ماذا يريد ديميتري ميدفيديف بالضبط؟ بعد ستة أشهر من تسلمه منصبه في الكرملين، الإشارات التي يرسلها الرئيس الروسي مشوشة جدا إلى درجة أنه يثير حيرة صانعي السياسات والدبلوماسيين الغربيين. في خطاب تلو الآخر، أمام جماهير في الداخل والخارج، تحدث بحزم عن وضع حد لثقافة الفساد في روسيا» وتنويع الاقتصاد الروسي خارج إطار صناعة النفط والغاز» ودمج روسيا في الاقتصاد العالمي» وإرساء سيادة القانون» وضمان حرية التعبير. وقال إنه يجب أن يُسمَح للناس العاديين في روسيا بأن يؤدوا "دورا أكثر فعالية في الحياة السياسية للبلاد". لكن في الوقت نفسه، انتقــد واشنطن بشدة لزعزعــتها الأوضــاع المالية في العالم» وحمــّل الولايات المتحدة
مسؤولية التسبب بحرب أغسطس مع جورجيا» وزعم أن لدى روسيا "مصالح ذات امتيازات" في دول الجوار» واقترح تحولا كبيرا في "الهندسة" العالمية من شأنه أن يمنح روسيا رأيا أشد وقعا في الشؤون العالمية. وفي وقت سابق هذا الشهر، أعرب في أول خطاب له عن حالة الأمة عن التزام بالقيم الليبرالية أقوى من كل ما سبق أن عبر عنه سلفه فلاديمير بوتين. وقد وصف مستشار بوتين، سرغي كاراغانوف، الكلمة التي ألقاها ميدفيديف بأنها "الخطاب الرئاسي الأكثر ليبرالية في تاريخ روسيا". لكنه ظهر أيضا أكثر صقورية من بوتين نفسه عبر توجيه تهديدات مباشرة إلى الغرب بنشر الصواريخ. والنتيجة هي أنه في الأشهر الماضية، وضع ميدفيديف أجندة جذرية خاصة به: ليبرالية بطريقة مفاجئة في الداخل، وصقورية أكثر فأكثر في الخارج.
عقيدة ميدفيديف هي بمنزلة خطة طموحة لإصلاح المجتمع الروسي المحطم في الداخل واستعادة مكانة روسيا في العالم. وهي من منظار أوسع خطة لإعادة رسم البنى التحتية الأمنية والمالية في العالم، بحسب الشروط الروسية. ويعتبر ميدفيديف أن إحدى الطرق للقيام بذلك هي أن يجري على الأقل استبدال بعض من التأثير الأمريكي في أوروبا بتأثير روسي من خلال مزيج من التهديدات العسكرية واستعمال احتياطي الغاز الضخم الذي تملكه روسيا لممارسة ضغوط. وقبل كل شيء، يريد أن يمنع أمريكا وأوروبا من التدخل في الخارج القريب لروسيا، ويسعى إلى إعادة إرساء توازن في الدبلوماسية العالمية من خلال تعزيز منظمة شنغهاي للتعاون، وهي هيئة غير محكمة التنظيم مؤلفة من دول آسيوية بينها روسيا والصين، وتحويلها كتلة شبيهة بحلف شمال الأطلسي (الناتو). وتشمل الأهداف الأخرى تحويل موسكو مركزا ماليا عالميا وإنشاء كارتل جديد لمنتجي الغاز على طريقة منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، على أن تكون روسيا، المنتجة الأكبر للغاز في العالم، عضوا قياديا فيه. يقول ميخائيل مارغيلوف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الأعلى في البرلمان الروسي المعروف بمجلس الاتحاد: "العالم الأحادي القطب يحتضر. تظهر تشكيلات نفوذ جديدة» فإلى جانب الولايات المتحدة نرى القوة الصاعدة للبرازيل والصين والهند والاتحاد الأوروبي، وبالتأكيد روسيا".
