أوحى حديث الرئيس السوري، أحمد الشرع، عن الجهود التي بذلتها إدارته لإقناع الجانب التركي بترك المجال للمفاوضات مع “قسد” بوجود تباين بين أنقرة ودمشق حول النهج الذي سيتم إتباعه من أجل حسم هذا الملف المؤرق للجانبين.
الإدارة السورية الجديدة خاضت عدة جولات مفاوضات، لكن الشرع أكد في مقابلة لاحقة مع صحيفة “الإيكونوميست” أنه غير متفائل بالتوصل إلى اتفاق مع “قسد”، مشيراً إلى أحد النقاط الخلافية الهامة والمتمثل بعدم موافقة الشعب السوري على فكرة الفيدرالية.
شراكة أمنية استراتيجية وتسريبات عن اتفاقية دفاع مشترك
أكد الرئيس السوري خلال قمته المشتركة مع الرئيس التركي، رجب أطيب أردوغان، في أنقرة بأنه يتم العمل على تحويل العلاقة مع تركيا إلى شراكة استراتيجية في كل المجالات، وعلى رأسها بناء استراتيجية مشتركة لمواجهات التهديدات الأمنية.
وقبيل القمة المشتركة، سربت وكالة “رويترز” مضامين مباحثات بين أنقرة ودمشق حول إنشاء قواعد عسكرية تركية جديدة في البادية السورية، واحتمالية إنشاء قاعدة جوية أيضاً، بالإضافة إلى تقديم تدريب للجيش السوري الجديد.
وبحسب مصادر مطلعة في دمشق، فإن الهدف الأساسي لتأسيس القواعد في منطقة البادية السورية هو إعطاء تطمينات للجانب الأميركي بوجود قوة عسكرية وأمنية قادرة على منع عودة ظهور “داعش”، وقطع طريق تهريب السلاح من الأراضي العراقية إلى سوريا مجدداً، وبالتالي تسهيل اتخاذ قرار انسحاب القوات الأمريكية ووقف دعم “قسد”، وهذا خطوات تحقق كلاً من مصالح أنقرة ودمشق.
مسارات سياسية منسقة
بعد الجولة الأولى من المفاوضات التي تمت بين دمشق وقائد “قسد”، مظلوم عبدي، شهر كانون الثاني الماضي، والذي لم يفض إلى نتائج ملموسة، دخل على الخط مسعود بارزاني حيث استضاف عبدي في منتصف الشهر ذاته.
ووفق ما رشح من معلومات فإن وساطة بارزاني تم تنسيقها مع الجانب التركي، وتستهدف إقناع قائد “قسد” بالمضي قدماً في الاتفاق مع دمشق لكن بعد التوافق مع “المجلس الوطني الكردي” السوري الذي يحظى بدعم بارزاني، وتشكيل وفد مشترك، بالإضافة للعمل على إخراج عناصر حزب “العمال الكردستاني” غير السوريين من شمال شرقي سوريا.
الحكومة السورية هي الأخرى أبدت انفتاحاً على المجلس الوطني الكردي السوري، ومن المرجح أن يشترك بفاعلية في مؤتمر الحوار الوطني، خاصة وأن المجلس أصدر في 4 شباط الجاري بياناً بارك فيه اختيار الشرع رئيساً للمرحلة الانتقالية في سوريا، وهذا ما دفع فيما يبدو حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي، الذي يعتبر الواجهة السياسية لـ “وحدات الحماية الكردية” أكبر تشكيل في “قسد”، لشن هجوم على “المجلس الوطني الكردي”، حيث وصف رئيس الحزب غريب حسو، والقيادي البارز في الحزب ألدار خيل المجلس بأنه يعمل لخدمة الأجندات التركية، وانتقد صمته على الهجمات التركية ضد “قسد”.
وفي منتصف كانون الثاني الماضي عكست التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، خلال زيارته إلى أنقرة برفقة وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات السوريين، التقارب بوجهات النظر بين دمشق وأنقرة، حيث أكد الشيباني أنه لم يعد هناك مبرراً لاستمرار “قسد” على شكلها الحالي، وضرورة عودة العشائر العربية إلى مناطقها.
ومن الواضح أن الضغط العسكري الذي تمارسه أنقرة إلى جانب الفصائل المنضوية ضمن الجيش الوطني السوري سابقاً والتي انخرطت مؤخراً في وزارة الدفاع، ساهم إلى حد كبير في تغيير سقف مطالب “قسد” حيث لم تعد تتحدث عن إدارة ذاتية، وإنما عن دولة تقر بالتعددية والمكونات المختلفة، واللامركزية الإدارية، وهي المطالب ذاتها تقريبا التي يطرحها “المجلس الوطني الكردي” السوري.
الكلمة المرتقبة لأوجلان وانعكاساتها على ملف “قسد”
وتترقب الأوساط السياسية التركية كلمة لمؤسس حزب “العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان، التي قد يلقيها أمام مجلس النواب في منتصف الشهر الجاري، ويدعو فيها الحزب لإلقاء السلاح، لتكون منطلقاً للتسوية السياسية مع الأكراد سواء في سوريا أو تركيا.
ومن المتوقع أن تترك الكلمة التي سيلقيها أوجلان آثارها على بعض التيارات داخل الحزب، التي لا تزال تدين بالولاء للزعيم المؤسس، وهذا سينعكس أيضاً على الساحة السورية التي ينشط فيها الحزب بكثافة، وتؤثر على قرار “قسد”.
ومن غير المرجح أن نشهد عمليات عسكرية في سوريا ضد “قسد” قبل الكلمة المرتقبة لأوجلان، وقبل توقيع تفاهمات عسكرية واضحة بين دمشق وأنقرة، وبطبيعة الحال لن تتم هذه العمليات إلا في حال أصرت عناصر العمال الكردستاني على عدم مغادرة سوريا، وعلى الأغلب ستكون هذه العمليات لو تمت محددة ودقيقة، وتستهدف تحرير المكون المحلي في “قسد” من سطوة الكوادر الأجنبية، وتسهيل اندماجه ضمن الحل السوري، والمؤسسات السورية بعيداً عن فكرة الإدارة الذاتية، أو الاستئثار بمنطقة جغرافية محددة.
- تلفزيون سوريا