واشنطن – من هشام ملحم:
في مؤتمر صحافي عقده امس في شيكاغو، قدّم الرئيس الاميركي المنتخب باراك اوباما رسميا وزراءه ومستشاريه الكبار لشؤون الامن القومي والسياسة الخارجية والقضاء ووضع على رأس هذا الفريق منافسته السابقة على منصب الرئاسة السناتور هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية. ويضم الفريق شخصيات قوية وذات خبرة سياسية وأمنية وقضائية وتنفيذية واسعة، تشاطر الرئيس المنتخب مواقفه "البراغماتية حيال استخدام القوة، ومفهومه لدور اميركا دولة قيادية في العالم"، كما قال هو خلال المؤتمر.
وتبين خلفيات اعضاء الفريق ان المقاييس التي اعتمدها اوباما لاختيارهم هي مقاييس عملية تتعلق بالخبرة المهنية والمزايا القيادية وليس بالاعتبارات الايديولوجية او السياسية الضيقة، ولذا فان ما يميز هذا الفريق هو انه متجذر في الوسط السياسي ومتحرر الى حد بعيد من الحسابات الحزبية الصرفة. ويكتسب توقيت اعلانه اهمية خاصة في ظل الهجمات الارهابية التي تعرضت لها مدينة مومباي الهندية الاسبوع الماضي، والتي ذّكرت اوباما والاميركيين والعالم بان مكافحة الارهاب ستظل تحديا جوهريا امام الرئيس المنتخب.
وكان الرئيس المنتخب قد اجتمع بفريقه الامني لمناقشة الوضع في الهند قبل المؤتمر الصحافي. وكان واضحاً ان هيلاري كلينتون هي الاولى بين متساوين، لانها كانت الاولى التي تحدثت بعد اوباما، وبعد انتهاء المؤتمر الصحافي مشى اوباما وكلينتون جنبا الى جنب وقد طوقها بذراعه.
ومما قال امام الصحافيين انه اختار فريقا قويا "لانني أؤمن كثيراً بالشخصيات القوية والاراء القوية، واعتقد ان هذا الاسلوب يؤدي الى التوصل الى افضل القرارات". واشار الى انه يتوقع مناقشات قوية بين مستشاريه داخل البيت الابيض، لكنه أكد مجدداً انه هو الذي سيرسم الخطوط العريضة للسياسة الخارجية والامنية قائلاً: "يجب ان يكون هناك ادراك انني رئيساً سأرسم السياسة، وسأكون مسؤولا عن الرؤية التي سيطبقها هذا الفريق، وانا اتوقع منهم ان يطبقوا هذه الرؤية عندما تتخذ القرارات".
كلينتون "ذكاء غير اعتيادي"
واشاد بمزايا كلينتون التي وصفها بأنها صديقة وزميلة ومصدر مشورة ومنافسة انتخابية، وهي تتمتع بذكاء غير اعتيادي وصلابة واخلاقيات عمل رائعة، وانا فخور بانها ستكون وزيرة خارجيتنا المقبلة، وهي اميركية ذات مكانة كبيرة وستحظى بثقتي الكاملة، وهي تعرف العديد من قادة العالم، وسوف تحظى بالاحترام في كل العواصم، وهي تتمتع بالقدرة على خدمة مصالحنا في انحاء العالم". وقلل اهمية وعمق الخلافات السابقة بينه وبين كلينتون والتي كانت موضع انتقادات حادة ومتبادلة بينهما خلال الحملة الانتخابية، مشيرا الى ان الخلافات تضخّم كثيراً خلال الحملات الانتخابية، مؤكدا ان كلينتون تشاطره مواقفه من ان أمن اميركا وسلامتها يقضيان "بربط القوة العسكرية بديبلوماسية منشطة، وان علينا ان نبني ونشكل تحالفات أقوى حول العالم، لئلا نتحمل وحدنا اعباء هذه التحديات".
