لندن- “القدس العربي”: نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرًا قالت فيه إن فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد تغيير النظام في كييف، العاصمة الأوكرانية، أو بالأحرى التخلص من الرئيس الأوكراني “الديكتاتور”.
وقالت المجلة إن أوكرانيا تحمّلت، ولثلاث سنوات، ما لا يمكن التفكير به: حربًا جوية وبرية، وهجومًا على العاصمة، حربَ استنزاف دموية، صواريخَ ومسيّرات وقنابل انزلاقية، وإعداماً فورياًَ.
إلا أن هناك جبهة جديدة فُتحت، دون توقّع، من الغرب، وهي التقارب الجريء من دونالد ترامب باتجاه روسيا، وهو ما فاجأ الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، الذي بدأ يظهر غضبه.
وفي يوم الثلاثاء، 18 شباط/فبراير، قرر الرئيس الأوكراني إلغاء زيارته المقررة إلى السعودية، قائلًا إنه لا يريد الارتباط بمحادثات حدثت بدونه. وقال: “لم تُوجّه إلينا دعوة، وكانت مفاجئة لنا، وأعتقد بالنسبة للكثيرين أيضًا.” ورد ترامب بطريقته ووصف زيلينسكي بـ”الديكتاتور”.
دبلوماسي سابق: يبدو أن ترامب يريد التخلص من زيلينسكي، الذي لم يحبه قط، والذي يعتقد أنه صعب المراس. الأمر لا يتعلق بالانتخابات، بل يتعلق بالتخلص من زيلينسكي
وترى المجلة أن قرار ترامب الحوار مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورغبته في إعادة تأهيل الكرملين، صَدَمَ الطبقة السياسية في كييف. ولكن حتى الآن، لم يفاجَأ أحد حقًا. ونقلت عن أحد أعضاء البرلمان البارزين من حزب زيلينسكي قوله: “كنا في حالة نفسية سيئة في اليوم الذي سمعنا فيه الأخبار، لكننا كنا نتوقعها”.
ولم يكن سرًا أن ممثلي أوكرانيا وجدوا الأبواب في واشنطن مغلقة: “لقد فهمنا المستوى الذي وصلت إليه الرؤية الروسية داخل أمريكا.”
ويصف أحد نواب المعارضة شعورًا بـ “التشاؤم” في البرلمان، حيث يستعد النواب لإمكانية إجبارهم على قبول اتفاق مهين لوقف إطلاق النار. وحتى لو خرجت أوكرانيا من الحرب، فإن البلاد تواجه معركة من أجل البقاء.
فالناس والساسة والجنود منهكون، وقتل مئات الآلاف أو جرحوا، فيما هرب الملايين. وربما يكون ثلث الأوكرانيين، البالغ عددهم 4.3 مليون، الذين فروا إلى أوروبا تحت سن الثامنة عشرة؛ ولن يعود عدد كبير منهم أبدًا.
والاتفاق الذي لا يوفر الأمن على المدى الطويل من شأنه أن يدفع المزيد من الآباء إلى إرسال أبنائهم إلى الخارج، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم المشكلة الديموغرافية التي تعاني منها أوكرانيا أصلًا.
ويقول مسؤول أوكراني بارز: “السلام مطلوب، نحن بحاجة إلى السلام، والسؤال هو ألا يكون سلامًا يقضي علينا في نفس الوقت”.
وتواجه الأسر التي لديها أبناء في سن المراهقة خيارات صعبة بشكل خاص، إما إرسالهم إلى أوروبا في وقت يسمح لهم القانون بذلك، أو الاحتفاظ بهم والمخاطرة بكل شيء.
مخاوف أوكرانية من سيناريو أسوأ
ويواجه الجندي السابق سيرهي فاسيليوك هذه المعضلة. ففي البداية، وافق هو وزوجته على مغادرة ابنهما أندري، البالغ من العمر 17 عامًا. ولكن ابنهما أصر على أن مستقبله ليس في أي مكان آخر، وأنه سينضم إلى الجيش في أقرب وقت. ولا تزال والدته معارضة وبشدة لبقائه، أما والده فإنه ينظر للأمر بعين مفتوحة، حيث قال: “لو لم يكن هناك أولاد مثله، فلن يكون هناك أحد”.
وعلى الرغم من كل الأصوات والاضطرابات الصادرة عن الرئيس الأمريكي، لا يوجد هناك ما يشبه الصفقة. إلا أن الأمور تسير نحو أسوأ سيناريو في أوكرانيا.
ويخشى عدد من أفراد النخبة الأوكرانية أن تكون اللغة الصادرة عن فريق ترامب بمثابة فخ روسي: الدعوة إلى وقف إطلاق النار دون ضمانات أمنية، وإجراء انتخابات فورية من شأنها أن تحطم الوحدة الأوكرانية.
