
سورية منهكة، تحتاج كثيراً من الدعم والمساعدة والعمل، فالتركة الأسدية ثقيلة جدّاً، ولا تقتصر على أضرار الحرب التي شنّها النظام ضدّ الشعب منذ عام 2011، وأدّت إلى دمار واسع في المحافظات كلّها، شمل العمران والبنى التحتية والمصادر، التي كانت عماد الاقتصاد في الزراعة والنفط. وعدا ذلك، فهي مستهدفة أمنياً وسياسياً من أطراف خارجية، تأتي على رأسها إسرائيل، التي أغضبها سقوط نظام بشّار الأسد، ولذلك أوقفت العمل باتفاقية فصل القوات، ودمّرت القدرات العسكرية الخاصّة بالجيش السوري، واحتلت مساحات من أراضي سورية، وشيّدت تحصينات في المواقع الاستراتيجية، وباتت تهدّد أمن العاصمة، وتضعها في مرمى النيران. وتشكّل إيران مصدر التهديد الثاني. وهذا ما تعكسه ردّات الفعل الرسمية، التي لا تزال تتوالى من طهران بعد فرار الأسد، وكلّها تهدّد وتتوعّد بتقويض الحكم الجديد، وهذا دليل على أن إيران ليست في وارد التسليم بالخسارة الاستراتيجية التي تلقّتها.
تحصين سورية مصلحة عربية، لأن عودة هذا البلد إلى العالم العربي تعزّز الموقف العربي المشترك، وتقطع الطريق على محاولات التدخّل الأجنبية في الشؤون العربية. وقد برز منذ الأيام الأولى لسقوط نظام الأسد أن هناك إدراكاً من قبل دول الخليج العربي والأردن لهذه المسألة، وعكست ذلك زيارات التهنئة إلى دمشق بالعهد الجديد، من قطر والأردن والسعودية والبحرين والكويت وسلطنة عمان والأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي. وخطت السعودية والأردن وقطر خطوات عملية في هذا الطريق، وكان لاجتماع الرياض العربي الدولي في الـ12 من الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني) أهمية كبيرة ضمن مساعي رفع العقوبات الدولية عن سورية، فحضره ممثّل رفيع للولايات المتحدة، وعدد من وزراء خارجية الدول الأوروبية، ومسؤولة السياسات الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي.
خطوتان عربيتان مهمّتان في هذا الطريق، حصلتا خلال الأيام القليلة الماضية. الأولى تمثّلت بأرفع زيارة لمسؤول عربي ودولي، تلك التي قام بها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى دمشق في يوم 30 من الشهر الماضي، وعكست التزام هذا البلد، الذي شكّل سنداً كبيراً للثورة السورية، وداعماً للسوريين طوال أعوام التهجير. وعلى قدر الرهان على انتصار الثورة السورية، يأتي تعهّد قطر اليوم بتقديم أشكال الدعم كلّها من أجل إعادة إعمار سورية، ومواكبة تجربتها الجديدة حتى تستقرّ، وتسير في درب التعافي السريع. والخطوة الثانية الزيارة الرسمية الأولى للرئيس السوري أحمد الشرع إلى السعودية، التي تحمل بُعداً رمزياً مهمّاً، يرقى إلى إعلان سياسي سوري حول المرحلة المُقبلة على المستويات العربية والإقليمية والدولية، بما تحمله من توجّه إلى إحياء التضامن العربي بصورته التقليدية، الذي تشكّل فيه العلاقات السورية السعودية المصرية رافعة العمل العربي المشترك، ومرجعية رسم السياسات العربية العامّة، وتحديد الموقف من قضايا العرب الأساسية. وعلى هذا، فإنها توجّه رسالةً إقليميةً صريحةً لإيران التي استهدفت تقويض الأمن العربي، من خلال استغلال فراغ الدور العربي في العقود الماضية، وتوغّلت في عدّة بلدان عربية؛ سورية ولبنان والعراق واليمن، وهدّدت في العقدين الماضيين دولاً في مجلس التعاون الخليجي، منها السعودية، من طريق مليشيات الحوثيين في اليمن، الذين شنّوا هجمات في الأراضي والمنشآت الحيوية السعودية. وقد سبق للشرع بعد أيام من وصوله دمشق، أن تحدّث بصراحة عن أن التحوّل الجديد في سورية وضع حدّاً للتدخّلات الإيرانية في المنطقة، وهذا يلتقي مع توجّهات السعودية، وعدد من بلدان الخليج العربي، التي بقيت تنظر بقلق كبير إلى هذا الدور بسبب مشاريع إيران التوسّعية في العالم العربي، ومحاولاتها إثارة النزعات الطائفية بما يخدم مصالحها في الهيمنة الأمنية والسياسية والاقتصادية.
- العربي الجديد