دمشق ـ «القدس العربي»: بعد 11 يوماً من تكليفه لجنة لصياغة مسودة الإعلان الدستوري، وقع رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، أمس الخميس، في قصر الشعب، على الإعلان الدستوري.
وقال عقب تسلمه مسودة الإعلان: «نأمل أن يكون ذلك فاتحة خير للشعب السوري على طريق البناء والتطور، ونتمنى أن يكون هذا تاريخ جديد لسوريا نستبدل به الجهل بالعلم والعذاب بالرحمة».
وتتوزع بنود الإعلان على أربعة أبواب. وهو نصّ على مبادئ عدة من أبرزها «الفصل المطلق» بين السلطات في بلاد شهدت اختزال موقع الرئاسة لمجمل الصلاحيات خلال العهود السابقة، والتشديد على جملة من الحقوق والحريات الأساسية، بينها حرية الرأي والتعبير وحق المرأة في المشاركة.
وتلا عضو لجنة صياغة الإعلان عبد الحميد العواك أبرز بنود المسودة خلال مؤتمر صحافي في القصر الرئاسي، بحضور الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني.
وحدّد الاعلان الدستوري، وفق البنود التي تلاها العواك «المرحلة الانتقالية بخمس سنوات» على أن يتم «إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية» بهدف «تحديد سبل المساءلة ومعرفة الحقائق وإنصاف الضحايا والناجين» في النزاع المدمّر الذي اندلع اعتبارا من عام 2011.
وفيما يتعلق بعمل السلطات، جاء في الإعلان الدستوري «لأن مبدأ الفصل ما بين السلطات كان غائبا عن النظم السياسية، تعمّدنا اللجوء إلى الفصل المطلق بين السلطات» بعدما عانى السوريون «سابقا من تغوّل رئيس الجمهورية على باقي السلطات».
لا إمكانية للعزل
ويعود للرئيس الانتقالي «تعيين ثلث» أعضاء مجلس الشعب الذي يتولّى «العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد» حسب الإعلان الدستوري.
ووفق العواك، سيصار في المرحلة المقبلة إلى تشكيل هيئة عليا للانتخابات ستتولى الإشراف على انتخابات اختيار أعضاء مجلس الشعب.
ويتولّى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، على أن يساعده الوزراء في مهامه، في خطوة، قال العواك إنها تشكل «خيارا مناسبا مبنيا على ضرورة سرعة التحرك لمواجهة أي صعاب أو أحداث في المرحلة الانتقالية».
ومنح الإعلان الرئيس صلاحية استثنائية واحدة، وهي إعلان حالة الطوارئ.
وأكد «استقلالية» السلطة القضائية و«منع إنشاء المحاكم الاستثنائية» التي عانى منها السوريون كثيرا في الحقبات الماضية.
وأبقى الاعلان الدستوري على «الفقه الإسلامي المصدر الأساسي» للتشريع والإسلام دين رئيس الدولة.
كما نصّ الاعلان الدستوري، وفق العواك، «على مجموعة كبيرة من الحقوق والحريات منها حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة» إضافة الى «حق» المرأة «في المشاركة بالعمل والعلم وكفل لها الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية».
ومن بين البنود التي تضمنها الإعلان الدستوري «ضرورة تشكيل لجنة لكتابة دستور دائم».
وأمل العواك أن يشكّل الإعلان الدستوري «رافعا ومعينا للدولة السورية أرضا وقيادة وشعبا في هذه المرحلة الانتقالية الممهدة لمزيد من الاستقرار».
ويصبح الإعلان الدستوري ساري المفعول بمجرد نشره رسميا.
حدد الفترة الانتقالية بـ5 سنوات… والرئيس «يعيّن ثلث» البرلمان ويتولّى السلطة التنفيذية
ولا يتيح الإعلان الدستوري، وفق ما قال العواك في مؤتمر صحافي عقده لاحقا، إمكانية عزل رئيس الجمهورية.
