دمشق ـ «القدس العربي»: مع انطلاق اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، أمس الأحد، من قصر الثقافة في مدينة حمص، بمشاركة شخصيات وفعاليات مجتمعية، وتأكيد عضو لجنة الحوار هدى الأتاسي على أن الدعوات إلى المؤتمر لن توجه إلى «أي تكتل أو مجلس أو حزب وإنما سيشارك السوريون فرادى كمواطنين» تحدث رئيس حركة التجديد الوطني عبيدة نحاس عن «أزمة ثقة بين القيادة الجديدة والقوى السياسية» معتبراً الحوار «ضرورة من أجل صناعة المستقبل» ومشدداً على «انفتاح» القيادة الجديدة على الجميع، وأن «تضع القوى السياسية من جانبها «الأنا» جانباً وتتعامل بإيجابية من أجل الصالح العام» في حين أكد الناطق باسم حركة «التغيير الديمقراطي» منذر خدام أن «عدم دعوة الكيانات السياسية والمجتمعية هو خطأ لا يمكن تبريره» موضحاً أنه «ليس من المعلوم بعد ما إذا كان العهد الجديد يؤمن فعلا بتشكيل الأحزاب» وأن المعارضة «كانت تأمل أن يكون مؤتمر الحوار بمثابة جمعية تأسيسية كاملة الصلاحيات فصار مجرد مؤتمر استشاري غير ملزم ما يصدر عنه».
المحافظات ترشح ممثليها
وفي باكورة عمل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، انطلقت أمس، من قصر الثقافة في مدينة حمص، اجتماعات اللجنة مع شخصيات وفعاليات مجتمعية، على أن تتبع جولة المشاورات هذه جلسات مشابهة في طرطوس واللاذقية والسويداء وحلب وجميع المحافظات السورية.
واستبقت عضو لجنة الحوار هدى الأتاسي اجتماع الأمس بتصريحات أكدت فيها أن اللجنة ومنذ تشكيلها واصلت عقد اجتماعات مكثفة للتحضير للمؤتمر.
وأوضحت أن اللجنة «تواصلت مع المحافظين لتوجه الدعوات إلى جميع مكونات المحافظات السورية من السيدات والشباب ورجال الأعمال ورجال الدين وبتمثيل شامل لكل المكونات» مشيرة إلى أن عدد المشاركين في المؤتمر لم يتحدد بعد وأن الأمر سيتضح بعد انتهاء المشاورات في المحافظات.
وقالت في تصريحها لقناة «سوريا» إن محاور مؤتمر الحوار لم توضع بعد وهو أمر متروك أيضاً لنتائج جولات التشاور في المحافظات.
أوليات المؤتمر
وذكرت أنه و«منذ بداية التحرير والجلسات الحوارية لم تتوقف، وكنا على إطلاع عليها، وأصبحت لدينا فكرة واضحة عن ماذا يتحدث السوريون في هذه اللقاءات يومياً» مشيرة إلى أن «أكثر ما يهم السوريين اليوم العدالة الانتقالية، وكتابة الدستور، والأمن والسلام، والوضع الاقتصادي والخدمات هي الشغل الشاغل للسوريين».
وبينت أنه سيكون للمرأة دور فاعل في جميع مناحي الحياة وليس فقط ضمن المؤتمر، ولكن «حسب الكفاءة، وبكل المشاورات التي نجريها لدينا نسبة معينة (كوتا) من النساء يجب أن تشارك وجاءتنا أسماء عديدة لسيدات من المحافظات المختلفة وراضون من عدد الترشيحات التي وصلتنا والمتوقع أن يشاركن في مؤتمر الحوار».
وأكدت أن «كل محافظة لديها وجهاؤها وأعيانها ومثقفوها وفنانوها ورجال الدين، والمحافظات هي التي سترشح ممثليها إلى المؤتمر، مع التشديد على أن يكونوا ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء ومن المخلصين لوطنهم وشعبهم».
وعن الانتقادات التي وجهتها «الدارة الذاتية» في مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية ـ قسد» لعدم وجودهم في اللجنة التحضيرية للحوار، وأن ذلك بمثابة إقصاء وتهميش لهم، قالت: «لم تتم دعوة أحد حتى اليوم، ومع ذلك هم يتهموننا بالتهميش فعلى أي أساس يتهموننا ونحن سوف نزور المحافظات كلها ولن نستثني أي مكون من مكونات الشعب؟» لكنها أردفت بالقول: «إن المدن الخارجة عن السيطرة لن نستطيع زيارتها بالطبع لأنهم لم يرموا السلاح بعد، ولم ينضموا إلى الجيش الوطني، وهذه المنطقة التي ليست تحت سيطرة حكومة دمشق لن نستطيع زيارتها».
