تحاكي اللحظة السورية المكثفة المشاعر والعاطفة. وإذا كانت الأخيرة تمكن من الحواس والذاكرة المثقلة إلى احتفائية لسقوط النظام السوري أملاً بطيّ “صفحة إنهاء”، فإن عقل ياسين الحاج صالح يقول بعد أربعين يومًا من سقوط النظام إن “زمن الاحتفال يجب أن ينتهي”، لتبدأ المرحلة النهائية بمشقاتها، ونسوها دولة القانون والمساواة. ولا يمكن مداواة الجرح السوري من دون عدالة يجري البحث عن مساراتها على دروب كثيرة، منها ميامي الضاربين سميرة الخليل وزان زيتونة وناظم حمادي ووائل حمادة.
ولا يستسيغ الحاج صالح الانجرار وراء تيار “الهواجس والقلق”، فقد كان هناك في زمن “البراميل والكيماويات وصيدنايا، وهناك قبل الثورة السورية الجديدة، وتتطلعوا إلى الوقت ضد “الخطر الإسلامي”. تعريفاً لذلك، عبر السنين طوال”. أما وجوه القيادة الجديدة، فبعضها “حسنة النية”، لكنّها “ضيقة باستثناء الفكري والإجتماعي”.
في حوار لاحق لكالنهار” مع الكاتب والناقد والباحث والمترجم، والسجين السياسي السابق الذي ألف العديد من الكتب عن سوريا، وعن السجن، وعن الإسلام المعاصر، وعن الثقافة وعن السياسة.
* من البديهي أن نسمع عن الصور والانطباعات في أول لقاء طويل لك مع سوريا “الجديدة” بعد غياب؟
مشاعري متلاطمة، يغلب الابتهاج والاحتفال بسقوط النظام. يقول المفكرون أنه بعد أربعين يومًا من سقوط النظام يجب أن ينتهي الاحتفال بالاحتفال، لكن يبدو لي أن أذكر ذاتي ومن حولي أن أشارك في أي شخص، أو في أعماق أكاسيدنا، يقترح عدم الاستعجال على الهم، فهو آتومعه القلق وانشغال البال. لنستمتع الآن ولا يأتي مثله في العمر المزدوج، وما يستحق أن لا يعمل كأيام وأسابيع مثل غيرها.
وهذا متصل بما بما كانت الحال قبل القفل. لا نعرف غير مسموح، لأنا سمحنا لأننا لم نستطع وضع ذلك في كلمات محددة، أن الحكم الدستوري لم يكن قمعياً، أو حتى تفرض القمعية متجاوزاً الرقابة العربية الأخرى بأشواط، بل هو في الجوهرة خسيس، دنيء النفس، مفتقر لبعض من المسموحة والكرم، يستولي على كل شيء ولا يشبع؛ وهو فوق ذلك العمل على التعلم بين الشباب وتخويف المجموعة من البعض، وتقوي الثقة في ما بينهم، فنظام فتنة النشاط أو نظام حرب أهلية مستمرة، وعدم ما ينتظر من الدولة في تأمين الأرض كلها. أجسادنا تعرف ذلك الشيء الوسخ الذي تخلصنا منه بما في ذلك المعجزة أكثر من أذهاننا، وهي لذلك تغلّب حسّ الاحتفال إلى اليوم.
على أن برنامجي الذاتي، ككاتب، هو بالأحرى يجبر والانتباه للمخاطر ويختلف الناشئ، وهو ما أصبح قد أصبح أصبح. المحصّلة الجمع من الابتهاج وعدم عدم العجل.
من اعتصام دوما تعلم مصير البنات الأربعة
* قصدت آخر مكان كانت فيه سميرة ورفاقها قبل الاختفاء والاختفاء، هل من أجل العدالة؟
كان الاعتصام أمام ما كان مقرّاً لمركز الجرائم العسكرية في دوما، ومنه اختطفت سميرة ورزان ووائل وناظم، بادرة رمزية لإدخال القضية أجندة العمل العام في زمن جديد. يتم أخذها في الوقت نفسه مع أصدقاء حقوقيين في بناء قضية حول تغييب أمرأتي. هذه أولويتي التي تعلو أي شيء آخر حين قدمت إلى سوريا وما قريبا من زمن إلى حين معرفة كامل الحقيقة ومعاقبة الجنّة.
سميرة التي اختطفتها “جيش الإسلام” هي سياسيتي الشخصية. أعلن حرية أمراءأتي أو جسدها الميت إن كان قتلها سمير الكعكة وعمر ديراني.
