
حذر المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور عزمي بشارة من مخاطر التوسّع الإسرائيلي، أو ما سمّاه بـ”سكرة القوة الإسرائيلية”، مشدّدًا على ضرورة أن تنظر دول المنطقة بقلق إلى هذا الموضوع.
وفي حديث خاص إلى التلفزيون العربي، تطرّق فيه بالتفصيل إلى السلوك الإسرائيلي في كل من قطاع غزة وسوريا ولبنان، رأى بشارة أن إسرائيل تريد تثبيت منطقة نفوذ لها في المشرق العربي، مشدّدًا على أنّ المصلحة العربية هي بمنع هذا الأمر.
ففي قطاع غزة، تسعى إسرائيل لتحقيق أهداف تاريخية بالنسبة لها، تتمثّل في الضم والتهجير، بحسب بشارة، الذي لفت إلى أنّها بدأت خطوات عملية في سبيل ذلك، وأن ما تطرحه في الوقت الراهن هو عمليًا احتلال غزة وتهجير أهلها، داعيًا إلى زيادة الضغط الشعبي على المستوى العربي، من أجل وقف الحرب.
أما سوريا، فنبّه بشارة إلى أنّ إسرائيل تحلم بتقسيمها إلى دويلات، معتبرًا أنّ سلوك القيادة السورية برئاسة أحمد الشرع يجب أن يناقض ذلك. وإذ اعتبر أنّ ما جرى في الساحل السوري خطير، وهو مستمر في بعض جوانبه، شدّد على أن إفشال مخططات تقسيم سوريا يستلزم بناء دولة قوية لكل السوريين.
وفي لبنان، استغرب بشارة الإصرار على شروط مجحفة أميركيًا وإسرائيليًا قد تؤدي إلى حرب أهلية إذا ما نفذت. وفيما اعتبر أن القيادة الحالية في لبنان عقلانية وواقعية لكنها تواجه اشتراطات أميركية تعجيزية، لفت إلى أنّ الدولة اللبنانية وحزب الله يمكن أن يصلا إلى تفاهم بشأن السلاح، لكن يجب تركهما يفعلان ذلك من دون شروط.
منطقة نفوذ إسرائيلية على المشرق العربي
من القراءة الشاملة لمختلف الجبهات، انطلق الدكتور عزمي بشارة في حديثه إلى التلفزيون العربي، حيث أكّد أنّ دول المنطقة بمجملها يجب أن تنظر إلى التوسع الإسرائيلي بقلق شديد وحتى بفزع، متحدثًا عن نوع من سكرة القوة في هذا المخطط التوسعي، وخصوصًا لجهة المبالغة في استخدام القوة.
وقال: “سكرة القوة تؤدي إلى ارتكاب أخطاء بلا شك لكن إذا فكرنا بالنتائج المترتبة على هذا السلوك بدون ردود فعل عربية صارمة، فهذا يعني تثبيت وضع أنّ إسرائيل أصبحت لديها منطقة نفوذ واسعة في هذه المنطقة، لديها فيها الكلمة العليا”.
ولم يستبعد بشارة أن يؤدّي مثل هذا الوضع إلى أن تطرح إسرائيل شروطًا على كيفية إدارة بعض البلدان العربية، قبل أن يلفت إلى أنّها بدأت فعليًا بذلك ليس فقط في فلسطين، حيث تتصرف وكأنّ لا وجود لسلطة فلسطينية، ولكن حتى في سوريا ولبنان، حيث تتحدث وكأنّها وصيّة عليهما.
وأعطى بشارة مثالاً على ذلك، ما يجري في الضفة الغربية، حيث بدأت إسرائيل خطوات لضمّ أجزاء من المنطقة ب إذا لم يكن كلها، بإزالة الحدود ما بين يسمى المنطقة ب والمنطقة ج، من دون أي اعتبار لوجود سلطة فلسطينية.
ولاحظ أنّ السياسة الإسرائيلية الحالية في غزة تقوم على شقّين لا ثالث لهما، وهما: قصف كلّ شيء في القطاع بلا هوادة، وفي الوقت نفسه عدم الاستعداد لأي تسويات يمكن أن يقبلها طرف آخر، وإنما التعامل بفرض إملاءات المنتصر الذي يطلب من الطرف الآخر أن يعلن هزيمته ويخرج من المنطقة، من دون أن تَعِد حتى بأي ثمن سياسي لذلك.
