دعا دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية (MHP)، عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، إلى إلقاء السلاح وحل الحزب، مقابل الاستفادة من “حق الأمل” (العفو). هذه الدعوة، التي لاقت ترحيباً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فتحت الباب أمام جولة جديدة من المفاوضات مع أوجلان، حيث التقى به نواب من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي (DEM) في سجنه بجزيرة إمرالي خلال كانون الأول 2024 وكانون الثاني 2025، لبحث إمكانية إنهاء الصراع المسلح.
وبالتزامن مع هذه التطورات، شهدت سوريا تحولات سياسية مهمة، إذ دعا الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الحوار مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مشدداً على ضرورة دمجها في الجيش السوري الجديد وحصر السلاح بيد الدولة. جاء ذلك وسط ترقب لتصريحات مرتقبة من عبد الله أوجلان، يُتوقع أن يدعو فيها مقاتلي حزبه وأذرعه الإقليمية، بما في ذلك قسد، إلى التخلي عن السلاح، وهو ما قد يعزز فرص المفاوضات بين “قسد” ودمشق.
تأييد تركي يعقبه تحذير
في مقابلة مع “تلفزيون سوريا” مطلع الشهر الجاري، أكد الرئيس السوري أحمد الشرع استمرار المفاوضات مع “قسد”، لكنه أوضح أن هناك خلافات في بعض التفاصيل، رافضاً الكشف عنها، مشيراً إلى أن نجاح المفاوضات يتطلب السرية بسبب وجود أطراف لا ترغب في التوصل إلى اتفاق. إلا أنه عاد في مقابلة لاحقة مع صحيفة “الإيكونوميست” ليعبر عن عدم تفاؤله بإمكانية التوصل إلى تسوية، موضحاً أن رفض الشعب السوري لفكرة الفيدرالية يمثل إحدى أكبر العقبات أمام الاتفاق.
وعقب زيارة الشرع إلى أنقرة، صعّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خطابه، مؤكداً أن تحقيق الاستقرار والوحدة في سوريا يتطلب فرض سيطرة الحكومة السورية على كامل أراضيها. وأضاف أن حزب العمال الكردستاني وفروعه يجب أن يدركوا أنه لا مكان لهم في سوريا، محذراً من أن تركيا لن تتردد في اتخاذ الإجراءات الضرورية إذا لم يتم التعامل مع هذا التهديد بجدية.
وأشار أردوغان إلى أن معالم الخطوات التي ستنفذها سوريا ضد “التنظيمات الإرهابية” باتت واضحة ومتفقاً عليها، قائلاً: “خلال اجتماعنا (مع الشرع)، تبادلنا المعلومات حول الإجراءات المقبلة ضد التنظيمات الإرهابية. ووجهنا تحذيراتنا بوضوح تام: إما أن يستجيبوا لهذا التحذير أو أن يُدفنوا مع أسلحتهم التي رفضوا التخلي عنها”.
سوريا موحدة ورسائل أوجلان الثلاث
وفي مطلع شباط أيضاً، أعلن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، رفضه لاختيار أحمد الشرع رئيساً لسوريا، مؤكداً أن القرار لم يُطرح للنقاش مع قواته. وأوضح أنه التقى بالشرع سابقاً، وأن مفاوضات تُجرى بين “قسد” والحكومة السورية بوساطة أطراف أخرى.
إلا أن موقفه شهد تحولاً في الآونة الأخيرة، متزامناً مع التصريحات التي أدلى بها عبد الله أوجلان قبل أيام عبر حزب المساواة الكردي في تركيا. ففي حديثه لوكالة “ميزوبوتاميا“، أكد سري ثريا أوندر، نائب رئيس البرلمان التركي وعضو لجنة حزب المساواة والديمقراطية الشعبية (DEM)، أن أوجلان “يرى أن الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وهيكلها كدولة، مع ضمان وجود الأكراد على أساس الديمقراطية داخل هذه الوحدة، أمر بالغ الأهمية”. كما شدد أوجلان، وفقاً لأوندر، على رفضه قيام أي كيان منفصل داخل الدولة السورية.
وأكد أوجلان موقفه الرافض تماماً للصراعات المسلحة، وأكدت المتحدثة باسم حزب المساواة والشعوب الديمقراطي (DEM)، عائشة غُول دوغان، أن أوجلان أرسل ثلاث رسائل إلى قيادات منظومة المجتمع الكردستاني (KCK) في قنديل، ومسؤولي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرقي سوريا، وإلى مؤتمر المجتمع الديمقراطي الكردستاني (KCDK-E) والمؤتمر الوطني الكردي (KNK) في أوروبا.
وفي المقابل، يبدو أن أنقرة توظف ملف أوجلان كورقة ضغط على “قسد”، مستغلة تأثيره على التيارات الكردية المختلفة. وتسعى من خلال هذه الاستراتيجية إلى إعادة تشكيل مواقف “قسد” وإجبارها على إنهاء أو تقليص نفوذها في شمال شرقي سوريا، سواء من خلال العمليات العسكرية أو عبر التفاوض غير المباشر مع دمشق.
