إسماعيل خليل الحسن
أغلب اليساريين اليوم عاجزون عن إدراك ماهية الدولة وينطلقون من فهم طوباوي عنها, بدون تحليل ملموس إنما تعبير عن نزعات إرادوية ورغبوية, حتى أنهم لا يعيرون موضوعاتهم الماركسية بعين الاعتبار، لا ادري كيف قيض لإبن خلدون قبل هيغل وماركس بقرون فهم آلية تأسيس الدولة بأنها قامت على الغلبة والعصبية.
فالدولة عندما تنطلق من الصفر دولة متلاشية كما هي في سورية اليوم, تبحث أولاً عن شرعية وجودها، والشرعية هنا هي إقناع بالقوة, القوة من أجل ضبط القوى المنفلتة من عقالها والتي تحول بين الدولة وبين السيطرة والتحكم.
لنعد إلى ما يقرره المنهج الذي يمتح منه اليسار، ولاسيما الماركسي, يقول إنغلز:
(الدولة ليست بحال قوة مفروضة على المجتمع من خارجه. والدولة ليست كذلك “واقع الفكرة الأخلاقية”، “صورة وواقع العقل” كما يدعي هيغل. الدولة هي نتاج المجتمع عند درجة معينة من تطوره؛ الدولة هي إفصاح عن واقع أن هذا المجتمع قد وقع في تناقض مع ذاته لا يمكنه حلّه، عن واقع أن هذا المجتمع قد انقسم إلى متضادات مستعصية، هو عاجز عن الخلاص منها، ولكيلا تقوم هذه المتضادات، هذه الطبقات ذات المصالح الطبقية المتنافرة، بالتهام بعضها بعضا والمجتمع في نضال عقيم، لهذا اقتضى الأمر قوة تقف في الظاهر فوق المجتمع، قوة تلطف الاصطدام وتبقيه ضمن حدود “النظام”. إن هذه القوة المنبثقة عن المجتمع والتي تضع نفسها، مع ذلك، فوقه وتنفصل عنه أكثر فأكثر هي “الدولة “)
أما لينين فقد عبر عنها بوضوح:
(الدولة هي آلة لظلم طبقة من قبل أخرى، آلة الغرض منها أن تخضع لطبقة سائر الطبقات المطوعة الأخرى).
هذه هي علة وجود الدولة التاريخي وعلى مواطني الدولة الاجتهاد بكل الطرق المشروعة لتطوير نهج الدولة إلى المنطق الهيغلي “واقع الفكرة الأخلاقية” و”صورة وواقع العقل” و”روح الأمة”.
الخلاصة إن الدولة قامت عبر التاريخ على الغلبة وهي تتطور عبر الزمن وتصبح أكثر إقناعا والتزاما من قبل المحكومين أو أنها تصبح أداة ظلم غير محتمل فتنفجر التناقضات فيها وتحدث الثورة.
وفي الثورة نكون أمام احتمالين:
الأول.. المرونة والاستجابة وتخفيف التناقض ووضعه ضمن النظام.
الثاني.. أن تستعصي الدولة فتنهار أمام ضربات الثوار بعد أن تفرغ ما في جعبتها من عنف وتوحش قد يصل إلى حرب أهلية.. وندخل في دوامة عنف جديد هو العنف الضروري لترسيخ قوة الدولة الجديدة لأن الدولة المهزومة تظل إلى فترة ما تطول أو تقصر تعمل حثيثاً من أجل العودة أو تخريب الطريق أمام مسيرة الدولة الجديدة.. وعندما تفرض الدولة قوتها وتستقر نسمي ذلك قانوناً يضبط الأفراد بعد أن ضبط العنف الضروري المجتمع بأسره.
- كاتب سوري