دمشق ـ «القدس العربي»: تدخل سوريا رسمياً يومها التالي، بتعيين أحمد الشرع، رئيساً للبلاد في المرحلة الانتقالية، حيث شهدت دمشق، مؤتمراً موسّعاً ضم 18 فصيلاً عسكرياً من فصائل إدارة العمليات العسكرية وقوى الثورة السورية. وحسب مصادر مسؤولة في الإدارة السورية لـ «القدس العربي» فإن الاجتماع ضم قيادات جميع الفصائل العسكرية على رأسها «هيئة تحرير الشام» وفرقة الحمزة، وفرقة سليمان شاه، وجيش الثورة الموجود في قاعدة التنف الأمريكية، وفرقة المعتصم، وفيلق الشام، وحركة أحرار الشام، وغيرها عدا قيادات «قوات سوريا الديموقراطية» وفصائل السويداء.
ألقى الشرع خلال الاجتماع الموسع، «خطاب النصر» وقال إن أولويات سوريا اليوم هي «ملء فراغ السلطة والحفاظ على السلم الأهلي وبناء مؤسسات الدولة والعمل على بناء بنية اقتصادية تنموية واستعادة سورية لمكانتها الدولية والإقليمية».
كما تضمن المؤتمر، مجموعة ًمن القرارات الهامة، أعلنها الناطق باسم إدارة العمليات العسكرية، العقيد حسن عبد الغني، وهي حلّ جميع الفصائل العسكرية، والأجسام الثورية السياسية والمدنية، ودمجها في مؤسسات الدولة. وحلّ حزب البعث العربي الاشتراكي، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وحلّ جيش النظام البائد، وإعادة بناء الجيش السوري، وحلّ مجلس الشعب واللجان المنبثقة منه، وإلغاء العمل بدستور سنة 2012، وإيقاف العمل بجميع القوانين الاستثنائية.
«القدس العربي» رصدت ردود فعل الشارع السوري من قضاة ومحامين وسياسيين وكتّاب، حول شرعية إدارة المرحلة الانتقالية، ونقل الشرعية الثورية من إدارة العمليات العسكرية التي حررت سوريا وانتهت في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي إلى أحمد الشرع للبدء بالعملية السياسية التي انطلقت الأربعاء، بإعلان مجموعة من القرارات العامة.
غطاء قانوني
المتخصص في إدارة التحول الديمقراطي وصاحب أبزر مشروع بحثي في هذا المجال الدكتور رضوان زيادة كتب يقول: «حول فلسفة الشرعية الثورية، منذ اللحظة الأولى لسقوط نظام الطاغية الأسد والتفكير ينصب على الخيار الذي ستسلكه الإدارة الجديدة فيما يتعلق بالغطاء القانوني والدستوري للمرحلة الانتقالية».
خياران
وزاد: «أمام الادارة السورية الجديدة خياران إما العمل بدستور 2012 وهو ما يعني أن يصبح نائب رئيس الجمهورية فيصل المقداد رئيساً انتقالياً، لكن هذا الخيار لم يكن مقبولاً أبدا من قبل الشعب السوري وخاصة القوى الثورية، أو الخيار الآخر وهو المضي قدماً في خيار الشرعية الثورية».
ويضيف: «وجدنا أن نموذج المجالس الانتقالية كما طبقت في عدد من دول الربيع العربي كـ «ليبيا والسودان» يكادان أن يكونا الأقرب إلى النموذج السوري طبعاً مع اختلافات».
وواصل «انحصر النقاش حول طريقة بناء هذه الهيئة الانتقالية والتي تحقق جوهر القرار 2254 الذي تحدث عن جسم انتقالي ويضمن تمثيل كل القوى السياسية والاجتماعية السورية بما يحقق مبدأ الشمولية، وأخيرا يؤسس مجلساً تشريعياً مؤقتاً يصدر القوانين ويمنح الثقة للحكومة الانتقالية ويقر موازنة الدولة ويشكل هيئة مستقلة للانتخابات المقبلة».