ويقول دبلوماسي سابق: “يبدو أن ترامب يريد التخلص من زيلينسكي، الذي لم يحبه قط، والذي يعتقد أنه صعب المراس. الأمر لا يتعلق بالانتخابات، بل يتعلق بالتخلص من زيلينسكي”.
ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تقود سرعة ترامب إلى سلام سريع، بقدر ما قد تؤدي إلى عرض غير مقبول لأوكرانيا. ثم يقع الأمر على عاتق زيلينسكي إطالة أمد العملية، وسد الفجوة، والتفاوض.
وخلافًا لترامب، لم يكشف الرئيس الأوكراني عن خطوطه الحمراء، مع أنه قال، في الأسبوع الماضي، إن الاستعداد للجلوس مع “القاتل” (في إشارة إلى بوتين) هو تنازل في حد ذاته.
ولكن زيلينسكي أشار بالفعل إلى أنه لن يوافق على وقف إطلاق النار دون ضمانات أمنية، ولن يدعم أي صفقة تتم من خلف ظهره.
ويقول مسؤول أوكراني بارز إنه من غير المرجح أن توافق أوكرانيا رسميًا على التخلي عن الأراضي التي خسرتها كجزء من صفقة، مع أنه يعترف بأن دخول أوكرانيا في حلف الناتو بات احتمالًا بعيدًا.
خطة الكرملين تُفرض بحذافيرها؟
وفي هذا السياق الأوروبي، يعترف المسؤول الأوكراني بأن الحد الأدنى الذي يمكن لأوكرانيا أن تقبله هو استمرار العلاقات مع الجيوش الغربية، وعدم نزع السلاح بشكل عملي، واستمرار تدفق الأسلحة والأموال، ووجود قوة حفظ سلام أجنبية.
ولا يهم حجم هذه القوة بقدر أهمية وجودها، و”بمجرد وصولها إلى هنا، نعتقد أنه سيكون من الصعب عليها الانسحاب”.
وتقول المجلة إن أوكرانيا، ومن الناحية النظرية، قد تواصل القتال في تحدٍّ لترامب وصفقته، إلا أن وضعها من الناحية العملية سيتدهور مع مرور الوقت.
فالحرب كانت وحشية على الطرفين، ولكنها كانت أقسى على الأوكرانيين، الأقل عددًا، والأكثر فقراً. وقد أظهر الجيش الأوكراني براعة ومهارات على مستوى الوحدات، لكنه كشف عن مشاكل على مستوى العمليات، والأهم هو غياب التخطيط العملياتي.
يخشى أفراد من النخبة الأوكرانية أن تكون اللغة الصادرة عن فريق ترامب بمثابة فخ روسي: الدعوة إلى وقف إطلاق النار دون ضمانات أمنية، وإجراء انتخابات فورية من شأنها أن تحطم الوحدة الأوكرانية
ترامب يملك أوراق الضغط
وفي الوقت نفسه، يملك ترامب العديد من أوراق الضغط التي قد يستخدمها لفرض حل. فهو قادر، ومن المرجح أن يفعل، على خفض أو وقف المساعدات العسكرية. وقد يرفع العقوبات المفروضة على روسيا من جانب واحد. وقد يقطع الدعم الحيوي الآخر مثل الاستهداف في الوقت الحقيقي، ونظام ستارلينك، العمود الفقري لاتصالات ساحة المعركة في أوكرانيا.
وهناك حلول جديدة، ولكن إيقاف تشغيل هذه الأنظمة من شأنه أن يضر. وكما يقول أحد كبار المسؤولين الأمريكيين: “إذا كان زيلينسكي قادرًا على حشد الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و20 عامًا، فقد يكون الأمر يستحق القتال. وإذا لم يكن قادرًا على ذلك، فينبغي له أن يقبل أفضل صفقة ممكنة.”
ونظرًا لحجب أوروبا عن صفقة ترامب، فإن الضغط الحالي يقع على زيلينسكي وإرادته للقتال.
سيناريو كابوسي لأوكرانيا
حتى لو كان المنظور خطيرًا للرئيس الأوكراني، فهو لا يقارن بالكابوس الحقيقي المتمثل في فرض ترامب خطة الكرملين بكاملها على كييف: وقف إطلاق النار دون ضمانات أمنية فعالة، وإجراء انتخابات تؤدي إلى شلل سياسي، ورئاسة ضعيفة، وبرلمان منقسم، ثم وقف التعبئة العسكرية، والهجرة الجماعية، وبداية التفكك الداخلي.
ويعترف مسؤول: “السيناريو بعيد كل البعد عن المستحيل… تذكر أن هناك ملايين الأسلحة في البلاد. يمكنك حتى شراء دبابة روسية على الخطوط الأمامية مقابل 100 ألف هريفنيا” (أي 2,400 دولار أمريكي).
- القدس العربي