ضعف التنمية الإنسانية
إنّ التنمية المستدامة التي تسعى إلى تحقيق حاجات المغرب العربي حاضرا وتأمين استمرارها مستقبلا، بما هي نمط ثقافي له أبعاد اجتماعية واقتصادية وبيئية ومؤسساتية، تواجه اليوم تحديات وعقبات على مستوى ثقافة التنمية السائدة وعلى مستوى المؤسسات وإدارة الشؤون العامة في كل قطر مغاربي.
(1) – مؤشرات ضعف التنمية الإنسانية المغاربية
ثمة مؤشرات كثيرة تدل على ضعف عملية التنمية الإنسانية المغاربية استنادا إلى معظم، إن لم يكن كل، مؤشرات هذه العملية. إذ أنّ الجزء الظاهر من هذه المشكلة يتمثل في الفقر واللامساواة ( المعدل المتوسط للفقر يصل إلى 18 بالمائـة )، لكنّ الفقر في الحقيقة ليس سوى جزء من المشكلة، فإلى جانبه هناك مؤشرات كثيرة: ضعف مستوى الرعاية الصحية، وتراجع واضح في فرص التعليم الجيد، وضعف في سياسات الأمان الاجتماعي.
وتبيّن المؤشرات الأساسية للتنمية المغاربية لسنة 2006 ما يلي:
– النسبة المئوية لمعدل النمو السنوي للسكان: 1.63 بالمائة.
– النسبة المئوية للمجموعة العمرية أقل من 14 سنة: 31.6 بالمائة من مجموع السكان البالغ 82 مليون نسمة.
– الناتج القومي الإجمالي للفرد بالدولار: 3004 دولار.
– العمر المتوقع عند الولادة: 68.8 سنة.
– معدل البطالة خلال الفترة 2000 – 2003: 16.3 بالمائة.
– صافي نسبة القيد في التعليم الابتدائي لسنة 2003: 89.2 بالمائة.
– صافي نسبة القيد في التعليم الثانوي لسنة 2003: 46 بالمائة.
(2) – معوّقات التنمية المغاربية
ما هي المعوقات التي تحد من انطلاقة المغرب العربي ليأخذ دوره الطبيعي كقوة اقتصادية وسياسية وبشرية مؤثرة على الساحة العالمية ؟ وما هي الأسباب التي تؤدي إلى تعثر محاولات التنمية المغاربية ؟
إنّ الموقف الإجمالي في المنطقة بعيد تمام البعد عن كونه مُرضياً, حيث يعتمد اقتصاد الجزائر وليبيا على صادرات النفط والغاز، كما يعتمد اقتصاد المغرب إلى حد كبير على الإنتاج الزراعي ( والذي يتأثر بالطقس على نحو واضح ) والتحويلات النقدية من المغتربين، بينما تعتمد تونس على الطلب من قِبَل المستهلك الأوروبي وعلى السياحة.
ولاشك أنّ عدم تجانس التشريعات الاقتصادية يحد من الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، ويفقدها في المتوسط 2.5 في المائة من الناتج الإجمالي بسبب إغلاق الحدود وضعف التجارة البينية.
ومن جانب آخر لا يوجد في مغربنا العربي أسلوب عمل الفريق، ولذا لا نجد الأنظمة السياسية والاقتصادية تبحث عن التكامل والشراكة في مجال الصالح العام، بل كل فرد أو مجموعة يعمل لصالحه الخاص. إنّ غياب هذا النمط من التفكير على المستوى السياسي والمجتمعي والأسري يؤثر على عملية التنمية التي تحتاج دوما إلى تضافر الجهود العامة والخاصة.
وأخيرا يكمن أحد التفسيرات الرئيسية لتعثر التنمية المغاربية في افتقارها إلى التكامل, ففي أوروبا ومناطق أخرى من العالم يعمل التكامل الإقليمي بالتدريج على تغيير البيئة السياسية، وتعزيز ثقة المجتمعات بنفسها وثقة العالم بها. والحقيقة أنّ بعض الشروط الأساسية اللازمة للشروع في عملية التكامل الإقليمي متوفرة بالفعل في الأقطار المغاربية، لكنّ الأمر يحتاج إلى تناول جديد. وتتلخص الوسيلة الوحيدة لتفعيل التكامل في خلق كيان إقليمي مغاربي, وقد يساعد إحياء اتحاد المغرب العربي في خلق هذا الكيان الجديد, لكنّ تصميمه الذي يتجه من القمة إلى القاعدة يعيق فعاليته.