* هل سوريا حرّة اليوم؟
قد تكون سوريا أكثر حرية التجارة اليوم. يمكن أن تقولي إنها حرية هشّة، إلى ركائز مؤسسية ونواظم جزئي، وقد تصفها العواصف بعد حين. نعم، دون شك. لكن هنا يفيد أن نقول إن في بلدنا التعيس أهم قصّة في عالم اليوم. قبل أسبوع كتبت لي صديقة ألمانية تقول إن “روح العالم” في سوريا. هذا يكثّف للجميع في رأيي لحظتنا الراهنة. “روح العالم” لا تستقر في أي مكان لمدة طويلة هنا، ولكن زمن خاص، تمامًا، وعلينا منذ الآن تحويل جسد الاستثناء إلى قواعد لحياة جديدة متحررة.
* هل لا بد من خطة سماح للقيادة الجديدة لتثبت ما يمكن أن تمتلكه، من أجل…؟ وما رأيك في العمل الجديد؟
“فترة السماح” ليست ممّا يقره أي أحد. إنها فكرة ناقة تفترضها الإبلال من داء خطير مديد. والأمر يبقى صحيحاً أياً كان الفريق المسيطر اليوم. التوجس المشروع من الفريق النفذ الجديد لا تمسّ بالحاجة إلى هذه الفترة التي قد يمكن تقسيمها إلى فرعية. الأشهر الثلاثة الأولى لتسير الأعمال وتلمس الحياة الحقيقية، في البلد وحوله؛ ثم تم تصور هيكل أصغر، ما بين عام أو عامين، لبسط وتوحيد الهوية الجغرافية للبلد؛ وقد تلزم ثلاث أو أربع سنوات حسب ما تكلّم الشرع من أجل إرساء أسس نظام ودستور جديد وانتخابات عامة. لا بأس بمدة تخفيف على أن تصان الحريات العامة. نحن بحاجة إلى “فترة سماح” من أجل تنظيم أفكارنا وتجديد قوانا ومنظماتنا التي تحكمنا وأحزابنا. ما اكتشف بالسوريين كلهم اليوم الخشية منه هو التعجّل، وضع النفس تحت ضغط فعل أشياء كثيرة بسرعة. نحن اليوم في انفعال وأفكارنا غير محددة، وبعض الأناة والصبر محددة.
وقد نجح في الحاكم الجديد، أو كلاهما، يبدو لي واضحًا حسنة النيّة ويسلط الضوء على التحديات الجديدة، ولكن ساهم في تفعيل العمل الاجتماعي والفكري، وضعية أساسية في البناء الثامن، وغير ذلك في ما تقوم به من إجراءات وما تتطلع إليه.
* لم تسترد هذه الفترة الانتقالية من الأفعال ثأرية وانتقامية، من الخنازير وهياجس لدى بعض المجموعات الطائفية أو قلقة علمانيين… كيف تتفاعل مع هذه الوقائع؟
ما يحدث من المتوقع اليوم يجب أن يوثّق ويدان، ولا يبدو أن ذلك يحدث بالضرورة بالضرورة. مساحة الكلام على الأسلحة هي اليوم وسائل التواصل الاجتماعي، وهي ليست ذلك المكان الصحي لتوثيق المعلومات وتوسيع نطاقها بشكل واضح.
على أني ألاحظ أن ما أشرت إليه “من الأطفال ولديهم بعض المجموعات الطائفية” و”من القلق بين العلمانيين”، كان هناك في زمن البراميل والكيماوي وصيدنايا، وكان هناك قبل الثورة السورية، وتطلعوا إلى الوقت ضد “الخطر الإسلامي”، أي السني. أنت لا تفعلين شيئًا لزيادة طاقتك من المراهقين، تعريفًا لذلك، عبر السنين على مدار السنين. رأيكم الآن في وضع أفضل مبدئياً للتعامل مع هذه الأعصاب والهواجس القلق من أي وقت مضى. لست أضمن فريق النفذ اليوم، لكني لا أضمن حصريّيّ الهواجس والقلق كذلك. هناك من لا يتكلم في هذه الشؤون، لتناولها بصوت ووضوح. سنكون في وضع مناسب لنقد الفكر اليهودي الإسلامي و تظهر حدوده في ما يتعلق بالتضامن والمساواة في الحقوق السياسية، ولا نعترض على التسقيط على أي شيء بسبب التأخير، إذا تجاوزنا “واضحة الهواجس والقلق” نحو كلامهم والدوار والتوقعات والطبيعات خلال ما بينهم 14 ولم يتم تحديدها من قبلها. هذا بشكل أساسي إن كنّا نتطلع إلى مجتمع سياسي عقلاني، لا مجتمع مشاعر متنوعة ما دون بريطاني، يحتاج إلى الخوف ويخاف إن لم يكن هناك ما يمنعه من الشعور بالقلق. بشكل أساسي في رأيي أن نقول إن بعض الهواجس والقلق هو خشية من الجيد أن نعترف بأنها غير مشروعة خاصة، وليس مجرد أطفال من التعرض للتمييز.