من الواضح أن أهداف ميدفيديف الطموحة إلى حد كبير تطورت انطلاقا من الخطة التي وضعها بوتين منذ وقت طويل وتهدف إلى استعادة عظمة روسيا، في الداخل والخارج. وهذا ليس مفاجئا بما أن بوتين لا يزال يقود روسيا من المقعد الخلفي انطلاقا من منصبه كرئيس للوزراء، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يعود إلى الرئاسة بعد انقضاء فترة مقبولة. لكن هناك اختلافات واضحة بين الرجلين. فقد كان بوتين يستعمل لغة الديموقراطية والليبرالية عندما تناسبه، كي يساوي أخلاقيا، على سبيل المثال، بين التصرفات الأمريكية في كوسوفا والعراق والسياسة الروسية في جورجيا. أما ميدفيديف، وهو محام ترعرع في ساينت بيترسبرغ الليبرالية في حقبة الغلاسنوست أي سياسة الانفتاح والشفافية، فقد تبنى أسلوبا أكثر انفتاحا وعصرية. يتصفح "لايف جورنال"، أكبر الشبكات الاجتماعية الإلكترونية في روسيا، وصرح الأسبوع الماضي أنه يطلع يوميا على مواقع المعارضة على الإنترنت، وأنها تجعله "يرغب في النهوض والشروع في العمل بلا توقف". ويعرج "بطريقة عفوية" على المقاهي والمطاعم للتحدث مع الزبائن حول أمور مثل ارتفاع الأسعار وفساد صغار الموظفين. والأهم من ذلك، يوجه ميدفيديف أيضا رسالة ليبرالية مدوية حول الاقتصاد والديموقراطية المحلية وحرية التعبير، ليس لأنها شعبية، بل لأنه يعتبر أنه في سبيل أن تستمر العجلة الروسية في الدوران، فهي بحاجة إلى سيطرة سياسية حازمة في أعلى الهرمية وشيء قريب من المجتمع المنفتح على مستوى أدنى، مع مساءلة البيروقراطيين ومنح حرية أكبر للأعمال. وهكذا حتى بينما كان يعمل من أجل إقرار مشروع قانون في مجلس النواب يزيد مدة الولاية الرئاسية من أربع إلى ست سنوات ـــ الأمر الذي من شأنه أن يسمح لبوتين بأن يعود رئيسا لاثني عشر عاما إضافيا ـــ وعد أيضا بأن يحيي من جديد الديموقراطية البرلمانية المحتضرة في روسيا من خلال فرض تناوب منتظم على قيادة الأحزاب عن طريق الانتخابات. فضلا عن ذلك، عمد إلى ترقية ليبراليين اقتصاديين والدفاع عنهم مثل النائب الأول لرئيس الوزراء إيغور شوفالوف المدافع عن حقوق حاملي الأسهم، والمستشار في الشؤون الاقتصادية أركادي دفوركوفيتش، المعارض الشديد للتأميم، ووزير المال ألكسي كودرين الذي أنشأ صندوق الاستقرار الروسي الذي يصل حجمه إلى 150 مليار دولار ودافع عنه ضد محاولات السيطرة عليه لتنفيذ مشاريع إنفاق شعبوية.
ولعل الأهم على الإطلاق هو أن ميدفيديف يعي تماما المشاكل التي تواجهها روسيا، ولا يخشى التحدث عنها. في عهد بوتين، ظل النمو الاقتصادي السنوي ثابتا عند حدود 7 بالمائة، بفضل ارتفاع أسعار النفط التي تضخ الدم في عروق الاقتصاد الروسي. لكن بدا أن بوتين لا يهتم كثيرا بتنويع الاقتصاد أو كبح الفساد الذي يجعل ريادة الأعمال مستحيلة وحتى محفوفة بالمخاطر. في المقابل، كانت إحدى أبرز الخصائص في خطب ميدفيديف انتقاداته الجريئة للقضاء والبيروقراطية الفاسدَين في روسيا، مع العلم بأنه يتوخى دائما الحذر الشديد كي لا يوحي أبدا بأن بوتين أخطأ عندما لم يعالج هذه المشاكل في وقت سابق. وقد ألقى ميدفيديف في خطبه اللوم على البيروقراطيين لأنهم "يشككون في المبادرة الحرة تماما كما كانوا يفعلون في ظل النظام السوفييتي"، ولأنهم يتحكمون بوسائل الإعلام ويتدخلون في الانتخابات، وقد يبدو غريبا أن يصدر مثل هذا الكلام عن شخص أفاد كثيرا من سيطرة الدولة على الصحافة وصناديق الاقتراع على السواء، لكنه انتقاد حاد لمكامن الخلل في روسيا. وشدد في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي أمام وزراء كبار في الحكومة على أن تشجيع الابتكار والحد من العوائق الإدارية وغيرها من العقبات التي تعترض إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة الحجم وتطويرها، هما "أولوية وطنية".