سياسات القوى الدولية في المغرب العربي
المنطقة المغاربية توجد في قلب التوازنات الدولية، من حيث كونها تمثل امتدادا حيويا للمجال الأوروبي، وبوابة رئيسية للقارة الإفريقية وللدائرة الشرق أوسطية.
إنّ سياسات القوى الدولية ترى في المنطقة خزانا نفطيا، وموقعا استراتيجيا، فضلا عن كونها سوقا للسلاح بامتياز. لكنّ معطيات إقليمية ودولية أصبحت أكثر تأثيرا في ترسيم راهن المنطقة ومستقبلها، وتملي الإذعان لتنازلات أو مساومات التحوّل البارز في مسار العلاقات الأوروبية ـ الأميركية. ففي سباق محموم تتنازع الدول المغاربية الخمس استراتيجيتان: أولاهما، قديمة نسبيا، وهي الاستراتيجية الأوروبية التي تتعامل مع هذه المنطقة من منطلقين:
أولهما، توسيع نفوذ أوروبا الاقتصادي والسياسي لتعزيز قدراتها التنافسية مع بقية التكتلات الإقليمية. وثانيهما، وضع حد لمعدلات الهجرة المغاربية والأفريقية المتصاعدة تجاه أوروبا، خصوصا بعدما تحولت إلى صداع ينخر في رأس القارة العجوز ويسبب لها ارتباكات اقتصادية وأمنية شتى.
وثانيتهما، الاستراتيجية الأمريكية التي بدأت تتشكل ملامحها منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، عبر مشروع شراكة أمريكية – مغاربية حول السياسة الاقتصادية، وتحقيق الاندماج المغاربي، وإرساء تعاون اقتصادي يقوم على التبادل الحر، وإسناد دور أساسي للقطاع الخاص مع إجراء الإصلاحات الضرورية للنهوض بهذا القطاع.
لقد حدد // السفير الأمريكي في تونس روبرت كوديك، في لقاء المنتدى الدولي لمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات في يونيو/حزيران 2008، أولويات بلاده في المنطقة في أربع نقاط: تبدأ بدعم التعاون وتحقيق الرفاهية الاقتصادية، إلى جانب تحقيق الإصلاح والانفتاح السياسي، وتحقيق الاستقرار في وجه التطرف والعنف، وأخيرا مواجهة التحدي الأكبر في تحقيق التعاون الإقليمي. ولاحظ السفير الأمريكي أنّ العنف والتطرف خطر حقيقي في المنطقة، وأنّ الإرهاب قد يكون التهديد الأكبر للمغرب العربي، وهو ما يحتم – على حد تعبيـره – درجة أكبر من التعاون الإقليمي على مختلف المستويات، ولاسيما الأمني لمواجهة هذا الخطر. وقال: إنّ ظهور تنظيم القاعدة في " المغرب الإسلامي " وتفاقم ظاهرة انضمام شباب من شمال أفريقيا إلى شبكة القاعدة جعل من دعم التعاون الأمني أمرا حيويا.
وفي الواقع، تتجلى أهمية المغرب العربي، بالنسبة للبنتاغون، في كونه يقع في منطقة حساسة عسكرية للمخططات العسكرية الأمريكية، فهذه المنطقة تطل على البحر الأبيض المتوسط الذي يمر منه خمس التجارة الدولية ويبحر فيه باستمرار الأسطول السادس. أما وزارة الخارجية الأمريكية فترى في المغرب العربي منطقة حيوية سياسيا، في محاولة لتحجيم دور الاتحاد الأوروبي، الذي يهدد زعامة الولايات المتحدة الأمريكية مستقبلا.
وكان طبيعيا، وسط موجات الاستقطاب الأمريكي المتلاحقة للدول المغاربية، أن تعيد أوروبا النظر في علاقتها بهذه الدول، لتضخ في شرايينها دماء جديدة. ولذلك لجأت، وتحديدا فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال ومالطا، إلى إعادة إطلاق مبادرة الحوض الغربي للبحر المتوسط والتي تضم معها الدول المغاربية الخمس (تونس والجزائر، والمغرب، وليبيا وموريتانيا). وركزت على عدة رهانات تشكل في مجموعها عناصر قوة أو دفع للتعاون الأورو – متوسطي، ومن أهمها الرهان البشري الذي يكتسب أهميتة من الطموح إلى حل مشكلة الهجرة من الجنوب إلى الشمال، بطرح بدائل منها تنمية جنوب المتوسط، من خلال تدعيم الاستثمار الأجنبي والحد من الآثار السلبية للعولمة وتكريس الاندماج الاقتصادي. وهذان الرهانان، البشري والتنموي، يقودان حتما إلى الرهان الأمني، بالتعاون من أجل استئصال جذور الإرهاب، وتجفيف مصادر تمويله.
