهم الإقليمية باتجاه مزيد من التقارب مع الصين، نائين بأنفسهم بعيدا عن الولايات المتحدة المتعثرة المرتبكة. في 2010، سنة القرارات الحاسمة بالنسبة لنا، قد تتصاعد الأحداث إلى ذروة حاسمة تنسف النظام العالمي الحالي الذي تقوده أميركا، ما لم تتمكن إدارة أوباما من استثارة الحلفاء الغربيين، للنهوض في وجه هذا الخطر المتعاظم.
أستاذ الدراسات الكلاسيكية والتاريخية في جامعة ستانفورد
"البيان"