وقال ردا على سؤال صحافي إن «القضية الأساسية، لا يستطيع رئيس الجمهورية أن يعزل نائبا، ولا مجلس الشعب يعزل الرئيس، لأنه نظام رئاسي، هكذا هو نظامه، ومطبّق في أمريكا وفي تركيا والعديد من الدول».
وفي مداخلة تلفزيونية له، شرح العواك الأسباب التي دفعت اللجنة للحفاظ على اسم الدولة من دون تغيير وتحديد دين رئيسها، باعتبار أنها من النقاط الجدلية التي أثيرت في الفترة الأخيرة. وقال: «تجمع الدساتير على تحديد اسم الدولة وهويتها ضمن الأحكام العامة، ولأن اسم الدولة وهويتها محددان منذ دستور سوريا عام 1920 واستمر الأمر كذلك في مجمل الدساتير حتى غدا اسمها عرفا دستوريا، وعليه لم تعمد اللجنة الى تغيير ما تعارف عليه السوريون منذ تأسيس الدولة لقناعة اللجنة أن شرعيتها ومشروعية ما ستنتج، لا تحتمل التغيير في الاحكام العامة ومنها اسم الدولة الذي بقي الجمهورية العربية السورية».
وتابع: «أبقينا على دين رئيس الدولة، وهو الإسلام، فتاريخ هذه المادة يحدثنا بأنها جاءت حلّاً وسطاً بين من يريد تحديد دين الدولة وبين من يرفض ذلك، فكان الحل الدستوري بأن يكون دين رئيس الدولة محدداً».
وأضاف: «أبقينا الفقه الإسلامي المصدر الأساسي من مصادر التشريع وهذا الفقه يعد ثروة حقيقية لا ينبغي التفريط بها».
وزاد: «من منطلق وطني خالص تم التأكيد على التزام الدولة في الحفاظ على وحدة الأرض والشعب من خلال إدارة التنوع وحفظ الحقوق الثقافية واللغوية لكل السوريين بما يتلاءم مع دولة المواطن».
وشدد على أن الإعلان تضمن في الفصل الأول منه «التزام الجمهورية العربية السورية باتفاقيات حقوق الانسان المصادق عليها من قبل الدولة السورية» في إشارة منه إلى اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولات الملحقة بها إضافة إلى اعتماد اتفاقية «منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها» معتبراً أن «هذا النص يشكل سابقة في التاريخ الدستوري السوري إذ عمد النظام البائد سابقاً الى توقيع الاتفاقيات الدولية الناظمة لحقوق الانسان من دون أي التزام، وكان من الضروري أن يتضمن النص الالتزام بها».
وأوضح أن الإعلان الدستوري سيفتح الباب أمام إعادة رسم خريطة العمل السياسي داخل البلاد وقال: إن «النظام السابق كان يعتبر المشاركة السياسية امتيازاً وليس حقاً وأعطى هذا الامتياز لمجموعة من الأحزاب الموالية له بشكل مباشر أو غير مباشر».
وأضاف: «من أجل استئناف مشاركة سياسية حقيقية قائمة على المساواة بين الجميع، كان لا بد من النص على صدور قانون جديد ينظم المشاركة السياسية على قدر من المساواة والأسس الوطنية».
وبين أن الإعلان «ضمن حق الملكية الذي تعرض في المرحلة السابقة لانتهاكات خطيرة لا تخفى على أحد، كما نص وانطلاقا من مكانة المرأة في المجتمع السوري، على حقها في المشاركة بالعمل والعلم وكفل لها الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية».
وقال: «حتى لا تتساوى الحرية مع القيد، تم النص على مجموعة من الضوابط التي يحتاج إليها كل مجتمع لضبط الحريات كي لا تتحول الى فوضى».
