بعد مرور عشرة أيام على تسمية إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع رئيسا للجمهورية العربية السورية خلال المدة الانتقالية، يمكن القول إن الشرع تلقى دعما سياسيا في المنطقة من خلال ثلاثة لقاءات جمعته على التوالي، بكل من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في دمشق وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض والرئيس التركي رجب طيب اردوغان في أنقرة. كما تلقى اتصالات بكل من الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز. والتقى عشرات الناشطين السوريين ورجال الأعمال من بلدان الاغتراب واللجوء.
في الوقت نفسه، تواجه السلطات السورية الجديدة عدة أزمات خصوصا اقتصادية متعلقة بسعر صرف الليرة مقابل الدولار والفارق الكبير بين سعر البيع المحدد في البنك المركزي والسوق السوداء، هذا التفاوت تسبب بانخفاض القوة الشرائية لليرة السورية وارتفاع أسعار السلع في الأسواق بشكل مخيف في بلد يعاني ويلات الحرب والعقوبات وشح الموارد.
على الصعيد العسكري، تعكف وزارة الدفاع على إعادة تشكيل فرق عسكرية في المحافظات السورية، وتسمية رؤساء للإدارات هم من الضباط المنشقين الملتحقين أساسا في إدارة العمليات العسكرية. ورغم عدم الإعلان بشكل رسمي عن الهيكل التنظيمي للوزارة فمن الواضح أنها تعتزم تشكيل فرق تستوعب المقاتلين في المحافظات بشكل أولي قبل الانتقال إلى بناء فرق متخصصة حسب صنوف العتاد والأسلحة.
وتناقلت وسائل إعلام محلية، أخبار تعيين هيثم العلي والمعروف باسم أبو مسلم آفس، قائدا لفرقة حمص، وهو قائد لواء علي بن أبي طالب في هيئة «تحرير الشام» سابقا. وتعيين العقيد بنيان الحريري قائدا لفرقة درعا، وهو قيادي في حركة أحرار الشام ويعتبر من أبرز الأكاديميين العسكريين في الحركة، وهو من القادة من ذوي السمعة الطيبة ويحظى بإجماع في المحافظة الجنوبية.
كما كُلف رائد عرب، قائدا لفرقة الدبابات في الجيش السوري وهي الفرقة السابقة المتمركزة في منطقة الفرقلس بريف حمص الشرقي، ويشغل عرب بنفس الوقت قيادة فرقة البادية المنتشرة في بلدة تدمر ومحيطها، وينحدر من بلدة السخنة بريف حمص الشرقي، وتلعب الفرقة الحالية دورا مهما للغاية في ملاحقة عناصر وخلايا تنظيم «الدولة الإسلامية» في البادية السورية، إضافة إلى رصد وتأمين الطرق البرية التي تربط شرق البلاد بالداخل السوري.
وعين القيادي العسكري البارز في فيلق الشام، محمد غريب (أبو أسيد حوران) قائدا عاما لفرقة إدلب، ومن المتوقع أن تنتشر الفرقة بالقاطع الشرقي لمحافظة إدلب وهي المنطقة المفتوحة على البادية أيضا، وتقع على عاتق الفرقة مهمة حماية الطرق البرية وخط سكة القطار ومنع تسلل عناصر تنظيم «الدولة» باتجاه عمق محافظة إدلب غرباً.
في حين كلف القيادي في أحرار الشام العميد المهندس عناد الدرويش مسؤولا للشؤون الإدارية، وهي إدارة بعيدة عن اختصاصه كمهندس عسكري خريج الأكاديمية العسكرية. وكان قائد جيش النصر في ريف حماة الشمالي، العميد محمد منصور قد كلف بإدارة شؤون الضباط في وزارة الدفاع.
كما سمي محمد الجاسم أبو عمشة قائدا للفرقة 25، حسب ما جاء في بيان له على منصة «اكس»، شكر من خلاله الرئيس أحمد الشرع ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان.
وأشارت مصادر «القدس العربي» في إدلب إلى أن الوزارة شكلت لجان جرد للأسلحة والذخائر وبدأت تجول على الفصائل لحصر أعداد السلاح والأصول المادية في المستودعات.