ومن جهة أخرى، فقد اختار التحالف الأمريكي – الأوروبي حلف الأطلسي ليكون مدخلا وأداة لترتيب الأوضاع في الشمال والغرب الإفريقي، في إطار حملته العالمية ضد الإرهاب. واعتمد مبدأ الشراكة والتسهيلات التي توفرها تنظيمات حلف الأطلسي، بديلا عن إقامة قواعد عسكرية ثابتة تثير كثيرا من المشكلات داخل التحالف ودول الجوار، واستخدام مصطلح " الفضاء المتوسطي ". على أن يكون لهذا الفضاء عمق أفريقي، يمتد من ساحل المحيط الأطلسي عبر الصحراء الأفريقية إلى ساحل البحر الأحمر والمحيط الهندي, والملاحظة هي أنّ هذا العمق يتداخل ويتقاطع مع الفضاء الذي يعمل فيه تجمع الساحل والصحراء.
أهم المفارقات في المغرب العربي
إنّ الجارين المغاربيين، الجزائر والمغرب، يلتقيان تحت مظلة منظومة 5+5 بين الدول الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط، وينضويان تحت لواء الحلف الأطلسي في توجهاتهما الأمنية، إلا أنهما يعجزان عن اللقاء تحت سقف المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة. والمفارقة في حسابات البلدين أنّ ما عجز عنه الاتحاد المغاربي، الذي يعتبر بكل المعايير الموضوعية والروابط التاريخية والامتداد الجغرافي أقرب إلى انتسابهم الطبيعي، يراد أن يكون الاتحاد المتوسطي بديلا عنه.
ومن المفارقات أنّ بلدان الجوار المغاربي، في الضفة الشمالية للبحر المتوسط، يعتمدون مقاربات في الحوار مع الأقطار المغاربية تضع في الاعتبار مخاطر تنامي التطرف والهجرة غير الشرعية والإرهاب والجريمة المنظمة، بينما المغاربيون يعيشون في عصر آخر تسيطر فيه الخلافات السياسية، على حساب الضرورات الأمنية والإنمائية والاستراتيجية.
إنّ أوروبا تريد للمغرب العربي أن يتوجه نحو حد أدنى من الوحدة، ليضمن نوعا من الازدهار، الذي يدفع المهاجرين الأفارقة إلى البقاء في شمال أفريقيا بدل العبور إلى أوروبا. وإذا تحقق ذلك، تكون الأقطار المغاربية قد اضطرت إلى طريق الوحدة، لا خدمة لشعوبها أو لتحقيق أحلام المغرب العربي الموحد، بل ستفعل ذلك لحماية المصالح الأمنية الأمريكية والأوروبية.
كيفيات التعاطي المجدي مع التحديات
يبدو جليا اليوم أنه بات من المستحيل للدول المغاربية مواجهة تحديات العولمة، بما تنطوي عليه من قوى احتكارية متوحشة، بالاعتماد فقط على السياسات الوطنية في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. مما يفرض عليها تكثيف الجهود من أجل إحداث نقلة نوعية في العمل التكاملي والاندماجي المغاربي.
فلم يعد معقولا ولا مقبولا، ونحن نشاهد ما يجري في العالم، أن نواصل التعامل مع قضايانا التاريخية وإشكالاتنا السياسية بالطرق التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم. فهل يعقل أن لا تقيم النخب السياسية المغاربية، خاصة في الجزائر والمغرب، اليوم تمييزا بين شروط نشأة وتطور أزمة الصحراء الغربية في لحظات تشكلها في سبعينيات القرن الماضي، وبين مآلها الراهن في علاقاته بالمتغيّرات الجارية سواء في المغرب الكبير أو في العالم ؟
(+) – في الأصل ورقة قُدمت في إطار ندوة مغاربية حول " خمسينية المشروع المغاربي " بدعوة من " مختبر الدراسات الدستورية والسياسية " – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – جامعة القاضي عياض – مراكش، بمساهمة من " مؤسسة كونراد أديناور " خلال يومي 28 و 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2008.