وفي العلاقات الخارجية، حرص ميدفيديف على تفادي الظهور بأنه أضعف من بوتين. تحدث بوتين عن "عالم متعدد الأقطاب"، لكن في عهد ميدفيديف، وضعت روسيا يدها على القانون الدولي وتقدمت الدبابات الروسية نحو أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. وبذلك أعاد الكرملين ضمنا تأكيد حق روسيا الإمبريالي بأن تصنع ــ وتبتلع ــ دولا من خلال الاعتراف بالجمهوريات الجورجية المنفصلة. في أعقاب الحرب، قطع ميدفيديف خطوة إضافية نحو الأمام مقترحا تعديل القواعد الأساسية للدبلوماسية الدولية من أجل الاعتراف بـ"المصالح ذات الامتيازات" التي تتمتع بها روسيا في بلدان حيث لا يُرحَّب أبدا بتدخل الناتو. قال إنه يجب الاعتراف بـ"الروابط التاريخية والثقافية" بين روسيا والبلدان الكثيرة الواقعة على حدودها "وأبعد منها"، وهذا تأكيد واضح للمبدأ السوفييتي القديم عن دائرة نفوذ موسكو. يشرح النائب في الدوما الموالي للكرملين سرغي ماركوف: "لا نحاول إعادة بناء الاتحاد السوفييتي، لكن يجب أن تحاط روسيا، كإمبراطورية عظمى، بالأصدقاء".
لكن على الرغم من الكلام الكبير، ليس واضحا على الإطلاق إذا كان بالإمكان تحقيق أي من الأهداف الاستراتيجية الكبرى لميدفيديف. فنظرا إلى الاستياء الشديد من الغرب وعدم الثقة به، ليست لدى ميدفيديف نماذج كثيرة يستطيع أن يقتدي بها في سعيه إلى تحقيق أهدافه الاقتصادية. ولذلك تحول نحو استراتيجيا لصنع السياسات على الطريقة السوفييتية تقريبا، أي الإعلان عن خطط طموحة للإصلاح ومن ثم توليد انطباع بأنه يظن أن بالإمكان إنجازها من خلال إصدار الأوامر بدلا من المهمة الصعبة والمرهقة في معظم الأحيان المتمثلة ببناء ائتلافات والتفاوض وإيجاد سبيل للتعامل مع المصالح المتجذرة التي تسعى إلى إحباط الإصلاح. باختصار، لقد قال ميدفيديف كلاما جيدا، لكن لم تكن هناك متابعة ملموسة.
