لندن – “القدس العربي”:
دعت مجلة “إيكونوميست” في افتتاحيتها الدول الغربية والولايات المتحدة لرفع العقوبات عن سوريا.
وقالت إن المطالبة برفع هذه العقوبات يبدو جنونا إلا في حالة فكرنا بالبديل. وحذرت من أن البلد قد يتحول إلى دولة فاشلة بدون مساعدة. وقالت إن أحمد الشرع كان قبل عقد من الزمان، عقلا مدبرا للهجمات الانتحارية بصفته الرجل الثاني لتنظيم القاعدة في سوريا، وقبل ثلاثة أشهر قاد مجموعته، هيئة تحرير الشام للإطاحة بنظام بشار الأسد الإجرامي الديكتاتوري. واليوم هو الرئيس الانتقالي للبلد.
ومع الحرب التجارية وتفكك التحالف عبر الأطلنطي، قد يناقش البعض أن مساعدة الشرع هي آخر أمر يمكن أن يفكر به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ولكن بدون تعليقه العقوبات، يواجه البلد انهيارا اقتصاديا. وعندها سيصبح بالتأكيد دولة فاشلة تنشر الفوضى في جيرانها.
يخبر الشرع الغربيين بما يريدون سماعه من أنه سيؤسس حكومة متنوعة على أساس الكفاءة، وليس العرق أو الدين، وأن السوريين لا بد وأن يختاروا قادتهم بأنفسهم
وأشارت المجلة إلى صورة شخصية نشرتها هذا الأسبوع عن أحمد الشرع ووصفته بالرجل الغامض والمتظاهر الذي يتنقل بين الزي العسكري والبدلات الأنيقة. وهو يخبر الغربيين بما يريدون سماعه من أنه سيؤسس حكومة متنوعة على أساس الكفاءة، وليس العرق أو الدين، وأن السوريين لا بد وأن يختاروا قادتهم بأنفسهم. ولكنه يمتنع عن الوعد بالديمقراطية ويرفض أن يقول ما إذا كان سيسمح بالأحزاب السياسية ولا استبعاد تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية، مشيرة إلى أن الوعد بتشكيل حكومة انتقالية بحلول الأول من آذار/مارس قد انتهك.
ومع حالة الجمود التي تشهدها سوريا، يواصل اقتصادها انهياره. ولا تحصل دمشق إلا على عدة ساعات في اليوم من الطاقة الكهربائية. وزادت أسعار الخبز ثمانية أضعاف منذ كانون الأول/ديسمبر، وينتظر الناس ساعات لسحب بعض الأوراق النقدية المتوفرة في آلة الصراف الآلي. ومع تدفق الواردات إلا أن قلة من السوريين يستطيعون شراءها بسبب نقص النقد أو الدفع الرقمي.
وترى المجلة أن هذا البؤس يعكس خراب عقود من الديكتاتورية وسنوات من الحرب الأهلية وأشهرا من الفوضى التي أعقبت الثورة.
ومع ذلك علينا ألا ننسى أن العقوبات الغربية التي فرضت أصلا لمعاقبة نظام الأسد، هي المسؤولة أيضا عن هذا الوضع. وهذا يجعل البلاد منطقة خطر بالنسبة للمؤسسات المالية والشركات والحكومات الأجنبية الملتزمة بالقانون. ونتيجة لهذا، لا تستطيع سوريا استيراد أوراق العملة بسهولة. كما أن قدرتها على الوصول إلى النظام المصرفي العالمي محدودة وهي تكافح من أجل توليد عائدات التصدير علاوة على جلب الاستثمار المطلوب لتمويل إعادة الإعمار التي تشتد الحاجة إليه. ويقوم النقاش الداعي للحفاظ على العقوبات بأنه ورقة نفوذ على الشرع وإجباره على اختيار الطريق الليبرالي.