وقال بشارة: “إذا نظرت إلى هذه السلوكيات جميعها من القصف العبثي في سوريا الذي فيه طرف يحاول أن يثبت أنه سيد جنوب سوريا، والإصرار على شروط مجحفة في لبنان قد تؤدي إلى حرب أهلية إذا ما نفذت، وعدم إعطاء أي اعتبار لوجود العرب، فهذا كله ينذر بأننا مقبلون على حقبة جديدة، سمّيتها فرض منطقة نفوذ إسرائيلية على المشرق العربي”.
المفاوضات الأميركية الإيرانية.. هل تفاجأ نتنياهو؟
وقبل أن يتوقّف بشارة تفصيليًا عند كلّ جبهة من هذه الجبهات الثلاث، توقف عند التطورات المرتبطة بالمفاوضات الأميركية الإيرانية التي يتوقع أن تشهد أولى محطاتها يوم السبت المقبل في سلطنة عُمان، واللقاء الأخير الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث أعرب عن اعتقاده بأنّ الرئيس الأميركي لم يمنح نتنياهو كامل تركيزه.
وأوضح بشارة أنّ ترمب يركز على موضوع الحرب التجارية، خصوصًا بعد الرسوم الجمركية التي فرضها، في حين أنّ قضايا المنطقة هي ثانوية، وربما هامشية بالنسبة إليه، مشدّدًا على أنه يرى الاقتصاد العالمي من منظار رجل الأعمال وليس رجل الدولة.
وإذ اعتبر أن ترمب يلوح بالتهديد العسكري ضد إيران لتحسين شروط التفاوض، استبعد أن يكون نتنياهو قد فوجئ بحديث الرئيس الأميركي عن المفاوضات مع إيران، لأنه يعرف أن ترمب يفضّل الحل الدبلوماسي، وهو يقول ذلك كل الوقت، علمًا أنّ الإشكالية التي كانت قائمة، ترتبط بشكل هذه المفاوضات، بين ما إذا كانت مباشرة أم لا.
وقال: “إذا توصل الأميركيون والإيرانيون إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، تكون المنطقة قد جُنّبت الحرب، وهذا طبعًا لا يستسيغه نتنياهو”. وأعرب عن اعتقاده بأنّ القيادة الإيرانية ستبدي براغماتية، فهي لا تريد الحرب في الوقت الحالي، ولا سيما بعدما تلقّت ضربات كافية في الفترة الأخيرة.
وأضاف: “هناك طرف مصدر قوته هو التهديد بالحرب، في حين أنّ الطرف الآخر مصدر قوته أنه يعرف أن الطرف الآخر لا يريد الحرب”. وشدّد على أنّ مسألة المفاوضات بدأت للتو، وهي ستحتاج إلى بعض الوقت قبل أن تنضج معالمها.
حرب الإبادة تجاوزت الرد على 7 أكتوبر
بالانتقال إلى الوضع في قطاع غزة، جدّد المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، القول إنّ حرب الإبادة تجاوزت الرد على السابع من أكتوبر، موضحًا أنّها طوّرت لذاتها أهدافًا، لا علاقة لها بالرد على هجوم السابع من أكتوبر، بشهادة من كانوا في موقع النقد لعملية “طوفان الأقصى”.
وشرح أنّ الحرب الإسرائيلية الوحشية، التي تسمّى بحق حرب إبادة، بكلّ ما للمصطلح من تعريفات، قطعت الصلة بعملية 7 أكتوبر، وأصبح لها أهداف خاصة، لافتًا إلى أجندات إسرائيلية صهيونية تاريخية أصبحت هدفًا مُعلَنًا لهذه الحرب، في إشارة إلى مخططات الضمّ والتهجير بشكل خاص.
وأعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ هذه الأهداف تطورت مع الوقت لأن إسرائيل أدركت حجم الالتزام الأميركي والتساهل العربي أو التراخي العربي في الرد، إلى درجة أن أي عاقل بدأ يعتقد أن هناك انتظارًا او حتى رهانًا أن تقضي إسرائيل على المقاومة. وذكّر بأنّ العرب كانوا قادرين على فعل الكثير، بما في ذلك التلويح فقط باتفاقيات السلام، فضلاً عن السماح بمظاهرات مليونية متواصلة في الوطن العربي، لكنّ ذلك لم يحصل.
