لندن- “القدس العربي”: نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا بعنوان “من ماغا إلى غزة” أشارت فيه إلى أن خطة دونالد ترامب المذهلة لتحويل غزة إلى مدينة أمريكية، تثير التساؤلات حول كونها نابعة من الجحيم أم أنها فتنازيا إمبريالية أو خدعة تفاوضية؟. وقالت إن أهل غزة الذين عاشوا جحيم حرب استمرت 15 شهرا وشردوا أكثر من مرة لم يتوقعوا ولا أي شخص أن يقدم الرئيس ترامب خطة مدهشة تنهي بؤسهم: طرد كل السكان الفلسطينيين والاستيلاء الأمريكي الكامل على غزة لإعادة تطويرها وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”.
وعبر الساسة العرب عن قلق، وفي رسالة مشتركة أرسلها وزراء خارجية خمس دول عربية بعدما بدأ الرئيس يتحدث عن نقل الفلسطينيين من غزة، حذروا فيها الولايات المتحدة بأن تهجيرا كهذا “سيدفع المنطقة نحو مزيد من التوتر والنزاع وعدم الاستقرار”.
وفي أمريكا، أشاد بعض حلفاء الرئيس بهذه الخطوة “العبقرية”، في حين نظر آخرون إليها باستخفاف. وربما يشعر أغلب الإسرائيليين بالحيرة، فقد أبدى وزير من أقصى اليمين سروره بهذه الخطوة، مستشهدا بترنيمة من الكتاب المقدس: “لقد صنع الرب لنا أمورا عظيمة، ونحن نفرح بها”.
وبعد اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، ألقى ترامب حجره، قائلا إن أمريكا “ستتولى السيطرة على قطاع غزة، وسنقوم بعملنا هناك أيضا، سنتولى المسؤولية عن تفكيك جميع القنابل غير المنفجرة الخطيرة والأسلحة الأخرى الموجودة في الموقع”. وأضاف أن أمريكا “ستتملكه على المدى الطويل”.
وعندما سئل عن النشر المحتمل للقوات الأمريكية، قال ترامب: “فيما يتعلق بغزة، سنفعل ما هو ضروري. وإذا كان ذلك ضروريا، فسنفعل ذلك”.
وأكد الرئيس أنه جاد في كلامه: “لم يتم اتخاذ القرار بسهولة، وكل واحد تحدثت إليه أعجب بفكرة تملك الولايات المتحدة قطعة الأرض تلك، تطويرها وخلق آلاف الوظائف أمر سيكون رائعا”.
وقال إن الفلسطينيين لا يمكنهم العيش في خراب غزة، الذي وصفه بأنه “موقع هدم”. من الأفضل للدول الأخرى أن “تفتح قلوبها”، وتستقبلهم وتعيد توطينهم في مجتمعات جديدة. وعندما يتم إعادة إعماره فإن الناس “من كل أنحاء العالم” سيعيشون في غزة بمن فيهم الفلسطينيون.
وبدا نتنياهو مسرورا وغير مبال في الوقت نفسه. ولم يتطرق إلى أي تفاصيل بشأن الاقتراح، لكنه أشاد بترامب لأنه نقل المناقشات إلى “مستوى آخر”، وأشار بشكل غامض قائلا: “أعتقد أن الأمر يستحق الاهتمام وأعتقد أنه شيء يمكن أن يغير التاريخ”.
وتشير المجلة إلى أن ترامب لم يتحدث عن كيفية تحقيق أفكاره وبدا في بعض الأحيان مرتجلا. وبالنسبة لبعض الأمريكيين، بدت هذه الأفكار وكأنها خيال إمبريالي، أشبه بحديثه الاستفزازي عن استعادة قناة بنما أو شراء غرينلاند، ولكنها أكثر خطورة. وفي الحقيقة شعر البعض من أن الرئيس نسي مغامرات أمريكا الدموية والفاشلة في أفغانستان والعراق، والتي طالما شجبها ترامب.
