احتجت الهند رسمياً أمس لدى باكستان على الهجمات الدموية في مومباي الاسبوع الماضي، مطالبة اسلام اباد بتحرك قوي ضد العناصر الاسلامية المتشددة المسؤولة عن هذه الهجمات التي لا تزال الساحة الهندية الداخلية تعاني مضاعفاتها، اذ عرض رئيس وزراء ولاية مهاراشترا وعاصمتها مومباي فيلاساراو ديشموخ العضو في حزب المؤتمر الحاكم تقديم استقالته. أما في باكستان، فقد اجتمع القادة السياسيون لوضع سياسة موحدة حيال الهند، مكررين في الوقت عينه ان لا علاقة للمتشددين الذين نفذوا الهجمات بالدولة الباكستانية. وواصلت واشنطن اظهار الاهتمام بمضاعفات الهجمات، فاعربت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس التي ستتوجه غداً الى نيودلهي عن اعتقادها انه لن تنشب حرب بين الهند وباكستان، فيما عقد الرئيس جورج بوش اجتماع ازمة في البيت الأبيض.
ومع نقل الجنود الهنود آخر جثث الضحايا من فندق "تاج محل" الفاخر في مومباي الذي كان احد الاماكن العشرة التي استهدفها الاسلاميون، جاء في بيان لوزارة الخارجية الهندية ان "السفير الباكستاني استدعي الى وزارة الخارجية مساء اليوم (أمس)، وأبلغ اليه ان الهجوم الارهابي الاخير على مومباي نفذته عناصر من باكستان… ان الحكومة الهندية تتوقع اعتماد تحرك قوي ضد هذه العناصر المسؤولة عن هذا العمل أياً تكن".
بيد ان مسؤولاً في السفارة الباكستانية في نيودلهي نفى ان يكون استدعاء السفير سببه هجمات مومباي، وقال إن الاجتماع مع السلطات الهندية كان اجتماعاً دورياً مخططاً له سابقاً.
وقال محققان هنديان بارزان، إن أدلة من استجواب أجمل أمير كمال (21 سنة) المسلح الوحيد الذي قبض عليه حياً من المهاجمين العشرة، اظهرت بوضوح ان متشددين باكستانيين لهم يد في الهجوم.
وصوّر المهاجم الذي قالت مصادر اخرى ان اسمه اجمل قصاب او عزام عامر ويتحدث الانكليزية بطلاقة، خلال الهجوم وهو يرتدي قميصاً اسود يحمل علامة دار الازياء "فرساتشي".
ونقل عنه مسؤولون من الشرطة ان فريقه تلقى اوامر من "قيادته في باكستان".
وافاد ضابط شرطة على صلة بالتحقيق طلب عدم ذكر اسمه ان التدريب نظمته جماعة "عسكر طيبة" وقاده عضو سابق في الجيش الباكستاني.
وقال ضابط بارز آخر: "تلقوا تدريبات على مراحل عدة شملت التدريب على استخدام السلاح وصنع القنابل واستراتيجيات النجاة والنجاة في البحر وحتى العادات الغذائية".
عرض استقالة
وغداة استقالة وزير الداخلية الهندي شيفراج باتيل، عرض رئيس وزراء مهاراشترا تقديم استقالته على غرار ما فعل نائبه آر. آر. باتيل الذي اغضب الكثيرين لدى وصفه الهجمات بأنها "حوادث صغيرة".
عودة الحياة الطبيعية
وامس، عاد سكان مومباي الى المدارس والاعمال للمرة الاولى منذ الهجمات.
وارتفع المؤشر الرئيسي للبورصة الهندية بنسبة 2,6 في المئة مدفوعاً بتغيير الحقائب الرئيسية في الحكومة، قبل ان يقفل منخفضاً بنسبة 2,78 في المئة مع بيع صناديق اجنبية الاسهم لتغطية مراكزها مع هبوط الاسواق الاوروبية.
وصرّح وزير الداخلية الجديد بالانيابان تشيدامبارام بأن نيودلهي سترد "بتصميم وعزم" على التهديدات التي تواجه الامة. وقال: "اعترف بأن هناك احساساً بالكرب والصدمة العميقة بين شعب الهند. هذا تهديد لصورة الهند نفسها وجوهر الهند نفسه".
واعلنت قوى الامن الهندية ان فندق "تاج محل" بات خالياً من المتفجرات والجثث. وقال الناطق باسم ولاية مهاراشترا بوشان غاغراني: "توقعنا العثور على مزيد من الجثث، لكن ذلك لم يعد احتمالاً. كل الغرف في تاج محل فتحت واجري كشف عليها".