وإذ ذكّر بشارة بأنه منذ الأسبوع الثاني للحرب، دعا إلى توقّع “أسوأ السيناريوهات”، قال: “طوّرت إسرائيل هذه الجرأة بالاستمرار في الحرب إلى هذه الدرجة عندما رأت هذا التراخي العربي، فالحرب مستمرّة لأنه لا يوجد من يوقفها بكلّ بساطة”، مضيفًا: “لا أرى حاليًا تسويات معقولة تقبلها إسرائيل”.
فمع إشارته إلى وجود حديث في المقترحات المصرية أو القطرية أو المشتركة التي تتحدث عن هدنة في غزة مقابل إطلاق سراح محتجزين، لفت إلى أنّ إسرائيل لم تعد تقبل بما هو أقلّ من نزع سلاح المقاومة وخروج أعداد كبيرة منها من غزة، ثمّ عمليًا احتلال غزة. واستنتج من ذلك أنّ “المطروح هو احتلال غزة وتهجير سكانها وهذا ليس تسوية”.
أي تسوية “معقولة” يجب أن تتضمن “وقف الحرب”
وشدّد بشارة على أنّ أي مقترح معقول يقبل به أهل غزة يجب أن يقوم على وقف الحرب بالدرجة الأولى، وقال: “أهل غزة الذين لا يفاوضون والذين يريدون حلاً بأي ثمن، لا يقبلون حلاً لا يتضمن وقف الحرب، وبالتالي فإنّ أي تسوية يجب أن تتضمن وقف الحرب، وهذا ما يجب أن تقنع به الدول العربية إسرائيل”.
ورأى بشارة أنّ المفاوضات باتت عمليًا مع الولايات المتحدة، وليس مع إسرائيل، منذ المرحلة الأخيرة من ولاية الرئيس السابق جو بايدن، موضحًا أنّ ما يأتي من إسرائيل من ردود هي ردود تعجيزية تعني عمليًا الرفض، ولذلك فإنّ المفاوضات الحقيقية تجري مع الولايات المتحدة، “لعلّها إذا قبلت تضغط على إسرائيل، وهي قادرة في هذه الحالة على أن تأمر إسرائيل بالالتزام”.
وفي موضوع التهجير، أكد بشارة أنّ إسرائيل ترغب به، حتى لو كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب هو من بادر إلى طرحه، قبل أن يتراجع، علمًا أن نتنياهو أصبح يطلق عليه “برنامج ترمب” منذ ذلك الوقت، في محاولة لإحراجه، عبر نسب خطة التهجير إليه.
وألمح إلى محاولات للضغط على مصر أيضًا، لأنّ إسرائيل تدرك أنّ الخطة لا يمكن أن تنجح من دون مصر، وذلك عبر الإيحاء بأنّ القاهرة هي من “تمنع هجرة الفلسطينيين”، وليس “تهجيرهم”. ونبّه إلى أنّ الخطة تصبح قابلة للتنفيذ، إذا ما استمرّ السلوك العربي كما هو.
لكنّ بشارة أعرب عن اعتقاده بوجود شيء متغيّر على مستوى الرأي العام، الذي ازداد ضغطه في الآونة الأخيرة، وخصوصًا بعد الكشف عن مجزرة المسعفين التي استهدفت شباب الدفاع المدني الفلسطيني، مشدّدًا على أنّ من لديه بقايا إحساس إنساني لا يمكن أن يقبل بما يجري.
بداية نوع من “التململ الأميركي”
وتوقف بشارة عند اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني، متحدّثًا عن “دلالات” يحملها بين طيّاته، ولا سيما أنّ مصر والأردن هما الدولتان المعنيّتان بخطة التهجير.