نحاس دعا لوضع «الأنا» جانباً والتعامل بإيجابية… وخدام: عدم دعوة الكيانات السياسية خطأ لا يمكن تبريره
وأضافت: «هذا لا يعني أننا لن نجري سلسلة مشاورات مع الأخوة الأكراد من الحسكة والرقة والقامشلي فهم موجودون في جميع المحافظات السورية، ونحن تواصلنا معهم وسوف يكون معهم أكثر من لقاء» موضحة أن الأمر اقتصر حتى الآن على «توجيه الدعوة للقاء وهم سيلبونها ونحن بانتظار تحديد موعد اللقاء».
وفي تصريحات سابقة له، أعلن الناطق باسم اللجنة التحضيرية للحوار الوطني حسن الدغيم أن «مؤتمر الحوار لا يحمل طابعاً عسكرياً حتى تشارك فيه قوى عسكرية أو سياسية تابعة لقوى مسلحة أو ممثلون عن قوات سوريا الديمقراطية».
لا تكتلات ولا أحزاب
وبينت الأتاسي أنه «لن توجه الدعوات للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني لأي تكتل أو مجلس أو حزب» مشيرة إلى أن «السوريين سيأتون إلى المؤتمر فرادى كمواطنين، كما سندعو ممثلين عن القبائل والعشائر وعن السوريين في الخارج وستوجه الدعوات بناء على الكفاءة».
وفي تصريح خاص لـ«القدس العربي» اعتبر رئيس حركة التجديد الوطني عبيدة نحاس أن «هناك أزمة ثقة بين القيادة الجديدة في سوريا وبين القوى السياسية، وهذا مفهوم نظراً للخلفية الثورية المتباينة التي أتى منها الطرفان: العسكرية الأمنية من جهة، والسياسية من جهة أخرى».
وقال: «كان يُفترض بلقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع شخصيات سياسية الأسبوع الماضي أن يفتح الباب أمام إنهاء الحالة غير الصحية هذه، وبث الإيجابية في الأجواء السياسية في البلاد، والاعتراف بنضالات الشعب السوري كله طوال 61 عاماً من الدكتاتورية والاستبداد».
وأضاف: «ما كنا لنصل إلى ما وصلنا إليه من الثورة والتحرير، من دون تضحيات جسيمة وتراكمية قدمها جميع فئات شعبنا الذين اعتُقلوا أو فُقدوا أو عُذبوا أو قتلوا، وبينهم مناضلون مجتمعيون وسياسيون، وبعضهم قضى في سجون النظام البائد سنوات بل عقوداً في سبيل حرية هذا الشعب، وتُوج هذا كله بدخول الثوار السوريين إلى دمشق وتحرير البلاد من الطغمة البائدة في يوم الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي».
الحوار وصناعة المستقبل
وشدد على أن «الحوار الوطني اليوم ضرورة من أجل صناعة المستقبل، ولذلك نوجه النداء إلى اللجنة التحضيرية ومن ورائها رئاسة الجمهورية بضرورة الانفتاح على الجميع في سورية من مكونات مجتمعية (دينية، ومذهبية، وإثنية) وكذلك التيارات السياسية، وجميع المناطق والمحافظات دون استثناء».
وتابع: «في الوقت نفسه فإننا كذلك نرى أن من واجب الشخصيات والقوى السياسية السورية جميعها أن تضع «الأنا» جانباً وتتعامل بإيجابية مع الحوار الوطني من أجل الصالح العام، بغض النظر عن صيغة الدعوات وطريقتها، فالأهم هو المخرجات التي ستصدر عن الحوار الوطني، وليس الشكل فقط».
وأضاف: «أذكر هذه القوى أن المعارضة السورية السابقة، وباعتبار لم تعد هناك معارضة وموالاة بعد التحرير وسقوط الأسد، قد خاضت لسنوات مفاوضات مع النظام البائد على أمل الوصول إلى حل سياسي للبلاد، فكيف إذا كان الحوار الوطني اليوم بين أبناء البيت الواحد والشعب الواحد، فحري بنا جميعاً أن نغلب المصلحة الوطنية في هذه المرحلة الشائكة والحساسة».
استكمال البنية الدستورية
وعما يأمله من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، قال: «إذا كان القصد أن يصبح المؤتمر مناط الشرعية الدستورية الجديدة، فالأصل أن يصدر المؤتمر قرارات وليس مجرد توصيات، وإن كنا ما زلنا نرجح حسن النية لدى الجميع، ونأمل أن يساعد الحوار في استكمال البنية الدستورية والقانونية للدولة السورية الجديدة، والشعب في النهاية سيحكم على الأفعال وليس الأقوال».
وتابع: «يجب أن لا ننسى أنه ما زال أمامنا كسوريين مهمة التوصل إلى «إعلان دستوري» يؤطر المرحلة الانتقالية بعد اعتبار دستور 2012 لاغياً، وتشكيل مجلس تشريعي انتقالي يراجع القوانين السورية لتثبيتها أو تعديلها أو استبدالها أو إلغائها، وكذلك حكومة انتقالية معترف بها دولياً» مشدداً على أنه «بغير ذلك نخشى أن لا يحصل الاعتراف الدولي الكامل بالسلطة الجديدة، وأن تتخذ بعض الدول ذلك ذريعة لعرقلة رفع العقوبات الظالمة المستمرة حتى الآن، وأن يتأخر تدفق الاستثمارات والهبات والقروض لحل أزمات البلد المعيشية والخدمية والاقتصادية والسياسية، والخلاصة أن الوقت عامل مهم في القطيعة مع حقبة النظام البائد، والانتقال إلى المستقبل».