وكان الجيش قد ازال آثار الهجمات من اماكن اخرى مستهدفة مثل فندق "او بيروي ترايدنت" والمركز اليهودي. وقد جالت فرق طوارئ اسرائيلية بين انقاض الاثاث والزجاج في المركز بحثا عن بقايا من جثث الاسرائيليين الذين قتلوا في المركز. وفي احدى الزوايا وقف رجل فاتحا كتاب صلاة.
وفي محاولة على ما يبدو لابعاد اللوم، قالت اجهزة استخبارات هندية لقنوات تلفزيونية انها حذرت مرارا من هجوم وشيك على مومباي من البحر. لكن مسؤولي الشرطة وخفر السواحل نفوا تلقيهم اي معلومات كهذه.
باكستان
• في اسلام اباد، ناشد الرئيس الباكستاني علي زرداري الهند عدم معاقبة بلاده بسبب الهجمات، لافتا الى ان استفزاز "فاعلين غير رسميين" مارقين، يمثل خطر العودة الى حرب بين الجارتين النوويتين. وقال لصحيفة "الفايننشال تايمس" البريطانية: "حتى اذا كان للمتشددين صلة بعسكر طيبة، فمن تعتقدون اننا نحارب؟".
وصرح زاهد بشير الناطق باسم رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني بان الاخير استدعى زعماء سياسيين الى اجتماع من اجل وضع "سياسة توافقية وطنية" حيال الهند في ظل تصاعد التوتر مع نيودلهي.
واشنطن
وفي الجانب الاميركي، قالت رايس لصحافيين رافقوها في زيارتها للندن: "لا أريد القفز الى أي نتائج، لكنني اعتقد ان هذا وقت الشفافية والتعاون الكاملين. وهذا ما نتوقعه (من باكستان)".
وقللت شأن مخاطر نشوب صراع بين الدولتين اللتين كانتا على شفا حرب في 2002 بعد هجوم على مبنى البرلمان الهندي القيت تبعته على متشددين باكستانيين أيضاً. وأضافت: "هذه علاقة مختلفة عما كانت قبل سنوات عدة. من الواضح ان لهما عدواً مشتركاً، لأن المتطرفين في أي صبغة يمثلون تهديداً للباكستانيين والهنود على حد سواء". وصرح ناطق باسم السفارة الاميركية في باكستان بان فريقاً من مكتب التحقيقات الفيديرالي "أف بي آي" وصل الى مومباي أمس للمساعدة في التحقيق في الهجمات التي قتل فيها ستة أميركيين.
وأكد البيت الأبيض ان رايس ستزور الهند الاربعاء.
وصرحت الناطقة باسم الرئاسة الاميركية دانا بيرينو ان بوش عقد صباح امس اجتماعاً في قاعة الازمات بالبيت الابيض لمناقشة هجمات مومباي، بينما تواصل الاستخبارات الاميركية التحقيق في ابعاد هذه الاعتداءات. وقالت: "لم أسمع شيئاً يشير الى تورط الحكومة الباكستانية". وأشارت الى ان مسؤولين باكستانيين تعهدوا العمل مع الحكومة الهندية على معرفة من وراء الهجمات. وأضافت: "تشجعنا بتصريحات من جانب الباكستانيين عن التزامهم تتبع هذا الامر الى حيث يقودهم، ولا نتوقع منهم أقل من ذلك في ما يتعلق بهذه الواقعة".
مخاوف اسرائيلية
• في تل ابيب، أبدى مسؤولون في الصناعات العسكرية والامنية الاسرائيلية تخوفهم من إلغاء الهند صفقات تجارية أمنية وعسكرية عقب انتقاد وزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك أداء القوات الهندية في مواجهة هجمات مومباي.
ونقل الموقع الالكتروني لصحيفة "معاريف" عن مسؤول رفيع في الصناعات الامنية الاسرائيلية ان "أقوال باراك مسّت بالهنود، وثمة تخوف من ان يمس ذلك بصفقات الاسلحة التي لم يتم الاتفاق عليها نهائياً".
وقال مسؤول أمني إنه "يتوقع من وزير الدفاع ان يكون رسمياً، وخصوصاً عندما يتحدث عن دولة مثل الهند التي تواجه أزمة في هذه الايام". ولاحظ ان المقارنة التي اجراها باراك بين قوات الامن الهندية والاسرائيلية وانتقاده أداء القوات الهندية مسا كثيراً بالهنود، حتى ان مسؤولين منهم عبروا عن استيائهم أمامه من تلك التصريحات.
(أ ب، رويترز، أ. ف. ب، ي ب أ)