يقوم النقاش الداعي للحفاظ على العقوبات بأنه ورقة نفوذ على الشرع وإجباره على اختيار الطريق الليبرالي
والمشكلة هي أنه إذا لم ترفع العقوبات الآن، فإنها ستتسبب بكارثة اقتصادية تغلق نفس المسار الليبرالي المطلوب وتخلق العنف والتطرف. وربما تناسب الفوضى معارضي الشرع. وتشعر الجماعات الإسلامية المسلحة الأخرى بالاستياء من القوة التي راكمها. وتخشى إسرائيل من الانفجار وتحاول فرض منطقة منزوعة السلاح جنوب دمشق. وإذا انهارت سوريا، فمن المؤكد أن المزيد من اللاجئين سوف يتدفقون إلى أوروبا.
وهناك بديل كما تقول المجلة وهو رفع العقوبات لمدة عام واحد. وهذا من شأنه أن يسمح بإدخال منصات الأوراق النقدية إلى سوريا، فضلا عن الآلات والورق لطباعة النقود. وقد تتمكن سوريا من بيع المزيد من النفط في الأسواق العالمية، مما يولد الدخل. وربما تمت إعادة بعض رأس المال المحفوظ في الخارج إلى البلاد وقد تساعد دول أخرى. وتدرس قطر إيداع 120 مليون دولار شهريا في البنك المركزي للمساعدة في دفع الزيادة الموعودة بنسبة 400٪ في رواتب القطاع العام. وفي حالة قاد الشرع سوريا، مثلا نحو مسار سيئ وقادها نحو ديكتاتورية إسلامية، فعندها يتم فرض العقوبات من جديد بعد عام.
ويبدو البيت الأبيض الذي لديه مجموعة قليلة من المسؤولين للشرق الأوسط غير مهتم. فسوريا في عالم المعاملات الذي يتبناه دونالد ترامب لا تقدم له إلا القليل. ولكن الأمر هو ببساطة خيار بين الكارثة وإمكانية نجاح ضئيلة في المستقبل “ارفعوا العقوبات”.
وحللت المجلة في تقرير آخر مطول وضع سوريا وأن اقتصادها لا يزال مخنوقا بالعقوبات وينهار على ركبتيه. وأشارت لشجار عند آلة صراف آلي بين رجلين كانا ينتظران في برد الشتاء ولساعات من أجل سحب 30 دولار. وقال أحدهما: “ليس معي مال لإطعام أولادي ولأيام”.
وبعد ثلاثة أشهر من انتهاء الحرب الأهلية السورية التي استمرت 14 عاما، ومع بدء شهر رمضان المبارك، يتم استبدال الفرحة بقدومه بالغضب وسط الانكماش المستمر للاقتصاد وعدم قدرة الحكومة الجديدة الواضحة على تغييره.
بعد ثلاثة أشهر من انتهاء الحرب الأهلية السورية التي استمرت 14 عاما، ومع بدء شهر رمضان المبارك، يتم استبدال الفرحة بقدومه بالغضب وسط الانكماش المستمر للاقتصاد
فخلال الحرب انكمش اقتصاد سوريا بنسبة 85٪. وانخفضت الصادرات من 18 مليار دولار قبل الحرب إلى 1.8 مليار دولار في عام 2021.
وبلغت احتياطيات النقد الأجنبي 18.5 مليار دولار في عام 2010، لكن بقي منها فقط 200 مليون دولار، وهو ما لا يكفي لتغطية شهر من الواردات.
وانخفض سعر الليرة السورية من 50 ليرة للدولار قبل الحرب إلى ما يقرب من 11,000 ليرة الآن. ولا تكفي الرواتب حتى المحترمة منها لتغطية نفقات المعيشة الأساسية. ويعيش أكثر من 90٪ من السوريين تحت خط الفقر.
ولعل السبب الرئيسي للمعاناة هي الحرب التي دمرت البنى التحتية والصناعات وقتلت وشردت الكثير من الناس.