ويتعرض وزير العدل القاضي شادي الويسي إلى انتقادات في أوساط الحقوقيين والقضاة، خصوصا بعد تعيينات القضاة التي أعلنها في أول أيام توليه العمل والمتعلقة بمحكمة النقض وتسمية «رؤساء عدليات» ومحامين عامين في المحافظات، وأشار قاض منشق سابق عن النظام، فضل عدم ذكر اسمه، إلى «عدم وجود مسمى لرئيس دائرة عدلية ولا يوجد في قانون السلطة القضائية هكذا اسم، ولذلك ارتكب وزير العدل مخالفة قانونية حيث يجب إحداث قانون حتى يستند إليه في قرار التعيين».
وفيما يتعلق بالتعيينات لفت القاضي إلى أنه «لا يمكن تعيين قاض إذا كان لا يحمل إجازة القانون، والوزير عين حاملا لإجازة الشريعة رئيسا لمحكمة النقض وهذه مخالفة لقانون السلطة القضائية» وتابع القاضي مستهجنا «المشكلة هنا أن مهمة وزارة العدل هي حفظ القانون وتطبيقه وللأسف أصبحت أول المخالفين للقانون». وعن المبررات والتذرع بغياب الدستور ختم القاضي «القضية الدستورية تعالج بالدستور ولا تعالج بقرار إداري».
وواجهت قرارات تشكيل فروع نقابة المحامين عدة انتقادات منها وجود محامين عرفوا بتأييدهم الصريح للنظام السوري كما هو الحال في فرع دمشق، حيث جرى تعيين المحامي محمد جلال التش أمينا لسر فرع نقابة دمشق في حين عين المحامي المعارض المعروف محمد سليمان دحلا رئيسا للفرع وهو ما يضع إشارات استفهام على طريقة تشكيل تلك الفروع.
وفي السياق علق المحامي أيمن أبو هاشم على قرارات حل وتشكيل مجالس الفروع، ووصف القرارات التي صدرت بحق حل مجالس نقابات المحامين في سوريا بـ«المحقة ومطلب مشروع بسبب ارتباط تلك المجالس بالنظام بصورة عضوية واستخدامها من قبله في سبيل التغطية على الكثير من الانتهاكات التي قام بها تجاه الشعب السوري»، واستدرك أبو هاشم في اتصال مع «القدس العربي» أن هناك مشكلة في كيفية العمل على إنشاء البدائل عن هذه المجالس، مضيفا «أعتقد أن هناك مشكلتين، المشكلة الأولى، القرارات التي قضت بتشكيل مجالس جديدة في نص القرار نلاحظ أن الإدارة السياسية بالتنسيق مع مجلس النقابة هي من قامت بتعيين مجالس الفروع في دمشق وغيرها».
موضحا أن ذلك «غير جائز من حيث المشروعية، لأن مهنة المحاماة كغيرها من المهن، وأيضا النقابات في سوريا، الدفاع عن استقلاليتها هو المبدأ الأساسي. ولا يجوز لأي جهة سياسية أو أمنية أن تتدخل في أي عمل له علاقة بتشكيلات هذه المجالس، حفاظا على تلك الاستقلالية».
وأشار إلى المشكلة الثانية في هذه القرارات أن هذه المجالس كان يجب أن يتم «انتخابها من قبل الهيئة العامة وهي المحامون. هذا هو الأمر المعروف الذي تنص عليه أيضا البنود الواردة في قانون تنظيم مهنة المحاماة»، عن الأسباب والظروف الطارئة التي تمر بها البلاد ولا تساعد في عملية الانتخاب بسبب التهجير وعدم مقدرة أعداد كبيرة من المحامين على المشاركة، رأى أن الحل يكون في «تشكيل لجان تحضيرية تتولى إدارة مجالس الفروع، والتحضير للانتخابات، هذا هو الإجراء الأسلم والأفضل، والذي يتناسب فعلا مع مبدأ المشروعية، ومع مبدأ سلامة قرارات من هذا النوع».
وفي سياق منفصل، مصدر في نقابة فرع محامي دمشق الجديدة فضل عدم ذكر اسمه، قال لـ «القدس العربي» إن قوائم مرشحي الأفرع «ضمت العاملين في مجالس فروع النقابات في المناطق المحررة سابقا في الشمال السوري» ولفت إلى أن أغلب الأعضاء لم تتم استشارتهم في الترشيح الذي تشاورت به النقابة المركزية مع الإدارة السياسية».