وفيما يتعلق بنظام الحكم خلال المرحلة الانتقالية ذكر العواك أن «السوريين عانوا سابقا من تغوّل رئيس الجمهورية على باقي السلطات معتمدا بتغوله على النص الدستوري، مما ولّد أنظمة سياسية مشوهة، فلم تلتزم السلطات السورية السابقة منذ عام 1958، بخصائص النظام السياسي الذي تختاره، فإن اختارت نظاماً شبه رئاسي أعطت لموقع الرئاسة أكثر مما يمنحه إياه النظام نفسه فتلوي عنق خصائص ذلك النظام مما يشكل اعتداء صارخا وواضحا على مبدأ فصل السلطات».
وقال: «لذلك كانت المهمة الأولى لنا وضع النظام السياسي على سكّته الدستورية من خلال الالتزام بخصائص النظام السياسي، ولأن مبدأ الفصل ما بين السلطات كان غائبا عن النظم السياسية، تعمدنا اللجوء إلى الفصل المطلق بينها».
وبين أن «مجلس الشعب سيمارس السلطة التشريعية، فعلى الرغم من تفويض رئيس الجمهورية باختيار أعضاء مجلس الشعب من قبل «مؤتمر النصر» فإنه آثر الانتخاب لأعضاء الهيئة التشريعية، وبما يتناسب مع طبيعة المرحلة الانتقالية وعدم توافر البيئة الآمنة والمحايدة لإجراء انتخابات على كامل الدولة السورية، واحتفظ لذلك بتعيين الثلث، حرصاً على مشاركة الجميع في المجلس، ليتسنى له سد النقص الحاصل في تمثيل الكفاءات، وهذا من جهة يعطيه بعض الاستقلالية، ومن جهة أخرى فإنه وبعد تعيين عضو المجلس من رئيس الجمهورية فإنه ترك أمر عزله أو فصله أو قبول استقالته لمجلس الشعب ذاته».
وقال إن «مجلس الشعب يتولى العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد، وهو من يصدر العفو العام وله الحق في عقد جلسات استماع للوزراء».
وعن السلطة التنفيذية قال إنه «يتولاها رئيس الجمهورية ويساعده في مهامه وزراء» من دون الإشارة إلى منصب رئيس الوزراء.
وقال: «رأينا أن حصر السلطة التنفيذية بيد الرئيس في المرحلة الانتقالية يشكل خياراً مناسباً مبنياً على ضرورة سرعة التحرك لمواجهة أية صعاب أو أحداث في المرحلة الانتقالية، كما أن علاقة الوزير المباشرة برئيس الدولة تتيح له الحلول وتمنع الآخرين من التدخل بعمله» في إشارة إلى توغل الأجهزة الأمنية في عهد النظام السابق بالتدخل في أعمال الوزراء اليومية.
وبين الإعلان الدستوري أنه «لم يتم منح رئيس الجمهورية إلا سلطة استثنائية واحدة، وهي إعلان حاله الطوارئ، في حين كانت الأنظمة السورية السابقة تمنح الرئيس سلطات استثنائية أكثر من العادية» مؤكداً أنه «قد تم ضبط سلطة الطوارئ بموافقة مجلس الامن القومي، وبالوقت، وعلى موافقة مجلس الشعب في حال أراد رئيس الجمهورية تمديدها».
منع المحاكم الاستثنائية
وشدد على أن الاعلان الدستوري «أكد على استقلالية السلطة القضائية وحيادتها ومنع إنشاء المحاكم الاستثنائية التي عانى منها السوريون كثيراً في المراحل الماضية وأن لا سلطان على القضاة إلا بالقانون».
وبين أن «الدولة السورية أخذت بالقضاء المزدوج كالقضاء الإداري والعادي منذ زمن بعيد، ولذلك حافظ الاعلان الدستوري على هذا التاريخ القضائي، باعتبار أن الانتقال الى قضاء موحد في المرحلة الانتقالية سيجد أمامه من عقبات يصعب تجاوزها» موضحاً أنه تم العمل على «حل المحكمة الدستورية القائمة لأنها من بقايا النظام البائد وإعطاء الحق لرئيس الجمهورية بتعيين محكمة دستورية جديدة تمارس مهامها وفق القانون السابق ريثما يصدر قانون جديد ينظم عملها واختصاصاتها».
- القدس العربي