وكذا شبكة من العقوبات التي فرضت على نظام الأسد لممارساته البشعة وانتهاكه لحقوق الإنسان. ورغم فرار الديكتاتور وانتهاء الحرب إلا أن العقوبات لا تزال في مكانها.
وأضافت أن العقوبات تتخذ عدة أشكال ولها عدة أهداف، من الصناعة الحيوية مثل الطاقة والمصارف والاتصالات إلى المؤسسات المهمة مثل المصرف المركزي. ومنها عقوبات تجرم “الدعم المادي” لهيئة تحرير الشام التي تدير الحكومة الحالية في دمشق.
وتظل العقوبات الأمريكية من جانب واحد الأقسى، وهي تمنع التعامل التجاري بين الأمريكيين والكيانات السورية، وتمنع استخدام الدولار في المعاملات المتعلقة بسوريا. والحظر لا يقتصر على الأمريكيين ولكن على الشركات الأجنبية والأفراد الذين يقعون تحت طائلة العقوبات في أمريكا لو قاموا بالتعامل مع سوريا. فهذه العقوبات “الثانوية” تجعل من المستحيل تقريبا، على أي بنك أجنبي كبير تسهيل المدفوعات إلى سوريا.
ورغم وجود استثناء (من الناحية النظرية) للمساعدات الإنسانية، فإن المؤسسات المالية تشعر بالقلق بشأن كيفية إثبات أهلية المدفوعات. ورغم تعليق بعض العقوبات الأمريكية في كانون الثاني/ يناير لمدة ستة أشهر، فإن عقوبات أخرى لا تزال قائمة. كما علق الاتحاد الأوروبي بعض القيود المفروضة على التجارة والاستثمار، ولكن ليس كلها. ولهذا لا يرغب معظم الممولين في التعامل مع مثل هذا النظام المعقد والمحفوف بالمخاطر. وقد استطاع نظام الأسد النجاة بسبب استعداد أنظمة منبوذة مثله كإيران وروسيا التعامل معه ودعمه. كما ودعم اقتصاده من تجارة المنشطات المعروفة بالكبتاغون، حيث أصبحت سوريا بحلول عام 2020 أكبر منتج لها في العالم، وجلبت 6 مليارات دولار حسب بعض التقديرات.
ولم تعد هذه الآليات موجودة في سوريا، فالشرع يريد التعامل بالطرق الشرعية. وبدلا من ذلك، حاول تحرير الاقتصاد، على أمل تحفيز النمو وعمل على تبسيط الرسوم الجمركية ورفع الحظر على العملات الأجنبية. كما يعمل على إصلاح البيروقراطية بشكل جذري، حيث طرد العديد من الموظفين الحكوميين ووعد بزيادة رواتب من تبقى منهم بشكل كبير. وهو يأمل في جذب الاستثمارات الأجنبية لإحياء صناعة الطاقة في سوريا وإعادة بناء بنيتها الأساسية.
ولكن في غياب تخفيف العقوبات، فإن كل هذه الجهود سوف تذهب سدى. وتعطي الطوابير أمام آلات الصراف الآلي صورة عن نقص العملة. وأشارت المجلة إلى مشاكل أخرى مثل عدم توفر التيار الكهربائي، مضيفة أن سوريا، وعلى المدى البعيد، تحتاج إلى استثمارات أجنبية ضخمة لإعادة الإعمار. وربما تم تدمير أو إتلاف ثلث المنازل ونصف المدارس والمستشفيات تقريبا. وتأمل الحكومة أن يضخ المغتربون الأموال إلى البلاد. وتتطلع الشركات التركية إلى إبرام العقود. ولكن تدفق رأس المال الكبير من الخارج أمر مستحيل طالما ظلت العقوبات سارية. وسوريا تشكل أولوية منخفضة بالنسبة للإدارة الأمريكية الجديدة. وليس من الواضح ما الذي يستطيع الشرع أن يفعله لجذب انتباهها على المدى البعيد، ولإعادة الإعمار.
- القدس العربي