بالنسبة لبعض الأمريكيين، بدت أفكار ترامب بشأن غزة وكأنها خيال إمبريالي، أشبه بحديثه الاستفزازي عن استعادة قناة بنما أو شراء غرينلاند، ولكنها أكثر خطورة
وتساءل آخرون عما إذا كان ترامب، كما حدث مع تهديداته بالرسوم الجمركية، قد اتخذ موقفا شاذا يمكن من خلاله تحقيق النفوذ التفاوضي.
وكان الجمهوريون في الكونغرس متشككين. وقال أحد أعضاء مجلس الشيوخ، ليندزي غراهام، لمجلة “بوليتيكو” معلقا على خطة الرئيس: “أعتقد أن هذا قد يكون إشكاليا”. وأضاف آخر: “ربما يكون هناك بعض العيوب في هذا”.
ولن يكون ترامب أول رئيس أمريكي يحاول حل لغز فلسطين. وكانت أغلب مقترحات السلام، بما في ذلك مقترح ترامب خلال ولايته الأولى، تتضمن التقسيم الرسمي للأرض إلى دولة فلسطينية وأخرى يهودية. وكثيرا ما أثارت هذه المقترحات المزيد من العنف. وأعرب ترامب عن إحباطه إزاء عقود من خطط السلام الفاشلة وجهود إعادة الإعمار. وقال: “لا يمكنك الاستمرار في ارتكاب نفس الخطأ مرارا وتكرارا. غزة أصبحت الآن حفرة جحيم”.
ومع ذلك، لم تطرح فكرة مشروع استعماري غربي في فلسطين منذ نهاية الانتداب البريطاني عام 1947. وفي الواقع، رفضت الولايات المتحدة المقترحات المبكرة لتوليها بنفسها انتدابا في الشرق الأوسط بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
وترى المجلة أن ترامب قد جمع أفكارا متباينة من مرجل الشرق الأوسط: إزالة حماس من غزة كما يطالب نتنياهو، وطرد الفلسطينيين كما يسعى حلفاؤه من اليمين المتطرف، والأحلام القديمة بتحويل غزة إلى دبي أو سنغافورة أخرى، والأمل في الحصول على أموال البترودولارات العربية لإعادة إعمارها، والدعوة إلى قوة حفظ سلام تقودها أمريكا. وأضاف ترامب لكل هذه التوليفة المتناقضة حماس رجل تطوير العقارات والمقاول، حيث يتطلع إلى أكثر من 360 كيلومترا مربعا من الأراضي المتميزة على البحر الأبيض المتوسط، والتي تحول الكثير منها بالفعل إلى مواقع هدم بعد الحملة التي شنتها القوات الإسرائيلية.
وكان فريق نتنياهو قد أعد نفسه لمحادثات مختلفة، فقد توقعوا أن يحث ترامب إسرائيل على الانتقال من المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الحالي إلى المرحلة الثانية، التي تنص على وقف دائم للأعمال القتالية وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية. وفي تلك المرحلة، سيتم تبادل المزيد من الأسرى الإسرائيليين وغيرهم من الأسرى الفلسطينيين. أما المرحلة الثالثة، فتشمل على مفاوضات حول إعادة بناء غزة. كل هذا سيعبد الطريق أمام اتفاقية تطبيع مهمة بين السعودية وإسرائيل، مقابل التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية.وبالتالي تشكيل تحالف كبير بين أمريكا وإسرائيل والأنظمة العربية الموالية للغرب.
إلا أن فكرة ترامب باستيلاء أمريكا على غزة كانت خارج تفكير الإسرائيليين. ويدرك نتنياهو جيدا الصعوبات التي ستواجه هذه الخطة، ذلك أن سكان غزة، الذين ينحدرون في الغالب من موجات سابقة من اللاجئين الفلسطينيين والذين نزحوا مرارا وتكرارا خلال القتال الأخير، لن يتطوعوا لنكبة أخرى. وحتى لو غادر سكان غزة طواعية فإن أمريكا ستشرف على التطهير العرقي. وعلينا ألا نتصور أن الزعماء العرب، على الرغم من عدم اكتراثهم بمحنة الفلسطينيين في السر سيتواطؤون مع مثل هذه العملية.