أحدهم طالب بتحديد مدة المرحلة الانتقالية وتوضيح كل ما يتعلق بالبرلمان
لم يكن هناك أي شك، وفق الخبير السياسي أن «إدارة العمليات العسكرية التي قادت عملية ردع العدوان تمتلك هذه الشرعية الثورية ولذلك قام الناطق باسمها العقيد حسن عبد الغني بقراءة خطاب النصر وتفويض السيد الشرع بتشكيل هذه الهيئة، يعني رمزياً نقل الشرعية الثورية من إدارة العمليات العسكرية إلى الشرع للبدء بالعملية السياسية التي انطلقت البارحة».
إخراج غير موفق
وتابع: «ربما كانت طريقة الإخراج الإعلامي غير موفقة كثيراً إذ كان يجب أن تكون علنيةً ومباشرة، لكنها حققت الغرض المطلوب في النهاية. وبكل المراحل الانتقالية يحصل تخفيض في مراحل التعيين بقدر المستطاع حتى تنتقل من الشرعية الثورية إلى شرعية الانتخابات وهو ما فعلته الإدارة عبر الإعلان عن الهيئة التشريعية».
وردّ زيادة، على ما قال إنهم يفضلون تأجيل الإعلان عن الشرع رئيساً قائلاً: «لعالم سياسة أمريكي مشهور وأستاذ في جامعة هارفارد ومختص بما يسمى النظم المختلطة، وقد درس المراحل الانتقالية لما يفوق عن أكثر من مائة دولة من العالم، مقولة مشهورة «مدخلات العملية الانتقالية تُحدد مُخرجاتها» بمعنى أن سوريا التي حكمتها مؤسسات طائفية كالجيش والأمن على مدى أكثر من 60 عاماً وغياب للجهاز البيروقراطي وانعدام فكرة القانون والمساءلة وفوق ذلك حرب طاحنة حولت السوريين إلى معتقلين وجياعاً ولاجئين يعني انعدام الطبقة الوسطى التي تقود عملية التغيير وفوق ذلك عقوبات دولية هي الأشد، بمعنى مدخلات بهذا الحجم لن تقود إلى ديمقراطية على طريقة جيفرسون، المخرجات ستكون استمرار للحرب وفوضى أمنية».
استحقاق دستوري
القاضي حسين حمادة، استند إلى علمه بالدستور ضمن موضوع القانون، حيث كتب على صفحته الشخصية، إن «أحمد الشرع أصبح رئيساً لسورية الجديدة استناداً إلى الشرعية الثورية، وهذا استحقاق له ما يؤيّدوه بالفقه الدستوري».
وأضاف: «نحن نعلم أن المشروعية الثورية – الممارسة بما يحقق أهداف الثورة – هي التي تحدد استمرار الشرعية الثورية أو زوالها، وهذا رهن بالأفعال التي ننتظر من الرئيس القيام بها والتي تؤدي إلى استقرار البلاد وتأمين العباد».
وطالب الشرع «بالانفتاح على كل السوريين وعلى كامل الساحة السورية فهو ليس رئيساً لمجموعة أو هيئة وإنما رئيساً لكل السوريين».
وعبّر عن اعتقاده، بأن القرارات التي أصدرها الشرع لها «آثار سياسية وقانونية منها، حلّ ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، وحلّ اللجنة الدستورية، وحلّ هيئة التفاوض، وحلّ الحكومة المؤقتة، ودمج السلطات العسكرية والامنية والقضائية والمحلية الموجودين ضمن منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون مع السلطات المركزية القائمة».