في السياسة الخارجية، ومع تراجع أسعار النفط بمعدل الثلثين مقارنة بأعلى سعر وصلت إليه، ميدفيديف هو في وضع محرج الآن: فالطموحات التي بدأ بها رئاسته لم تعد تتناسب مع واقع الوضع الروسي الذي يزداد هشاشة. في الأشهر الستة الأخيرة، تراجعت بورصة موسكو أكثر من 65 بالمائة، وانخفضت قيمة الروبل بنسبة 25 بالمائة في شهرين. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أنه سوف يسجل تراجعا إضافيا بنسبة 15 بالمائة سنة 2009. لكن في أكتوبر الماضي، تحدث ميدفيديف في مؤتمر مالي نظمه الاتحاد الأوروبي في إفيان عن "تحويل موسكو إلى مركز مالي قوي، والروبل واحدة من عملات الاحتياطي الإقليمية الرائدة في العالم"، ربما كانت هذه الأفكار منطقية عندما كان سعر برميل النفط 150 دولارا، لكنها تكاد تبدو مضحكة الآن. يحتاج عدد قليل من الأجانب إلى الروبل لأن العملة المتداولة في تجارة الصادرات الروسية الأساسية ــ النفط والغاز والأسلحة ــ هي الدولار. وحتى بلاروسيا التي تضم 10 مليون نسمة والمعزولة سياسيا عن أوروبا، لا تريد اعتماد الروبل الروسي عملة لها. أما في ما يتعلق بتحويل روسيا إلى مركز مالي، فأفضل ما يستطيع ميدفيديف أن يطمح إليه واقعيا هو زيادة عدد الأسهم الروسية التي يجري تداولها في موسكو بدلا من لندن ونيويورك، وعودة الرساميل الروسية إلى البنوك الروسية بدلا من هروبها إلى الخارج كما يحصل بوتيرة مقلقة مع خروج ثلاثة إلى سبعة مليارات دولار من البلاد أسبوعيا منذ سبتمبر الماضي. لكن حتى هذه الطموحات بعيدة المنال. فعادة الإغلاق التي تنتهجها بورصة موسكو عندما تبدأ المؤشرات بالانهيار، لا تطمئن المستثمرين لاسيما أن هذا الإغلاق يستمر أحيانا أياما عدة.
أعرب ميدفيديف عن نيته العمل على تطبيق الفكرة التي أطلقها بوتين لإنشاء "منظمة أوبك للغاز" بالتعاون مع إيران وقطر من أجل تثبيت الأسعار وتنسيق العرض، الأمر الذي من شأنه أن يجهز نظريا على المحاولات الأوروبية للتخلص من الاعتماد على الغاز الروسي من خلال تنويع مصادر التموين. لكن هذا أيضا يبدو الآن بعيد المنال أكثر فأكثر. فحتى منظمة أوبك نفسها لم تستطع الحؤول دون انهيار أسعار النفط، كما أن طبيعة عقود الغاز التي غالبا ما يتم توقيعها لعشرات السنين نحو الأمام، تجعل من الأصعب بكثير التلاعب بالأسعار. علاوة على ذلك، الغرب أقل اعتمادا على النفط الروسي من أي وقت آخر. فبحسب تحليل أجراه بيار نويل من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، انخفضت الحصة الروسية في واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز بمعدل النصف تقريبا منذ عام 1980، لتصل إلى 40 بالمائة، إذ تعمد أوروبا إلى تنويع إمداداتها من الغاز وتستورد الغاز الطبيعي المسيَّل من الجزائر ونيجيريا. ولا يشكل الغاز الروسي حاليا سوى 6.5 بالمائة من إمدادات الطاقة الأساسية في الاتحاد الأوروبي، وهذه الحصة تنخفض أيضا.
هناك ما يشير إلى أن الغرب بدأ يدرك أن بعض الوعيد المتبجح الذي يصدر عن ميدفيديف فارغ ليس إلا. فمنظمة شنغهاي للتعاون التي رعاها بوتين بكل عطف لتكون بمنزلة كتلة نفوذ آسيوية محتملة تنافس الناتو، رفضت في نهاية المطاف دعم اعتراف موسكو بأوسيتيا وأبخازيا في سبتمبر (مما أثار حرج موسكو الشديد، فوحدهما حركة حماس ونيكاراغوا دعمتا هذا الاعتراف). كما دعا أمين عام الناتو، جاب دو هوب شيفر، أوروبا إلى الوقوف إلى جانب "حق كل بلد في اختيار اصطفافاته الأمنية بحرية" وعدم الإذعان للضغوط الروسية، بينما كانت أوكرانيا تضغط للحصول على خطة عمل للعضوية من أجل تسريع انضمامها إلى الحلف. أما في ما يتعلق بتهديدات ميدفيديف المفعمة بالتحدي حول نشر الصواريخ، فقد بدا الأوروبيون مشوشين أكثر منه خائفين. فقد قال ميدفيديف في خطابه عن حالة الأمة إنه سوف ينشر صواريخ إسكندر في جيب كالينينغراد الروسي في البلطيق للتصدي للدروع الصاروخية وقواعد الرادارات التي تقترح الولايات المتحدة وضعها في بولندا والجمهورية التشيكية. يمكن لهذه الصواريخ أن تطلق نظريا رؤوسا حربية زنتها 450 كيلوغراما تصل إلى عمق أوروبا الوسطى. لكن صاروخ إسكندر استخدم في الحرب الجورجية وتبين أنه غير دقيق، كما يقول المحلل العسكري المستقل بايفل فلغنهاور، ولن يكون على الإطلاق فعالا ضد الصواريخ التي سوف تُستعمَل في نظام الدفاع الصاروخي الذي تقترحه إدارة بوش (ويهدف في ذاته إلى الحماية من إيران وليس روسيا). يقول المحلل المطلع على شؤون الكرملين ستانيسلاف بلكوفسكي إنه لا علاقة لهذه التفاصيل بكنه الموضوع، فخطة ميدفيديف هدفت إلى "دق إسفين بين الأوروبيين والأمريكيين" عبر استغلال المخاوف الأوروبية من أن جل ما سيفعله الدفاع الصاروخي هو استفزاز روسيا. ويقول إنه بهذا المعنى، كان التهديد خدعة تفاوضية سوفييتية تقليدية: "تتسبب بمشكلة ثم تعرض التخلص منها مقابل شيء تحتاج إليه".