وهنا يبرز تساؤل حول مدى قدرة أوجلان على أداء هذا الدور والتأثير في حزب العمال الكردستاني وأذرعه الإقليمية، وما إذا كان ذلك قد دفعه إلى تأجيل خطابه الذي كان من المقرر أن يلقيه في منتصف الشهر الجاري. وهو خطاب يتوقع أن يدعو من خلاله إلى إلقاء السلاح والتوجه نحو الحوار كمسار بديل عن الصراع المسلح.
أوجلان وخطابه المنتظر.. هل يخشى تكرار سيناريو 2013؟
قبل أن يوجه عبد الله أوجلان خطابه، يُجري مشاورات مع أربع جهات أساسية، في محاولة لضمان تجاوبها مع خطوته. يبدو أن التطورات الأخيرة في سوريا قد وفرت أرضية مناسبة لإعلان التخلي عن السلاح، وهو ما يسعى أوجلان لتحقيقه عبر التواصل مع التنظيمات التي تعمل تحت مظلة اتحاد مجتمعات كردستان (KCK)، بما في ذلك حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، إضافة إلى الفصائل السياسية المرتبطة بها.
لكن التجربة السابقة خلقت تخوفات لدى أوجلان بعد الامتثال. ففي عملية السلام عام 2013، لم يستجب حزب العمال الكردستاني ولا حزب الشعوب الديمقراطي لنداء أوجلان، مما أدى إلى فقدانه النفوذ، بينما تبنت قيادة قنديل الخيار العسكري، ووقف حزب الشعوب الديمقراطي إلى جانبها في أحداث كوباني وحروب الخنادق.
وبحسب الصحفي التركي المقرب من الحكومة، عبد القادر سيلفي، يدرك أوجلان خطورة تكرار هذا السيناريو. فمع تقدمه في العمر والمتغيرات الإقليمية، يرى أن هذه قد تكون فرصته الأخيرة للانتقال من النضال المسلح إلى مسار سياسي وسلمي بعد عقود من العنف. لهذا، يحرص على الحصول على تأكيدات إيجابية قبل إطلاق ندائه لإلقاء السلاح.
ويبدو أن الوفد الذي يلتقيه في إمرالي يعمل على توسيع دائرة المشاورات، حيث تُجرى لقاءات مع صلاح الدين دميرتاش من جهة، ومسعود بارزاني من جهة أخرى، بهدف تعزيز شرعية المبادرة. وذلك وفق للصحفي سيلفي في مادة نشرها على موقع (Hürriyet) التركي، مشيراً إلى أن أوجلان يستعد لإطلاق ندائه في أواخر شباط أو مطلع آذار، يدعو فيه حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح وإنهاء أنشطته المسلحة.
خطوات تمهيدية في قنديل.. و”قسد” تعيد ترتيب أوراقها مع دمشق
قبل أيام، أعلن قائد عمليات (PKK) في جبال قنديل، مراد كارايلان، عن وقف العمليات العسكرية للحزب داخل تركيا، واصفاً ذلك بأنه خطوة تمهيدية لدعوة أوجلان المرتقبة لإلقاء السلاح. لكنه شدد في تصريحات نقلتها وكالة “فرات” على أن الحزب لن يحل نفسه ولن يلقي أسلحته عبر “مكالمة فيديو”، بل من خلال مؤتمر عام للحزب.
بالتوازي مع هذه التطورات، أعادت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ترتيب أوراقها في شمال شرقي سوريا، حيث عقد كبار مسؤوليها اجتماعاً مع “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) و”الإدارة الذاتية” مساء الإثنين في قاعدة “استراحة الوزير” بريف الحسكة، تمخض عن قرارات تهدف إلى تعزيز الاستقرار وتوحيد الجهود العسكرية مع دمشق.
وقال القيادي في “قسد”، أبو عمر الإدلبي، إن الاجتماع أكد على “دمج قوات قسد والمؤسسات الأمنية التابعة للإدارة الذاتية ضمن هيكلية الجيش السوري”، كما شدد على ضرورة انسحاب جميع المقاتلين غير السوريين من المنطقة. كما نصت قرارات الاجتماع على “إعادة تفعيل المؤسسات المدنية والخدمية التابعة للدولة في شمال وشرق سوريا”.
لا يزال مستقبل العلاقة بين “قسد” وحكومة دمشق، وموقف حزب العمال الكردستاني من دعوة أوجلان ضبابياً. فبينما تسعى أنقرة إلى فرض واقع جديد يحد من نفوذ التنظيمات الكردية، تعمل دمشق على إعادة ترتيب الأوضاع في شمال شرقي سوريا. وفي ظل هذه التحركات، يبقى تأثير دعوة أوجلان محورياً في تحديد مسار الأحداث، سواء باتجاه تسوية سياسية أو استمرار التوترات القائمة.
- تلفزيون سوريا