في حين، طالب الناشط في مجال حقوق الإنسان، المحامي ميشال شماس، الشرع بتحديد مدة المرحلة الانتقالية، وتوضيح كل ما تتعلق بالمجلس التشريعي، وكيف سيتم تشكيله وممن وماهي مهامه، هل من ضمن مهامه مثلاً مراقبة عمل الرئيس والحكومة. وكيف سيتم تشكيل الحكومة الانتقالية وممن؟
وتابع: أما بالنسبة لتولي السيد أحمد الشرع رئاسة الدولة فهذا أمر متوقع وطبيعي. وتساءل عن مصير فصائل الجنوب والسويداء. وماذا عن «قسد»؟
سياق منطقي
فراس طلاس رجل الأعمال السوري ونجل وزير الدفاع السابق، مصطفى طلاس، اعتبر أن «كل ما حدث بعد المفاجأة العظيمة في 8 كانون الأول/ديسمبر بالتحرر من الأسد هو ضمن السياق المنطقي واللازم لما حصل».
وتابع: «بعد تسمية أحمد الشرع رئيساً للمرحلة الانتقالية أقول للجميع لكل سوري، الآن وقت العمل، سوريا تحتاج الجميع والسوريون يستحقون كل جهد وسيُبهرون العالم».
إدوار حشوة: دولة القانون
أما المحامي إدوار حشوة، وهو سياسي ودستوري سوري ومؤلف لعدد من الكتب القضائية والسياسية والفكرية الاجتماعي، فقد تحدث عن «خطوات في الطريق الصحيح جاءت ولو متأخرة قليلاً، ولكنها جاءت وهذا أحسن من كل الوجوه».
وأضاف، الانتقال من الشرعية الثورية إلى شرعية الدولة تعني في السياسة الانتقال التدريجي إلى دولة القانون والمؤسسات ومن منطق الثورة إلى منطق الدولة وتجميد دستور النظام وحلّ الحزب الحاكم ومجلس الشعب الكرتوني والبعث والجبهة وهما مجرد ديكور للاستهلاك الخارجي عن ديمقراطية موجودة على الورق هي خطوات لإملاء.
وعن الفراغ الدستوري قال: العمل تحت اسم (إدارة العمليات العسكرية) ليس مستحباً في الثورات والانقلابات والتعامل مع الخارج لأنه يخلق حاله ضبابية تدلّ على عدم الاستقرار، وتعدد الفصائل المشاركة قد يكون ضرورياً للحرب على النظام، ولكنه ليس حالة صحية في الدولة خاصة إذا تعددت الشعارات والتصرفات. حلّ الفصائل وضمها إلى جيش نظامي عمل حسن ويوحد القرار العسكري واللباس ويوحد الجميع تحت علم البلاد. وتشكيل مجلس تشريعي أو مجلس للثورة هو تحصيل حاصل وقد يضم قادة من الفصائل ولا يبدو أنه سيضم مدنيين من الشخصيات الوطنية أو الأحزاب المعارضة. واتفاق الفصائل على رئيس للبلاد يبعث على الطمأنينة والاستقرار خاصة أن المجتمع العربي والدولي كان دائماً يطالبنا بمرشح بديل لكي يرحل الأسد المجرم. لجنه تحضيرية سياسية ودستورية تضع مشروعاً للدستور أو الإعلان الدستوري فهذه خطوة لتحديد معالم المرحلة المقبلة.
بند خطير
الكاتب والباحث أحمد أبا زيد، اعتبر من وجهة نظر أن بنود الإعلان كانت متوقعة، فيما عدا البند السابع التي تحدث عن «حلّ جميع الفصائل العسكرية، والأجسام الثورية السياسية والمدنية، وتُدمج في مؤسسات الدولة».
ووصف هذا البند بأنه خطير وفضفاض «فمن حق الفصائل العسكرية أن تحلّ نفسها، ولكن من لديه الحقّ بحلّ أي أجسام ثورية سياسية ومدنية غير حاضرة ؟، ومن تشمل هذه الأجسام؟»
- القدس العربي