غير أن ميدفيديف أخطأ بالتهديد باستخدام الصواريخ بعد ساعات فقط من فوز أوباما في الانتخابات الأمريكية، مما جعل التهديد يبدو عدوانيا بطريقة غريبة ومتنافرا مع المناسبة، لاسيما أن آراء أوباما حول درع الدفاع الصاروخي ليست واضحة. لا بل من شأن خطاب ميدفيديف الصارم أن يمنح أوباما فرصة مفيدة ليظهر حزما بنفسه، ويثبت لأمثال إيران وكوريا الشمالية أنه يجب عدم الاستخفاف بديموقراطي عذب الكلام. لقد قلل بعض السياسيين بكل بساطة من شأن اللغة الصقورية. فقد خلص رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك إلى القول: "اعتدنا الهدير الروسي من حين لآخر. ينبغي على [أوروبا] ألا تعير اهتماما كبيرا لهذا الكلام".
بالتأكيد ليست هناك أي ناحية إيجابية في نبذ روسيا جملة وتفصيلا، وإذلالها ومعاملتها وكأنها دب من ورق. ففي حقبة تشهد تراجعا في أسعار النفط ومحنة اقتصادية، تجد روسيا نفسها في مأزق فجأة، وسوف يواجه ميدفيديف قريبا إغراء السيطرة على الاقتصاد الروسي وقمعه، تثبيت الأسعار، وتهديد رجال الأعمال، وتوجيه تدفق الرساميل. وقد تراوده نفسه أيضا بأن يكرر مغامرته العسكرية في جورجيا لإلهاء الرأي العام عن الوضع الداخلي الذي يزداد سوءا، وربما يقع شجار مع أوكرانيا حول كريميا. ومن شأن الأمرين أن يكونا كارثيين.
لا يستطيع ميدفيديف أن يصلح العالم على صورة الكرملين، وعلى الأرجح أنه لن تصمد سوى أجزاء قليلة جدا من عقيدته في وجه الانكماش الاقتصادي الروسي. لكن يبدو على الأقل أنه يؤمن فعلا بأن "الحرية أفضل من اللاحرية"، وربما يبذل مجهودا أكبر من أي قائد روسي سابق لدمج البلاد في الاقتصاد العالمي ووضع حد لما أسماه "العدمية القانونية" التي تتفشى في بلاده. إذا نجح في هذه الإصلاحات العملية مثل كبح البيروقراطية النهمة والفاسدة في روسيا وتطبيق سيادة القانون، فقد يجعل بلاده أكثر ثراء ويسمح لها بأن تعمل بفعالية أكبر. من شأن اقتصاد حقيقي مزدهر وعلاقة جديدة وبناءة مع الغرب أن يجعلا روسيا تتمتع بنفوذ حقيقي أكبر مما توفره لها كل التهديدات الاستقوائية باستعمال الصواريخ.
تاريخ النشر: الثلاثاء 2/12/2008
"نيوزويك"