وتفادى التطرق الى مضمون مناقشاته مع هيلاري قبل عرض منصب وزارة الخارجية عليها، وقال انه كان دوماً يفكر في التعاون معها بعد انتهاء الانتخابات الحزبية، وانه رأى بعد الانتخابات انها يمكن ان تكون وزيرة خارجية ممتازة، "وعرضت الوظيفة عليها وقبلتها". واضاف ضاحكا ان لا عناصر مثيرة اكثر من ذلك في هذا المجال.
وقالت كلينتون انها فخورة بالمشاركة في حكومة اوباما، وبعدما لفتت الى التحديات الضخمة التي تواجهها اميركا والعالم بدءا من اقتصاد مأزوم وانتهاء باخطار الارهاب، اضافت: "اميركا لا تستطيع وحدها حل هذه الازمات من دون العالم، والعالم لا يستطيع ان يحلها من دون اميركا… ومن خلال انتخاب باراك اوباما رئيسنا المقبل، طالب الشعب الاميركي ليس فقط باتجاه جديد في الداخل، وانما بجهود جديدة لتجديد المكانة الاميركية في العالم قوة للتغيير الايجابي".
غيتس للمرحلة الانتقالية
وكما كان متوقعا، طلب اوباما من وزير الدفاع روبرت غيتس الاستمرار في منصبه، خصوصاً ان البلاد لا تزال في "مرحلة انتقالية غير معهودة حيث تخوض حربين" في العراق وافغانستان، وكي يشرف على انسحاب الوحدات العسكرية القتالية من العراق، "وانهاء الحرب في العراق بطريقة مسؤولة"، وزيادة عديد القوات الاميركية في افغانستان. وشدد في هذا السياق على انه لا يزال ملتزما سحب القوات القتالية خلال 16 شهرا منذ تسلمه لصلاحياته الدستورية، وان يكن كرر انه سيستمع الى اقتراحات القادة العسكريين ونصائحهم في هذا المجال. واعتبر ان الاتفاق العسكري العراقي – الاميركي الاخير يضع العلاقات على الطريق الصحيح من حيث الى تقليص عديد القوات الاميركية، وانه يبين ان ثمة فترة انتقالية سوف يتم خلالها تغيير المهمات الاميركية في العراق. وشدد على ضرورة معالجة الاخطار المتفاقمة في افغانستان والوضع في جنوب آسيا بعد هجمات مومباي، ودعا الى تعبئة الموارد وتركيز الاهتمام على هزيمة تنظيم "القاعدة" وزعيمه اسامة بن لادن.
جونز الشخصية القوية
وأعلن تعيين الجنرال المتقاعد جيمس جونز القائد العام لقوات حلف شمال الاطلسي والذي كان الرئيس جورج بوش قد عينه في العام الماضي مبعوثا لتنسيق الجهود الامنية بين السلطة الفلسطينية واسرائيل، مستشارا لشؤون الامن القومي.
ويتمتع جونز المعروف بشخصيته القوية بسمعة جيدة في واشنطن نظراً الى خبرته العسكرية والسياسية، وهذا ما نوه به اوباما، الذي اشار ايضا الى خبرته في مجال الطاقة وخدمته في مناطق نزاع عدة من كوسوفو الى شمال العراق الى افغانستان.
ويكتسب منصب مستشار الامن القومي اهمية خاصة الان لانه سيكون الطرف الذي سيتولى تنسيق المواقف والاجتهادات المختلفة التي يتقدم بها وزيرا الدفاع والخارجية وغيرهما من المعنيين بشؤون الامن القومي مثل قادة اجهزة الاستخبارات الى الرئيس عبر مستشاره لشؤون الامن القومي. ويعتقد ان هيلاري كلينتون وغيتس قد حصلا من اوباما على تعهد انهما سيكونان قادرين على الاتصال به مباشرة اذا دعت الحاجة. ونظراً الى وجود شخصيتين قويتين في وزارتي الدفاع والخارجية، فإن وجود مستشار للامن القومي متمرس وذوي خبرة واسعة وشخصية قوية هو امر ضروري لوجود سياسة خارجية وامنية فعالة.