في حين اعتبر المحامي المعروف عارف الشعال القرار الصادر عن النقابة المركزية مخالفا لقانون تنظيم المهنة، لأن حل مجالس الفروع وتنصيب بديل عنها محصور بيد مجلس الوزراء، وكان من المفروض أن تسعى النقابة المركزية لاستصدار القرار من تلك الجهة حتى يكتسب المشروعية اللازمة، لا أن تتذرع بتكليف الإدارة السياسية لها، لأن التكليف الذي استلموا به النقابة أصلاً، تكليف شفهي غير مكتوب.
وتساءل في منشور على صفحته الشخصية على منصة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» حول «المعايير التي اعتمدها مجلس النقابة بانتقاء الأعضاء الجدد والتي لاقت انتقادا واسعا من شيوخ بالمهنة، ولا سيما تسمية أمين السر المعروف بولائه الشديد للطغمة الأسدية»، حسب وصفه.
وحول قانونية التكليف، والانتقادات الموجهة لقرار تشكيل فروع النقابات وافق المصدر في فرع دمشق أن التكليف يجب أن يصدر قانونيًا من مجلس الوزراء، وعزا الأمر إلى الضغوط الكبيرة على مجلس الوزراء في هذه المرحلة، «ففوضت الإدارات السياسية في المحافظات بالتشاور مع النقابة المركزية وإعلان التشكيلات». وفيما يتعلق بالانتقادات التي طالت عضوية المحامي التش، أكد المصدر أن مجلس النقابة المركزي «أخذ بتلك الاعتراضات على محمل الجد ويبحث في أمرها».
يجدر الذكر، أن المحاميات غبن عن تشكيلات الفروع الجديدة باستثناء فرعي حماة والقنيطرة، حيث تم ضم محامية واحدة في كل منهما.
وفي إطار عمل وزارة العدل، تداول ناشطون سوريون قرارا صادرا عن محكمة جسر الشغور في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، في 2 شباط (فبراير) الحالي، يقضي بالحبس لمدة «ثلاثة أشهر وستين جلدة مقسمة على دفعتين متساويتين» وقالت المحكمة في قرارها إن التهمة هي «السرقة غير الحدية»، أي السرقة التي يطبق بها الحد القائل بقطع يد السارق لعدم توافر شروط تطبيق الحد، وأثار القرار ردود فعل غاضبة من النشطاء السوريين الذين ينتقدون وزير العدل شادي محمد الويسي باستمرار، خاصة بعد إعادة نشر فيديو قديم يظهر فيه الويسي مشرفا على قتل امرأة سورية في مدينة معر تمصرين بإدلب قبل سنوات.
من جهة أخرى، نفى رئيس محكمة جسر الشغور التابعة لوزارة العدل السورية، القاضي محمد طاهر عتيق اعتماد الحكم الذي يقضي بجلد متهم 60 جلدة رسميًا، موضحًا أن عمل الوزارة لم يستقر بعد بسبب تشكيل لجان قانونية لمراجعة القوانين وأن قرارات محاكم بداية الجزاء قابلة للاستئناف.
اللافت في كل التغييرات الصادرة في سوريا، أن رئيس الجمهورية العربية السورية في الفترة الانتقالية أحمد الشرع لم يصدر أي قرار منذ تسميته رئيسا من قبل إدارة العمليات العسكرية وباقي الفصائل في 29 كانون الثاني (يناير) الماضي. في حين أصدر قرار تكليف حكومة الإنقاذ بتسيير الأعمال بدلا من حكومة النظام السابق، وترفيع القادة العسكريين ومنحهم رتبا بمن فيهم المقاتلون الأجانب، وتسمية وزراء الخارجية والدفاع ورئيس الأركان العامة ورئيس الاستخبارات الوطنية. وحسب قرار تكليفه من إدارة العمليات العسكرية فإن الأولوية هي لتشكيل «مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية، إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذ». إلا أن بقاء الشرع رئيسا مؤقتا بدون إعلان دستوري والانتظار إلى تشكيل مجلس تشريعي مؤقت يعني استمرار الفراغ وعدم منع الوزراء من ارتكاب أخطاء كبيرة كحال التي تحصل في وزارة العدل والمجال القضائي.
- القدس العربي