وأعرب عن اعتقاده بأنّ الرئيس الأميركي كان منزعجًا في الاجتماع مع نتنياهو، وقال له “إنه يجب أن تنهي الحرب بسرعة”. وأوضح أنّ ترمب بدأ ينزعج من كثرة الاتصالات، ولا سيما أنّ موضوع غزة أعاد إحياء حركة تضامن في أوروبا والعالم العربي وقد يحييها في الولايات المتحدة نفسها، وهو ما يمكن تلمّسه من المظاهرات التي خرجت ضد ترمب، حيث ارتفعت هتافات داعمة لغزة.
وتحدّث بشارة في هذا الإطار عن بداية نوع من التململ الأميركي، مشدّدًا على وجوب زيادة الضغط في حركات التضامن والحركات الشعبية في هذه المرحلة لكي تفهم الولايات المتحدة أن لهذا الأمر عواقب على مستوى المنطقة العربية، وأن هذا الاحتقان الجماهيري قد ينفجر، وأن حلفاء الولايات المتحدة سيتضررون من هذا الأمر.
وقال: “أعتقد أننا دخلنا الفترة الحاسمة فيما يتعلق بتنفيذ الخطط الإسرائيلية، ولا يجوز أن يستمر هذا الانفلات الإسرائيلي بهذا الشكل على أهلنا في غزة”.
منطق ترمب وعقيدته.. المصالح قبل الحلفاء والخصوم
من جهة ثانية، لفت المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أن الرفض دخل الولايات المتحدة لسياسات ترمب ينطلق من قضايا داخلية تضاف إليها عناوين خارجية، معتبرًا أنّ ترمب يتبنى عقيدة في السياسة الخارجية تقوم على المصالح لا على الحلفاء والخصوم.
واستنادًا إلى ذلك، قال بشارة إنّ المنطق في هذه العقيدة التي يتبنّاها ترمب، هو أنّ “العالم يحكمه الأقوياء، وأن الأقوياء لديهم مناطق نفوذ، طالما أنّ هؤلاء الأقوياء يعترفون بأسد الغابة أو ملك الأقوياء وهو الولايات المتحدة التي يجب أن تكون قادرة على ترجمة قوتها العسكرية والاستراتيجية إلى تفوق اقتصادي أيضًا”.
ولفت إلى أنّ هذا المنطق يتبنّاه ترمب أيضًا في الشرق الأوسط، فهو يرى إسرائيل حليفًا حتى داخل الولايات المتحدة وليس فقط خارجها وذلك من خلال لوبيات الضغط، أما سوريا فهي ليست قوية بالنسبة إليه. ولذلك فهو لا يمانع أن تسيطر إسرائيل على جنوب سوريا إذا كانت قادرة على ذلك، وأن تسيطر تركيا على شمال سوريا في المقابل.
ومن هنا، نبّه بشارة إلى أنّ سوريا تواجه خطر نشوء وضع شبيه بالوضع في ليبيا، مشدّدًا على أنّ القيادة السورية برئاسة أحمد الشرع يجب أن تفهم هذا الخطر، وأن تدرك أن الجواب عليه هو توحيد المجتمع السوري بكلّ أطيافه.
وذكّر بأنّ الهدف الإسرائيلي الأول الذي تحقق في مرحلة ترمب السابقة أن الجولان أصبح خارج أي تفاوض في المستقبل، أما الهدف الثاني اليوم فهو إقامة منطقة منزوعة السلاح تكون لإسرائيل سيطرة على ما يجري فيها، “لكن هذا احتلال، وهو يضرّ بسيادة سوريا، ويجب التعامل معه كاحتلال”.
إسرائيل تحلم بتقسيم سوريا إلى دويلات
وفي الملف السوري، رأى الدكتور عزمي بشارة أنّ إسرائيل تحلم بتقسيم سوريا إلى دويلات، وهي تريد أن تفرض نوعًا من الإملاءات على الحكومة السورية الجديدة، في أيّ تسوية يمكن أن تحصل، بمعنى إبقاء سوريا تحت تأثير إسرائيل وإملاءاتها.
ولفت إلى أنّها لا تسمح ببناء جيش في سوريا، كما أنّها “ترى الحكام الجدد في سوريا جهاديين وتعتبر أن ترك المجال لهم سيؤدّي إلى تسرّب جهاديين يحاربونها”، علمًا أنّها لا تعترف بهذه المجموعات، ولديها فكرة عن طبيعة الحركات السلفية الجهادية في المنطقة.