فكرة ترامب باستيلاء أمريكا على غزة كانت خارج تفكير الإسرائيليين. ويدرك نتنياهو جيدا الصعوبات التي ستواجه هذه الخطة، ذلك أن سكان غزة، الذين ينحدرون في الغالب من موجات سابقة من اللاجئين الفلسطينيين، لن يتطوعوا لنكبة أخرى
وفي كل الأحوال، لا تريد أي دولة عربية أن تستوعب عددا كبيرا آخر من الفلسطينيين الساخطين. فقد رفضت مصر والأردن خطة ترامب لكنه توقع أن يغيرا رأيهما. وقال: “إنهما يقولان إنهما لن يقبلا. وأنا أقول إنهما سيقبلان”.
ويبدو نتنياهو مستعدا للمضي مع فكرة ترامب، إما لتعزيز علاقاته مع البيت الأبيض أو استغلال الخطة في السياسة المحلية، ويواجه رئيس الوزراء موقفا صعبا، فقد خسر شريكا في ائتلافه الحكومي من أقصى اليمين عندما قبل المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، ولو مضى للمرحلة الثانية في من الصفقة، فقد يخسر المزيد من الحلفاء، بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش. وهذا يعني نهاية حكومته، وإجراء انتخابات مبكرة، وربما المزيد من الضعف القانوني في قضايا الفساد التي يواجهها.
وحاول نتنياهو شراء الوقت لنفسه، وهو يصر على تحقيق 3 أهداف: وقف إطلاق النار واستعادة الأسرى، التدمير العسكري والسياسي الكامل لحماس وضمان عدم عودة حماس إلى السلطة مرة ثانية.
وبدلا من قبوله وقفا دائما للنار في غزة، يقول نتنياهو: “ستنهي إسرائيل الحرب بالانتصار بها”. وهذا سيفتح فجوة مدمرة محتملة مع ترامب، الذي أعرب عن ثقته في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بالكامل، في وقت قال فيه كبير المفاوضين إن المرحلة الثانية بدأت. ولكن خطة الرئيس بشأن غزة قد تمنح رئيس الوزراء طوق نجاة. وحتى لو دخل المرحلة الثانية، فمن غير المرجح أن يسقط سموتريتش الحكومة ويعرض حلمه بإخلاء قطاع غزة من الفلسطينيين للخطر. وربما يفكر ترامب في بناء فنادق وشقق فاخرة في غزة، لكن سموتريتش عازم على إعادة توطين المستوطنين هناك.
قد يتعامل نتنياهو مع خطة ترامب بشأن غزة كورقة مساومة. فهل يقبل السعوديون صفقة تمنع خطة ترامب وتنقذ الفلسطينيين من الطرد الجماعي؟ فقد بررت الإمارات تطبيع العلاقات مع إسرائيل بحجة أنها أوقفت الخطط الإسرائيلية لضم الضفة الغربية المحتلة
وهذا التهديد، يفسر الرد السريع من السعودية، التي قالت إنها “لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل” دون إنشاء دولة فلسطينية. ولكن نتنياهو قد يتعامل مع خطة ترامب بشأن غزة كورقة مساومة. فهل يقبل السعوديون صفقة تمنع خطة ترامب وتنقذ الفلسطينيين من الطرد الجماعي؟ بعد كل شيء، بررت الإمارات العربية المتحدة تطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020 بحجة أنها أوقفت الخطط الإسرائيلية لضم الضفة الغربية المحتلة. ويصر المسؤولون السعوديون على أنهم لن يفعلوا ذلك.
ويقول دبلوماسي عربي مندهش إن وزارته تحاول معرفة ما إذا كان كلام الرئيس مجرد “هراء ترامبي” سينسى قريبا، أم أنه شيء يدعو للتأمل العميق.
وفي النهاية يحذر القادة العرب من إثارة غضب الرئيس. ولكن إذا كان ترامب جادا بشأن اقتراحه الأخير، فقد يتبع ذلك إدانة قوية. أما بالنسبة لترامب، فقد بنى نجاحه على فكرة “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” و ربما لم ينضم أتباعه ويدعمون فكرة “جعل غزة أمريكية”.
- القدس العربي