ولا تعجل اليوم في نسيان ما عشناه طوال أعمارنا، وهو يعجّل لا أراه صحياً بشكل مستقيم في الأمر الحقيقي. وهناك من أجل أن نقول إلى ما نتطلع إلى أن نقول ما الذي انتهى، وماتعددت توقعات و”طبائع” خلال السنوات الطويلة جدًا من ما انتهى. إننا بحاجة إلى ولد بصيرة للذاكرة وما نحتاجه إلى ولد متبصّرة للسير حو المستقبل. ومن أجل أمان سوري عام، يجب أن نتذكر ما جاء لملايين خلال سنوات وعقود، وقد فقدوا الأمان جميعهم الحق في الدستورية.
* هل من خريطة الطريقة النظرية لولادة نظام الحكم الجديد برأيك؟
ديمقراطية، خريطتنا واسعة في الدفاع عن الحريات العامة، وحكم القانون، والشفافية والنقاش العام المفتوح، والمساواة بين النساء، وثقافة التعددية السياسية (وليست الثقافة الشعبية)، والانتخابات الحرة وتداول السلطة. المهم الراهن هو حضور الفاعل الديموقراطي الديموقراطي، وقدرتنا على تطوير خطابات وبالتالي بالمسائل الاجتماعية العاجلة الطارئة، التي تستمر الحريات العامة هشة دون التعدد في عدد لا يحصى.
وأولي شخصياً أن يجرّم التعذيب ويحرمه مكاناً رئيسياً في أي تصوّر للمستقبل، وأتمنى أن يصير مادة في الدستور القادم. وفي المقام الثاني أرجو كذلك الحليم الدستوري للحكم.
* هل تخشى من الأسلمة في سوريا، بمعنى تغلغل والفكر لهج في الدولة ومفاصل المجتمع؟
سوريا بلد أكثر سكانه مسلمون. كان الأمر كذلك. ما يُخشى هو أن يحوّل هذا الواقع إلى وجهة نظر إيديولوجية واسعة النطاق، الأمر الذي يجب فعله، وخاصة بين عامي 2013 و2018. لكن الجنون ليس حكراً على الإسلاميين، وقد تخلصنا للتو من جنون أسدي مطبق مكثف نفسه في شعارات مثل الأسد أو لا أحد، والأسد أو نحرق البلد، وفي البراميل والكيماوي والتعذيب والاغتصاب. ما يثير غضبي شخصياً هو أجندة منتصرة وليامزاً وإقليمياً، وحتى محلياً، تتكلم على جنون واحد لتبرّر جنونات أخرى، أو على غول واحد لتتكتم على غيلان آخر. كنت شخصياً في منازعة هذا التواطؤ منذ ما قبل الثورة السورية بسنوات. نشغل موقعاً أفضل لإدانة ضروب التطرف الإسلامي إن كنا ندين ضروب التطرف الآخر، وهو ما لم يحدث كثيراً. مقابل لم يكن هناك أي شيء في موقع أسوأ وبالنتيجة النكوص إلى جنون أسدي أو ما فعله إن لم يفعل ذلك. وليس هناك من يقول إن ذلك غير ممكن. لقد حدث في مصر قبل 12.
ومن المهم أن يختاروا سوريا ليست قطاعين ومثقفين وشبابيين الذين عاشوا في عزلة اجتماعية في حق الأسدية، ويستبطن غير قليل منهم بقدر طيعّباً من التعالي على المجتمع، ومن “ازدواج اختار” في الحكم على ما هو عاقل وما هو مجنون، ما هو “طبيعي” ” وما هو ليس كذلك.
من المهم بالقدر نفسه ألا نتطوّع في العمليات الفكرية الإيديولوجية هي ما يتعمده ويرغب فيه توسعون متنوعون، وبما أنهم ينشطون إسلاميون. والتي تهدف إلى العمل على تسييس وعقلنة التفكير في المشكلات الاجتماعية، بدل أدلجتها وتدينها.
* أين يرى ياسين الحاج صالح نفسه في هذه المرحلة السورية، لا سيما لناحية القيام بدور بريطاني وفكري؟
“الدور الفكري” بدأ به المستطاع، أما الدور السياسي فليس مما أتطلع إليه أو أملك أساسيا به.
* يتوسع نطاق التوسعة في بيروت لندوة لياسين الحاج في الثالث من فبراير المقبل، الساعة الخامسة عصرًا.
- النهار