تحتفل الطوائف المسيحية بعيد القيامة الذي يعتبر، حسب الأناجيل، عيد عودة المسيح إلى الحياة بعد ثلاثة أيام من موته، وهو من المبادئ الرئيسية للإيمان المسيحي، باعتباره «ميلادا جديدا لرجاء حيّ بقيامة يسوع المسيح من بين الأموات» وقرر المسيحيون، في مجمّع نيقية (325 بعد الميلاد) الافتراق عن عيد الفصح اليهودي، الذي يحتفل بخروج بني إسرائيل من مصر، فيما قدّم الإسلام سرديّة أخرى اعتبر فيها أن الله رفع عيسى بن مريم إليه وربط عودته إلى الأرض، في آخر الزمان، بيوم القيامة.
يعتبر كثير من باحثي التاريخ والأنثروبولوجيا، وكذلك نتائج علم الجينات الحديث، أن الفلسطينيين، على اختلاف أديانهم الحالية، هم الأحفاد الطبيعيون للسيد المسيح، وللمسيحيين الأوائل، ومن الصعب التخيل، وقد آل حالهم إلى هذه المذبحة المفتوحة في البقعة التي تعتبرها الأديان التوحيدية الثلاثة، أرضا مقدسة، أن قادة الدين المسيحي، عندما يستعيدون، كل سنة، في هذا العيد، أحداث «العشاء الأخيرة» للمسيح الناصريّ بين حوارييه، و«الجمعة العظيمة» للصلب، و«البعث من الموت» ألا يفكروا بمعاناة الفلسطينيين.
يمر اليوم المقدس هذا والمسيحيون في مدينة غزة هذا «العيد» تحت تهديد حرب الإبادة الإسرائيلية التي دخلت شهرها التاسع عشر، وقد اقتصرت احتفالاتهم في كنيسة القديس بيرفريوس للروم الأرثوذكس، على عشرات من الحاضرين، بعد تناقص أعدادهم بسبب الهجرة من القطاع.
أما في الضفة فقامت الشرطة الإسرائيلية بالاعتداء على مسيحيين فلسطينيين أثناء احتفالاتهم بـ«سبت النور» في كنيسة القيامة، ورأت بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية أن الإجراءات الإسرائيلية حولت أحياء البلدة القديمة ومحيط كنيسة القيامة إلى «ثكنة عسكرية محاصرة بالحواجز والأسلحة المشرعة بوجه المؤمنين» محولة «مدينة السلام» إلى «مدينة قمع وعنف واستباحة للمقدسات».
أشار بابا أقباط مصر، تواضروس الثاني، في تصريحات له أمس إلى تعرض فلسطينيي قطاع غزة إلى «أبشع أنواع الظلم معيشيا وإنسانيا واجتماعيا، مع تدمير البلد هناك» وكان لافتا قوله إن لديه «رؤية واحدة مع فضيلة الإمام الأكبر (شيخ الأزهر) حيث نرجو أن يستيقظ ضمير العالم لإنقاذ أهلنا في غزة».
أشار فرانسيس بابا الفاتيكان، أيضا، في رسائله للعالم بمناسبة العيد بما يحصل في فلسطين بقوله: «يتوجه فكري إلى شعب غزة، ولا سيما إلى الجماعة المسيحية فيها، حيث ما يزال النزاع الرهيب يولد الموت والدمار، ويسبب وضعا إنسانيا مروعا ومشينا» داعيا لوقف إطلاق النار وتقديم المساعدة «للشعب الذي يتضور جوعا».
بغض النظر عن الافتراقات العقيدية بين الأديان الإبراهيمية فيما يخص موضوع المناسبة، فإن ما يجمعها، على أي حال، هي فكرة التغيير الكبير الذي يطرأ على العالم، وعلى أتباع الدين، والبشرية، كما تجمعها فكرة الانتقال من الموت إلى الحياة، ولكن ما يثير الأسى والهول، أن هذه المناسبة تجيء وإسرائيل توزّع رسائل الموت والدمار والقتل على الأرض التي تعتبرها هذه الأديان أرضا مقدسة.
من نافل القول إن المقتلة الدموية الهائلة الجارية حاليا في فلسطين تجسد إلى حد كبير الآلام الفظيعة التي يعانيها الفلسطينيون، منذ نشوء إسرائيل عام 1948، التي تعمل، منذ ذلك التاريخ، على منع انبعاث الشعب الفلسطيني، وقيامته، وأنه إذا كان هناك من مأساة تاريخية كبرى يمكن أن تتجسّد فيها معاناة المسيح الناصري/ عيسى بن مريم فهي التراجيديا الفلسطينية الرهيبة.
- القدس العربي