وكان الشعب السوري على موعد كل عام مع أسلوب جديد من البهدلة والذل تتفنن الحكومة العتيدة في تنفيذه .
وقد يكون ما كتب حول هذا الموضوع ما يملأ أكثر من برميل مازوت من الحبر , والسلطة التنفيذية للأسف تبين إن لها أذن من طين وأخرى من عجين , وكأنها اعتادت على التطنيش واللامبالاة في أكثر من مسألة مصيرية تمس حياة الناس المعاشية ويشاطرها بذلك أعضاء مجلس الشعب الاكارم الذين ينعمون بدفء الجانب من جلسات المجلس الطويلة والتي تسخن مقاعدهم طوال الأسبوع . حيث تفتق ذهن الجميع على اجتراح الحل الأخير المبدع والذي كان مثالا صارخا ( للتسول ) الجماعي سيعيشه الشعب في سوريا, وتشهده بإجماع مثل المسيرات السابقة كل المدن السورية ودوائرها في كل المحافظات .
كما يبدو ظاهريا إن عمل السلطة التنفيذية على مدار العام كان منهكا جداً وخاصة في تطبيق ما تبقى من الخطة الخمسية الرائعة والتي نتفيأ في ظلها العظيم خيرا وفيرا نشهده على الدوام , وأمام زحمة القرارات والقوانين الاستثنائية نسيت الحكومة إن هناك في منطقتنا فصول فيها شهور يتفاوت فيها البرد والحر كوننا في منطقة الشرق الأوسط ولسنا من دول خط الاستواء حيث للشتاء والبرد مواعيد ثابتة اعتدنا عليها منذ ألاف السنين , والذي تبين إن الحكومة لم تنتبه للأمر إلا عندما بدأنا نقترب من أربعينية الشتاء , ورغم الطقوس الكثيرة , والتي عمدت إليها جموع شعبنا من اجل تأخير البرد والشتاء , والتي عكست كرنفالات صلوات الاستسقاء السابقة , حيث لم يشفع لهم ذلك أمام سنة ماطرة من أولها, استبشر بها كل الفلاحين في اغلب المناطق ، وعمدوا من الفرح, إلى الاستدفاء بالحطب المجموع من السنة الماضية , وروث حيواناتهم, واسطوانات الغاز, والكهرباء إن وجدت, وبلا انتظار منح المازوت الموعودة .
فأمام الطوابير الطويلة وتنقل أماكنها طرحت المفارقات التالية :
– تمثلت قضية البدل النقدي ( المشكلة ) بانقسام المجتمع السوري إلى قسمين واضحي المعالم .
الأول : مستفيد من عطاءات ونعم الحكومة . وبنفس الوقت حالته تحت خط الفقر ويعاني الأمرين ومعه عشرين ورقة فقر حال ولا يملك حسب الإثباتات التي يملكها غير ثيابه الشخصية , ومتهم قبل استلام مبلغ المازوت حتى تثبت براءته بأنه معدم بكل المقاييس . فقد نص التعهد الذي سيوقع عليه على عبارة ( أتعهد بصحة البيانات الواردة أدناه وأتحمل كامل المسؤولية عنها ) . إن لهجة التهديد الواردة في أخر الورقة تعطينا إحساسا عميقا بأن مؤسسات الرقابية البيانية في سوريا متقدمة جدًا وكأنه يوجد في كل دوائرنا ( غير الأمنية طبعاً ) قاعدة بيانات طويلة عريضة وبكبسة زر ترى معلومات كل فرد من العشرين مليون سوري أمامها بلحظة؟ ( كوننا دولة الكترونية، وعندنا انترنيت سريع ورائع ، ونسير بثقة في ركب التطوير والتحديث ). وبسذاجة طفولية نطرح السؤال التالي : كيف ستكتشف الحكومة التزوير في حال تقدم احدهم ببيانات مزورة ، كون التزوير كان على قدم وساق في أسلوب البطاقات العام السابق ، وماذا فعلت مع المزورين ؟؟ هل سردت المبالغ التي سرقوها ؟ أو كيف ستنفذ الملاحظة التي وردت في نهاية التعهد وهي ( في حال إعطاء بيانات غير صحيحة يسترد مبلغ الدعم من المخالف ويغرم المخالف بضعفي المبلغ الذي قبضه ) . لاشك إن من السهل محاسبة من زوّر البيانات إذا كان من العاملين في الدولة.. ولكن كيف ستسترد الحكومة المبلغ مع الغرامة من مواطنين غير عاملين في الدولة أو عاطلين عن العمل ؟ أن الكشف عن المتهمين بالتزوير يحتاج إلى جيش من الموظفين للتدقيق في البيانات ! عسى أن يفتح ذلك الأبواب أمام فرص جديدة للتوضيف .
والثاني : مواطنين تبدو ملامحهم بأنهم أولاد نعمة , ومتخمين حسب تصنيف الحكومة ولا ينقصهم غير رضاه ورحمته ، دخلهم السنوي يقارب النصف مليون ليرة سورية ، ولديهم سجلات من كل الأنواع تجارية وصناعية وزراعية . ورغم ذلك يحسدون الفريق الأخر لأنه استفاد من منح الدولة ثمن برميل مازوت معجل وأخر بعد شهرين مؤجل !.
– في كل الأزمات التي مرت بها البلد في الماضي , دائماً كان الحل على حساب المواطن . فمشكلة التهريب والتي تذرعت بها الحكومة سابقاً من اجل تبرير رفع أسعار المحروقات حوالي 300 % . كان الشعب السوري جاهزاً لدفع ثمن ذلك السبب رغم انخفاض أسعار النفط عالميا إلى الأسعار التي كانت عليه قبل الأزمة . حتى أصبحت أسعار المازوت في الدول المجاورة ارخص من سوريا , ولم يتغير في الأمر شيئا . غير انخفاض بلغ فقط /5 / ليرات كمسكن الآم .. وكأنها الحكومة ما صدقت إنها رفعت الأسعار … لترجع وتخفضها . هذه صعبة في سوريا ؟؟.
– الغش والتزوير وألف قصة وقصة رافقت بطاقات 1000 ليتر في السنة الماضية . استدعت الحكومة إلى إبداع الأسلوب الحضاري الجديد الذي يستحق براءة اختراع أو جائزة نوبل حتى , بل ومن المفروض أن يسجل في كتاب غينيس للأرقام القياسية لحساب حكومتنا ، كونه الأسلوب الأول على مستوى العالم لدولة تعد من الدول المصدرة للنفط أو ( شبه نفطية ) .
– رغم كل ما حصل لا نستطيع أن نغير في الأمر شيئاً . كون كل السلطات في سوريا استمرأت إذلال المواطن بدءاً من السلطة التشريعية التي ليس لها يد في أي أمر يذكر سوى رفع اليد وهزت الرأس على كل القرارات التي تطرحها الحكومة .
ولا يهم الحكومة حالياً التدفئة بالحطب المجاني من الطبيعة إلى انحسار الغابات وانقراضها من الوجود تدريجيا لأنها بالأساس غير مهتمة بالإنسان في هذا البلد !! فكيف تهتم بالغابات أو بالزراعة ؟ فجل اهتمامها هو المستثمرين وكبار رجال الأعمال وأموالهم والبحث عن أي زاوية فيها استثمار جديد.. أو ……. سرقة جديدة !!! .
شهبا – السويداء
"النداء"