تحطم النظام وانتهى، لكن عملية كنسه من الشوارع تتطلب وقتاً ومخيلات. سيضطر نزار قباني، للاستعانة بعبارات “خبز وحشيش وقمر”، لرسم ملامح دمشق، التي سماها يوماً، قارورة العطر. أما الحلاق البديري، فربما ينبش دفاتر المذكرات، ليكتشف خيال أبناء جلدته في رسم الشوارع وتلوين الشرفات!.
هكذا يبدو الطريق من شارع الثورة، باتجاه البحصة وفكتوريا، وصولاً للحلبوني والبرامكة، محتاجاً إلى ضغط زرّ الخيال، بهدف الفرمتة أو إعادة الإقلاع من جديد.
هنا، ستحتلّ بسطات علب السردين والتونة، مساحات إضافية من الإسفلت، وستتحالف معدات الماكياج مع الأحذية وألبسة البالة، من أجل التقدم أكثر، حتى لا يتبقى لسيارات التكسي الصفراء، وحافلات “الجرادين” البيض، سوى زاروب صغير، يفترض التعامل معه كأوتوستراد!.
يصرخ البائعون في مكبرات الصوت؟ كأن المستهلكين مصابون بالصمم!. هل يعتقد المتسولون أننا أبناء طبقات باذخة، حتى يلاحقوننا كل تلك المسافة؟ سيجيبك ماسح الأحذية، وهو يرجوك الموافقة على طلاء “بوطك” بدهن اللوز، كي تحقق شرط الشياكة غير المتناسبة مع بدلتك “المهرهرة”!.
هل تحصل كارثة، إذا كلفوا الشعراء بإدارة البلديات، والرسامين بتنظيم حافلات النقل وتلوين الطرق، والموسيقيين باختيار الموسيقا الكلاسيكية التي تضعها البسطات في مكبرات الصوت أثناء البيع؟ ترى، ما الذي كان سيحل بالخيال؟
ستنتظر كثيراً قبل أن تنتهي عملية الإقلاع والفرمتة. فبائعو الصحف الذين اختفوا من المدينة منذ أمد بعيد، حل مكانهم بائعو “كروزات” الدخان مجهولة المصدر. عليك تقبل حقيقة أن الأسعار رخيصة جداً، لكن الشعب “طفران”، لا خيار لديه سوى انتظار طائرات المساعدات كي تهبط في المطار، محملة بأكياس الرز والقطن المعقم.
الجراح هنا عميقة، لا يمكن أن تندمل سوى بالخيال. فتتساءل، لماذا لا تكلف الثورة، شعراء المدينة والرسامين وعازفي الكمنجات، بمهمة طلاء الشرفات وتوزيع المباني واختيار ألوان الأرصفة؟ كم يلزمنا من الوقت، لإصلاح ما فعله مهندسو البيتون وكتل الكونكريت؟.
لماذا تأخر خيال الثورة بالإقلاع؟
تتابع طريقك باتجاه كلية الحقوق، تحاول إزاحة الناس وبسطات “الجرابات” عن المدخل، كي تتلمس الطريق. تستعين بمعجمك ودلاء ألوانك، حتى تعيد رسم اللوحة بذائقة أقل فداحةً مما ترى، فيداهمك بائع “المعروك” الطفل: “اشترِ قطعة واحدة.. أرجوك عمّو”. تتساءل: لماذا تأخر خيال الثورة بالإقلاع؟ ثم تكمل.
عند زاوية الجامعة، بالقرب من وكالة سانا، تعتقد أن المنظمات الخيرية، توزع “كراتين” إعاشة لهذا الحشد المتجمع بشكل غريب. وعندما تشاهد الناس تركض خلف السرافيس، توقن أنهم يريدون الطريق والعودة للمنزل. عليك التريث، وإعطاء المزيد من الوقت، للساعة الرملية الظاهرة على شاشة جهاز “الويندوز”، حتى تفرغ كل حباتها، وتبدأ عملية بناء سطح المكتب من جديد، لكن بائعي إكسسوارات الموبايل، يوقظون خيالك وهم يصرخون: “الوصلة بـ10”.
ستعود مرغماً إلى كتاب “خبز وحشيش وقمر”، وقد تسأل الحلاق البديري، إن كان قد عثر على وصف للذائقة البصرية عند الأجداد. تفكر لو كان لديك برنامج “فوتوشوب” ضخم، يمكنه معايرة ألوان المدينة، لكنك تتأكد أنك أوغلت في الخيال كثيراً، عندما تتعثر بـ”بدونات” البنزين والمازوت التي هبطت على الرصيف للتوّ!.
تفكر، هل تحصل كارثة، إذا كلفوا الشعراء بإدارة البلديات، والرسامين بتنظيم حافلات النقل وتلوين الطرق، والموسيقيين باختيار الموسيقا الكلاسيكية التي تضعها البسطات في مكبرات الصوت أثناء البيع؟ ترى، ما الذي كان سيحل بالخيال؟.
- تلفزيون سوريا