نحاس الذي عاد من لندن واستقر في دمشق بعد إسقاط نظام الأسد، توافق مع موقف دمشق بالنسبة لمشاركة «مسد» و«قسد» في العملية السياسية، وقال: «لا أعرف كيف يمكن أن تتم مشاركتهما قبل أن تعلنا إلقاء السلاح والتخلي عن الارتباطات الخارجية، والقبول بالاندماج في الدولة الجديدة، منعاً لتقسيم سوريا، وهذا هو الطبيعي».
وأضاف: «لا بد أن يدرك الجميع أنه لا تفاوض على سوريا الموحدة، ويجب الاعتراف بالواقع الجديد الذي أفرزته الثورة، وهو تشكل قيادة جديدة في دمشق تمثل الشعب السوري كله، وليس مجرد فئة متسلطة كان يمثلها النظام البائد الذي ذهب إلى غير رجعة، ولا مناص من التخلي عن المشروعات الانفصالية والخارجية، والقبول بالمشروع الوطني السوري العام».
خطأ لا يمكن تبريره
الناطق الرسمي باسم حركة «التغيير الديمقراطي» منذر خدام انتقد بشدة إصرار القائمين على تنظيم مؤتمر الحوار بعدم دعوة الكيانات السياسية للمشاركة فيه.
وقال في تصريح خاص لـ«القدس العربي» إن «عدم دعوة الكيانات السياسية والمجتمعية هو خطأ لا يمكن تبريره، وقد يكون أحد الأسباب هو عدم الاعتراف بها، فلا صدور قوانين تنظم عملها، وقد يكون من الأسباب أن لا تضع نفسها في موقف محرج إذا لم تدع الاحزاب الشيوعية مثلاً».
وتابع: «إن توجيه الدعوات لأفراد يعطي اللجنة مساحة أوسع للقاء مع من تريد من دون أن لا ننسى أن أغلب أعضاء اللجنة من خلفية إسلامية، وأضف لذلك أن مباشرة اللجنة للحوار يخالف ما أفصحت عنه بأن مهمتها تنحصر في الإعداد للمؤتمر الوطني وإدارة الحوار فيه».
وبين خدام المقيم في مدينة اللاذقية على الساحل السوري أن «ما سمي بمؤتمر النصر تم فيه تطبيق القاعدة «من يحرر يقرر» وهنا كان التعامل مع فصائل مسلحة، أما بالنسبة للأحزاب السياسية فالأمر يختلف، وليس من المعلوم بعد ما إذا كان العهد الجديد يؤمن فعلا بتشكيل الأحزاب» مشيراً إلى أن من كان يصنف كمعارضة في عهد النظام السابق «كانت تأمل أن يكون المؤتمر بمثابة جمعية تأسيسية كاملة الصلاحيات، فصار مجرد مؤتمر استشاري غير ملزم ما يصدر عنه».
واعتبر «عدم إشراك قسد ومسد خطأ كبيراً، وربما تأثير تركيا له علاقة بذلك» مشيراً إلى أن «عدم دعوتهما سوف يعقد الحل مستقبلاً».
المتحزبون سيقاطعون
وبين خدام أنه «ومن خلال معلوماتي فإن كثيراً من الأحزاب السياسية لن تسمح لأعضائها بالمشاركة بصفتهم الشخصية، وكنت قد وجهت أكثر من نداء لها لتكوين جبهة معارضة وشاركنا باسم حركة التغيير الديمقراطي في لقاء مقهى الكمال إلى جانب أكثر من عشرين كيانا سياسيا».
واعتبر أنه «وللأسف لا تزال القيادة الحالية تعمل بدلالة الخارج وهي تتعرض لضغوطات كثيرة وكان يمكن أن تستقوي بشعبها ومنظماته السياسية والمدنية، لكنها لم تفعل، وهي في إنهاء بناء الجيش والأجهزة الأمنية وقعت في أخطاء وتعرض نفسها لانتقادات وضغوطات كانت بغنى عنها». وقال: «بالنسبة لي ارتكبت الحكومة الحالية أخطاء كثيرة خصوصاً لجهة تسريح مئات الآلاف من الموظفين والعاملين، وهي إذ فعلت دفعت بكتل بشرية كبيرة لمعاداتها وهذا أمر خطير، كما أنها بأضعافها للقوة الشرائية من جراء حبس السيولة دفعت الاقتصاد نحو الكساد».
وختم بالقول: «بالنسبة لي الأكثر أهمية هو تشكيل الحكومة المقبلة، فهل سوف تكون من خبراء وذات تمثيل واسع؟ وأيضا مهم تكوين المجلس التشريعي المؤقت ولجنة إعداد الدستور، والدستور ذاته».
- القدس العربي