قال لي شخص تولى مناصب عدة في الأمم المتحدة، إن الأونروا عملت عشرات السنين بتشجيع ودعم إسرائيل. هو محق. كما أن المساعدة الدائمة من قطر لحماس نقلت بتشجيع ودعم من إسرائيل أيضاً. ومثلها أيضاً ترسانة حزب الله؛ فقد اتسعت منذ نهاية حرب لبنان الثانية تحت عين إسرائيل.
القاسم المشترك لكل هذه الأحداث هو الرغبة في الهدوء. أملنا أن تصدأ صواريخ حزب الله في المخازن. أملنا أن تنسي الأونروا العالم، وربما تنسينا نحن أيضاً، وجود قضية فلسطينية. وكان إجماع واسع، لدى اليسار واليمين، بأن الازدهار في غزة، من خلال مساعدة قطر وقرابة 20 ألف عامل في إسرائيل، سيؤدي إلى هدوء لسنوات طويلة.
كل هذه المفاهيم تفجرت في وجوهنا. فصواريخ حزب الله لم تصدأ، ومخيمات لاجئي الأونروا تربوا على الكراهية وخلدوا القضية الفلسطينية. وقطاع غزة استخدم المداخيل الهائلة، من العمل في إسرائيل ومن قطر، لبناء بنية تحتية إرهابية بالغة التطور في العالم من فوق الأرض ومن تحتها.
فهل تعلمنا شيئاً؟ هل استخلصنا الدروس؟ لا، لأن الكثيرين منا يتمنون “عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة”. في العقدين الأخيرين كان الكثير من محاولات المصالحة بين فتح وحماس. في 2007 وقع اتفاق مصالحة في مكة، وفي 2008 وقع اتفاق في صنعاء، وفي تشرين الأول 2011 تحقق اتفاق مصالحة في القاهرة، وفي 2012 وقع اتفاق في الدوحة لغرض تنفيذ اتفاق القاهرة، وفي 2014 مرة أخرى وقع اتفاق، تحقق في غزة وفي القاهرة، وفي 2017 تحقق اتفاق في القاهرة، وفي 2020 تقرر تعاون استراتيجي، هذه المرة في رام الله. وفي 2022 تحقق اتفاق آخر، هذه المرة في الجزائر. كل الاتفاقات تشهد على سلسلة من الإخفاقات. لأن أياً منها لم ينل التنفيذ. الاتفاق الأخير تحقق في تموز 2024، في الصين هذه المرة. بخلاف الاتفاقات السابقة، تحقق توافق على نقل المسؤولية عن القطاع إلى السلطة الفلسطينية.
حماس خلقت دماراً وخراباً. السلطة الفلسطينية مع قصة معتدلة، يفترض أن تنفذ خطة إخلاء الأنقاض والإعمار. وهذه المرة، تختلط المبادرة العربية بالتوافق الفلسطيني الداخلي. احتمالات تنفيذ المبادرة أعلى بقليل؛ لأن أموراً ثلاثة تحصل: الأول، لا توجد خطة إسرائيلية لما بعد الحرب، بقدر ما يخطط أحد ما بأن يصل إلى مثل هذا العهد. الثاني، خطة ترامب اصطدمت بمقاومة منيعة، كانت منذ البداية خطة بين الارتجال والخيال، وأعلنها نتنياهو خطته لليوم التالي، وهو ما يشهد على أن ليس لرئيس الوزراء أي خطة؛ فقد ركب على موجة ترامب. والثالث، دخول الدول العربية في الأسابيع الأخيرة إلى الفراغ الذي خلقه نتنياهو. وهي التي تبلور الخطة لإعمار قطاع غزة. وكلما مرت الأيام يتبين أن هذه الخطة هي الأمر الوحيد الذي سيبقى على الطاولة لغرض البحث العملي.
ترامب لن يقنع محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، بتبني الترحيل. لكن يوجد احتمال أعلى لأن يقنع بن سلمان ترامب. ينبغي الانتباه إلى أن الرياض تصبح محوراً مركزياً. المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا على التسوية في أوكرانيا ستجرى هناك. في لعبة الشطرنج العالمية، بدا أن لهذا الموقع معاني استراتيجية جدية ببحث منفصل.
لكن مع كل الاحترام للمبادرة العربية لليوم التالي، فهذه مبادرة خطيرة؛ لأن حماس قد تقف قليلاً من خلف الكواليس. لكن ما لم تتضمن المبادرة خطة عملية لنزع سلاح منظمة الإرهاب، فستكون هناك مبادرة أخرى تمنح الهدوء في المدى القصير، وثمناً دموياً خطيراً بعد سنوات غير طويلة. حماس ستصبح حزب الله السلطة الفلسطينية، بداية في القطاع ولاحقاً، وهذا يحصل الآن، في مناطق الضفة أيضاً. الإغراء لتحقيق الهدوء، مثلما كان في الماضي، مع الأونروا ومع حماس ومع حزب الله، سيدفع إسرائيل إلى الشرك إياه. هدوء زائف في المعركة الأولى، وربما أيضاً في الثانية، الذي يتفجر في وجهنا في المعركة الثالثة.
تقويض حماس ليس شعاراً ثابتاً. فهذه أيديولوجيا إبادية يجب إبادتها. اقتراح رفع الحصار واستثمارات في القطاع مقابل التجريد ليس شيئاً جديداً، فقد عرض هذا مراراً من الأسرة الدولية ورفضته حماس مرة تلو أخرى. والآن، بعد الدمار والخراب الذي تسببت به حماس للقطاع، نعود عملياً إلى تلك الاقتراحات. لكن المسألة الأساسية كانت وتبقى تجريد القطاع. لا يمكن إبادة الأيديولوجيا الإجرامية لحماس، لكن تجريد القطاع ضروري بعد 7 أكتوبر.
يحتمل ألا يكون مفر من استئناف القتال لغرض تحقيق الهدف. لكن بعد أمرين: الأول، تحرير كل المخطوفين، فبدون التحرير سنعود لنقول إن الدافعية للقتال ستكون متدنية. والثاني، بعد أن يتبين بأن ليس للمبادرة العربية أسنان حقيقية لنزع سلاح حماس. فقد تبنت إسرائيل مفاهيم مغلوطة كثيرة تتعلق بالهدوء. وهذه كلفتنا دماءً. ولا حاجة لواحد آخر.
بن – درور يميني
يديعوت أحرونوت 25/2/2025
- القدس العربي