وقال: “قد تكون إسرائيل تحلم فعلاً بتقسيم سوريا إلى دويلات، لكن سلوك الشعب السوري والقيادة السورية يفترض أن يكون نقيض ذلك”، مضيفًا: “هذه قضية يفترض أن تكون سوريا قد تجاوزتها في ثورتها الكبرى ضد الفرنسيين”.
ولفت إلى أنّ سوريا كانت في يوم من الأيام دولة تعددية ديمقراطية لا يوجد فيها طائفية كالتي نراها الآن، ثم جاء حكم البعث الأول ثم حكم عائلة الأسد، وقد أصبحت سوريا تاريخيًا دولة إقليمية رئيسية في المنطقة، ولذلك يجب أن يتصرف السوريون على هذا الأساس بغض النظر عن طبيعة النظام السابق والقادم”.
وقال: “نشأت في سوريا دولة دفع الشعب السوري ثمنًا لها دماء، وهذا ما لا يجب التفريط به”. ولذلك دعا الإدارة الحالية في سوريا إلى التعامل مع الأمر على أنّ سوريا دولة وللدولة مؤسسات تشارك فيها جميع الأطراف، مضيفًا: “هذه قضية رئيسية يجب حلها في أسرع وقت”.

أحداث الساحل السوري وكيفية الرد عليها
ومن هنا، توقف بشارة عند أحداث الساحل السوري، حيث قال إنّها مؤسفة ومزعجة، مشدّدًا على أنّ ما حدث في الساحل السوري خطير وهو مستمر في بعض جوانبه، كما استغرب أن يكون في سوريا من ينشغل اليوم بلباس المرأة، أو بالطائفية، في ظل الاحتلال الإسرائيلي ومحاولات تقسيم سوريا، والكلام عن مناطق نفوذ، ناهيك عن الوضع الاقتصادي.
واستهجن بشارة في هذا الإطار الكلام الطائفي الذي يصدر عن بعض الأطراف، كأن يصبح سنّة تعاونوا مع النظام “معارضة فقط لأنهم سنّة”، وأن يصبح علويّون عارضوا النظام، “هم العلويون الذين كانوا يحكموننا”. وقال: “في النهاية هناك نظام حكم سوريا بالديكتاتورية. أما اليوم فيجب أن يتصرف السوريون كشعب واحد وليس طوائف”.
وشدّد على أنّه “لكي تنجح التجربة الحالية في سوريا هناك شروط، ولتكون مؤهلة أيضًا لمقاومة إسرائيل كدولة واحدة موحّدة، ومن هذه الشروط اعتبار الوجود الإسرائيلي أساسيًا لأنه قد يعني تقسيم سوريا، وهو ليس قضية جانبية أو هامشية.
وشدّد بشارة على أنّ إفشال مخططات تقسيم سوريا يستلزم بناء دولة قوية لكل السوريين، لافتًا إلى أنّه يرفض المحاصصة، لأنها تكرس البنية الطائفية للدولة وليس للمجتمع، وبالتالي يصبح كل النضال السياسي في إطار طائفي. لكنه أردف: “حين نقول لا للمحاصصة، لا نعني استغلال ذلك لعدم إشراك الآخرين، وعندما نقول لا توجد أقليات في سوريا، فلأننا نعتبرهم جميعًا جزءًا من الأكثرية السورية، وليس لعدم الاعتراف بهم مثلاً”.
وإذ أكد مرة أخرى أنه يريد للحكام الجدد في سوريا النجاح، بعد الدور الكبير الذي لعبوه لإنجاح الثورة ضد النظام السابق، دعاهم إلى الانتباه لكل هذه القضايا. وقال: “ما حصل في الساحل خطير، والأخطر أن بعض جوانبه مستمرة في طريقة التعامل”. لكنه أعرب عن اعتقاده بأنّ هذا الأمر يحتاج لوقت، وإن اعتبر أن “الوقت مرهون بالنية وهذا يظهر منذ البداية”.
الدولة اللبنانية وحزب الله يمكن أن يتوصلا إلى اتفاق
في الملف اللبناني، أعرب المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عن اعتقاده بأنّ القيادة الحالية في لبنان عقلانية وواقعية، لكنه رأى أنها تواجه اشتراطات أميركية تعجيزية.