وجوابا عن سؤال عن احتمال بروز اختلافات بين اقطاب فريقه الامني، قال اوباما ان اعضاء الفريق يعرفون بعضهم بعضاً وقد عملوا معاً في السابق "ولا أعتقد انهم كانوا سيقبلون بالمشاركة في حكومتي، وانا لم اكن لاطلب منهم الانضمام اليها لو لم نتشاطر في رؤية جوهرية لما هو مطلوب للحفاظ على أمن الاميركيين".
بقية الفريق
وعين اوباما المحامي والقاضي اريك هولدر وزيرا للعدل، وبذلك بات الاميركي الأول الافريقي الاصل يتولى هذا المنصب الحساس. ويشاطر هولدر اوباما مواقفه المناوئة للتعذيب والداعية الى اقفال معسكر غوانتانامو.
كما عين حاكمة ولاية اريزونا جانيت نابوليتانو وزيرة للامن الوطني. وهي المرة الأولى تتولى هذا المنصب الحساس والجديد نسبيا. وكانت نابوليتانو من أوائل مؤيدي اوباما من حكام الولايات حين بدأ حملته الانتخابية. ونظراً الى خلفيتها القانونية، إذ عملت مدعية عامة، والى كونها حاكمة لولاية ذات حدود مشتركة مع المكسيك، فان ذلك سيساعدها على الاضطلاع بمهمات هذه الوزارة الضخمة التي تشمل صلاحياتها حماية الاميركيين من الكوارث الطبيعية، الى حمايتهم من اخطار الارهاب، ومنع الهجرة غير الشرعية.
واعلن اوباما ايضا تسمية مستشارته لشؤون السياسة الخارجية خلال الحملة الانتخابية سوزان رايس مندوبة دائمة للولايات المتحدة لدى الامم المتحدة برتبة وزيرة. وكانت رايس قد عملت في مجلس الامن القومي ومساعدة لوزير الخارجية للشؤون الافريقية خلال ولاية الرئيس بيل كلينتون. ولها مواقف قوية عن ضرورة وقف حروب الابادة، وكانت لها مواقف قوية من حكومة السودان بسبب سياساتها حيال سكان اقليم دارفور.
وشدد اوباما على ان مصير اميركا مرتبط بمصير العالم، و"من اسواقنا الى أمننا، من متطلبات الصحة العامة الى البيئة، يجب ان نتحرك ونحن مدركون أننا اليوم أكثر من أي وقت مضى، لنا مصلحة في ما يحصل في انحاء العالم. وكما تعلمنا بشكل مؤلم في الحادي عشر من ايلول 2001، فان الارهاب لا يمكن احتواؤه عبر الحدود، كما لا يمكن ان نشعر بالامن لان المحيطات تحيط بنا". وتطرق في هذا السياق الى هجمات مومباي حيث كان من الضحايا ستة مواطنين اميركيين، وقال انه ابلغ الى رئيس وزراء الهند مانموهان سينغ ان الاميركيين متضامنون مع شعب الهند.
وعن فريقه الامني، قال اوباما ان "الوقت قد حان لبداية جديدة وفجر جديد من القيادة الاميركية لتخطي عقبات القرن الحادي والعشرين، ولاغتنام الفرصة التي توفرها هذه التحديات… وسوف نقوي قدراتنا على هزيمة اعدائنا ودعم اصدقائنا، وسنجدد تحالفاتنا القديمة ونبني شركات جديدة ودائمة، وسنبين للعالم مجدداً ان اميركا لن تتهاون في الدفاع عن شعبها وستكون ثابتة في دفع مصالحنا، وستكون ملتزمة المثل التي تسطع منارة للعالم : الديموقراطية والعدالة، الفرص والامل غير القابل للتراجع، لان القيم الاميركية هي أكبر صادرات اميركا الى العالم". وخلص الى ان ضمان نجاح اميركا في العالم يتطلب استراتيجية جديدة "تستخدم بمهارة وتوازن وتمزج بين مختلف عناصر القوة الاميركية: قوتنا العسكرية وديبلوماسيتنا، قدراتنا الاستخبارية وتطبيق القوانين، اقتصادنا وقوة مثالنا الاخلاقي… والفريق الذي جمعناه هنا اليوم مؤهل على نحو فريد لتحقيق ذلك".
"النهار"