تتوارد الأنباء تباعاً عن معركة سد تشرين، وتؤكد مصادر الجيش الوطني تارة السيطرة على السد، وتنفي ذلك معرّفات قسد تارة أخرى. مصادر تقول إن العملية العسكرية التركية قاب قوسين أو أدنى من أن تبدأ، ومصادر تؤكد تأخرها حتى ما بعد تنصيب الرئيس ترامب. الجميع يتحدث عن المفاوضات، تركيا تؤكد على ضرورة خروج كافة العناصر الإرهابية من مناطق قسد، وهو شرط لازم للتفاوض مع الإدارة السورية الجديدة. وقسد ترغب بوضع خطة طريق واضحة تضمن لها السيطرة جزئياً على محافظات دير الزور، والرقة والحسكة، وأنها ترغب بتقاسم السيطرة العسكرية على هذه المحافظات مع الإدارة الجديدة من خلال الإبقاء على قوات الشرطة الخاصة بها. بينما التصريحات الرسمية من الإدارة الجديدة تقول إنها لن تسمح ببقاء أي شبر من الأراضي السورية خارج سيطرة الدولة، ولن يكون هناك وجود لسلاح خارج سيطرة الدولة. الإدارة الجديدة تنتظر انتهاء المفاوضات التركية الأمريكية حول المنطقة الشرقية مع قسد ولا تفضّل الحلّ العسكري، وتؤكد على حقوق كاملة للمواطنين السوريين الأكراد تحت مظلة الدولة السورية.
لا حلّ سلمي يلوح في الأفق حتى الآن، مع تعنّت قوات قسد ورفضها لكل التنازلات التي قدمتها إدارة سورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، ومع استمرار المناوشات العسكرية في منطقة سد تشرين، والتي قد تتوسع بشكل كبير، مع ورود معلومات غير مؤكدة عن أن المهلة التي منحتها الإدارة الجديدة قد انتهت، والحل العسكري يبدو أكثر وضوحاً اليوم من ذي قبل، خصوصاً وأن هناك تأكيدات من مصادر في غرفة عمليات فجر الحرية التابعة للجيش الوطني على أن العملية قد تبدأ بعد يوم من تنصيب الرئيس ترامب. تؤكد مصادر مطلعة من الجانب السوري أن العملية التفاوضية السياسية المنقطة التي تتم برعاية أمريكية تركية في مناطق نفوذ قسد في سورية، تشبه مثيلتها من المفاوضات السابقة، حول حل مشكلة تهديدات جماعة قنديل للأمن القومي التركي، وهذه دائماً ما تحدث قبل الأعمال العسكرية التي تخطط لها تركيا بعناية.
نحن اليوم أمام عودة جديدة للرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، ولكنها مختلفة كثيراً عن الفترة الأولى لاعتبارات أهمها: التهديدات التي أطلقها الرئيس ترامب بعد فوزه بالانتخابات، بأنه سوف ينهي كل الحروب في الشرق الأوسط منذ اليوم الأول لتوليه المنصب، ومرة أخرى يؤكد على رغبته في خروج القوات الأمريكية من الشرق الأوسط.
العملية العسكرية التي تقودها تركيا ظاهرياً والجيش الوطني محلياً في شرق الفرات ضد قوات قسد وتحديداً في سد تشرين، بدأت واضحة المعالم تقنياً، بأنها لن تكون عملية صغيرة هذه المرة. رغم أنها تبدو حالياً قد تحولت إلى عملية تعتمد على المداهمات، والاغتيالات بالطائرات المسيرة، وعمليات خطف، واعتقالات لقادة ومقاتلين سابقين وحاليين في تنظيم «ب ك ك» الإرهابي. هذه العمليات تنتظر اتفاقاً قد يحصل في أي لحظة مع إدارة الرئيس ترامب، يؤدي إلى خروج كامل لعناصر «ب ك ك» من الأراضي السورية، وتسليم قسد مناطق سيطرتها إلى الإدارة الجديدة، والانخراط في العملية السياسية والدستورية لبناء سورية الجديدة التي يحلم بها الجميع.
قد يحدث سيناريو مشابه لما حدث في عام 2019، ولكن على ترددات مقياس أكبر مع العملية العسكرية التركية السابقة، ولكن خروج عراب الدولة الكردية بريت ماكغورك من منصبه مع انتهاء ولاية الرئيس بايدن قد يكون فأل سوء على قسد، وقد ينهي حلم الدولة الكردية. إن استطاعت تركيا التعامل بدبلوماسية حذرة مع إدارة الرئيس ترامب، في ولايته الجديدة، إذ كل شيء ممكن، وقد تحدث تغييرات سياسية هنا أو هناك. وقفزات دبلوماسية هنا وهناك، ويمكن أن نعود إلى الاتفاق الإبراهيمي من جديد. تركيا يمكن أن تبدأ عمليات عسكرية محددة وغير جذرية ضد عناصر «ب ك ك»، والإدارة الأمريكية الحالية لا تزال تقدم لقسد وعوداً كبيرة وغير مفهومة، و قسد تبني مفاوضاتها مع الإدارة السورية الجديدة على أهداف مضطربة غير معروفة المعالم، تتبدل بتبدل المزاج في واشنطن.
كل ما سبق، يضع أبناء المنطقة الشرقية من سورية في دوامة عمليات تخمين تشبه إلى حد كبير مقياس جهاز الضغط للمرضى في غرف العناية المُشددة، الذي يراقب نبضات القلب، يرتفع مع التهديدات ببدء العمل العسكري، وينخفض مع الرسائل المطمئنة بنجاح المفاوضات. خطأان لا يمكن للإدارة الجديدة أن تقع فيهما، الأول السماح لقسد بالبقاء في المناطق التي تسيطر عليها بأي شكل من الأشكال (جيش، شرطة، أسايش، إدارة ذاتية)، والثاني الاتفاق مع قسد حول صيغة إدارة مدنية جزئية (في مناطق الغالبية الكردية) دون القضاء على عناصر “ب ك ك”.
خطأان لا يمكن التسامح معهما، خصوصاً بعد التصريحات الصادرة من رأس السلطة الجديدة في سورية والوعود التي أكد فيها على وحدة كامل التراب السوري، وعدم السماح بوجود أي منطقة خارج سيطرة الدولة، ومنع وجود أي سلاح خارج سيطرة الدولة في سورية، وهذا ما يأمل به أبناء المنطقة الشرقية. بصورة عامة، تشير التصريحات إلى جدية في الطرح ومرونة مقبلة، وعلينا في الوقت ذاته أن ندعم هذا الموقف ونؤكد على رغبة جميع السوريين بحل سلمي مع مشكلة قسد، وأن لا ننجرّ إلى الحل العسكري الذي يسعى له عناصر «ب ك ك».
الخط الذي يشير إلى أن نبضات العملية السياسية في دمشق تتّجه إلى الأفضل اليوم وذلك يدعو للتفاؤل، وسيبدو أفضل عندما يتم ربطه شعبياً مع التصريحات والحراكات الصادرة عن ممثلي الحراك المدني والسياسيين في سورية، والتأكيد على عدم تجاهل أي مكوّن من التنظيمات السياسية والحزبية والحراك الثوري خلال الأربعة عشر عاماً من عمر الثورة. وما يفرح السوريين اليوم هو استمرار الاستقرار في الخط العسكري من دون تأثيرات جانبية، رغم بعض المنغصات هنا وهناك ) في بسط السيطرة على كامل الأراضي السورية.)
- كاتب سوري