وفي إشارة إلى زيارة نائبة المبعوث الأميركي مورغان أورتاغوس الأخيرة إلى بيروت، توقف بشارة عند السطر الأخير من كلامها، شأنها شأن مختلف المبعوثين إلى المنطقة، والذي يقوم على تنفيذ الشروط، “وإلا سنترككم وحدكم ولن نهتمّ بكم”.
ولفت بشارة إلى أنّ الضغوط على لبنان في الأشهر الأخيرة، كانت تقوم على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أصيلة، والتوقيع على اتفاق وقف الحرب، وكلّ ذلك حصل، ولم تبقَ سوى قضية سلاح حزب الله.
ولفت إلى أنّ موقف حزب الله واضح وصريح، فهو يؤكد نه لا يريد الحرب، وهو عمليًا يعترف بأن وضعه متغيّر، ويكرّر في كل المناسبات أنه يقف خلف الدولة، وأنه جاهز للتفاهم معها. ومن هنا، اعتبر أنّ المطلوب ترك الدولة لتتفاهم مع الحزب، من دون فرض شروط أو جدول زمني عليها.
وسأل: “إذا كانت الدولة غير قادرة أو تعتقد في تقييماتها أن نزع سلاح حزب الله سيؤدي إلى صدام، هل تخرب لبنان؟”. وقال: “يجب أن تتفاهم الدولة مع حزب الله على سلاحه، ولكن دعوا الدولة وحزب الله يتفاهمون”.
واعتبر أنّ المشكلة أن هناك في لبنان من هم مستعجلون مثلهم مثل إسرائيل، ولكنّهم ليسوا كثرًا هذه المرة لأن لبنان تعب من الحروب”.
وخلص إلى أنّ هناك قيادة حالية عقلانية وواقعية في لبنان وانتخبت ديمقراطيًا، “إلا أن الشروط الأميركية الحالية، وهي الشروط الإسرائيلية في الواقع، تعجيزية لأنه لا يهمّهم لبنان، إذ ليس على جدول أعمالهم لا لبنان ولا سوريا”.
المصلحة العربية المشتركة.. أين تكمن؟
وأعرب بشارة ختامًا عن اعتقاده بأنّ هناك دولاً عربية قادرة على الدعم والمساعدة، سواء في لبنان أو في سوريا، أو في غزة، متسائلاً: “لماذا تترك هذه الدول الأمور للعبة ثنائية أميركية إسرائيلية في هذه المناطق؟”.
وأعرب عن اعتقاده “بأننا تجاوزنا مرحلة الانقسام الذي كان ولكن ليس لصالح إقامة كتلة بل للتشظي”، لافتًا إلى أنّ الدول العربية، حتى تلك المتحالفة مع الولايات المتحدة، تتنافس فيما بينها من الأقرب إلى الولايات المتحدة، بمعنى أنّها تطوّر أجندات مصطنعة متفاوتة.
واستغرب كيف أنّ العرب لم يجدوا طريقة للتفاهم على منظور حد أدنى لوقف الحرب في غزة ولا يزالون ينظرون إلى الموضوع كل من زاويته أي علاقاته مع محيطه ومع الولايات المتحدة وموقفه من إيران، إلى آخره.
وشدّد على أنه توجد مصلحة عربية مشتركة ألا يصبح المشرق العربي منطقة نفوذ إسرائيلي وألا تقسّم سوريا، بل أن تنتعش سوريا وتقوى وتكون دولة مستقلة وقوية، وأن تستعيد في مرحلة ما علاقاتها السابقة مع العراق، متحدّثًا عن مثلث آخر في هذا السياق، يقوم على العراق وسوريا ولبنان، من دون أن يكون تابعًا لإيران، “لكن هذه الدول يجب أن تتعاون في المستقبل”.
وخلص إلى أنّ “لدينا مصلحة عربية ألا تنشب حرب أخرى في المنطقة وأن ينشأ نظام أمن إقليمي مشترك مع تركيا وإيران لننهي موضوع المحاور والتهديد الإيراني، وأن تفهم إيران أنها من أصل المنطقة، من دون التدخل في شؤون الدول العربية”.
- التلفزيون العربي