بسقوط الأسدية ارتفعت الأصوات مطالبة بملفّي العدالة الانتقالية والمفقودين، بل كان الحديث قبل ذلك بسنوات، وثمة دارسون وباحثون في الخارج – سوريون وأجانب – قصروا جهودهم في السنوات الأولى للثورة للحديث في الملفّين والكتابة فيهما، بالإضافة لمنظمات مجتمع مدني، ربما كانت الرغائبية غالبة وقتئذٍ، وما زالوا يتابعون هذا الحديث في هذا المجال بعد سقوط النظام، وبعضهم يحطّ في دمشق.
وعلى الرغم من الأسبقية في الحديث والتنظير والترويج والتسويق للعدالة الانتقالية والمغيّبين، جاء مرسوما الرئاسة السورية بإحداث هيئة لكل من القضيتين، وهو ما كان يُنتظر في المرحلة الانتقالية، لكن أصواتاً ارتفعت تنتقد وتنظّر لما نُظّر له من قبل!
إننا-السوريين- نطلب الكمال في أقصر الأوقات، وهذا حقّ وليس أمنيّة وحسب، ولكننا نقع غالباً في شرك الشكليّ والرغبوي على حساب الواقعي والعملي، وهنا ليس القول بألّا نطالب ونناقش ونحاسب، بل نقرّ بضرورة الخطوة، ثم ننتقد نقائصها وعيوبها، ونستكمل ما فاتها، مع التأكيد أن الواقع سيفرض التعديل والتغيير حتى تستقيم الأمور، وتقترب أو تطابق ما تراه الأغلبية صواباً.
مرسومان قرأهما السوريون قانونياً وحقوقياً، وهذه تطول وتتفرّع، ولن تنتهي بين ليلة وضحاها، وأمامنا عشرات التجارب السابقة في العالم، آخرها التجربة التونسية، فقد أقرّت العدالة الانتقالية قبل 12سنة، ولمّا تصدر قراراتها بعد! بينما إصدارهما في هذا الوقت يمثّل رسالة تطمينيّة للداخل الذي بدأ يدخل في تغييرات مهمّة -وربّما جذرية- بعد القرار الأميركي برفع العقوبات، والأهمّ أنهما رسالة سياسية للخارج الذي ما فتئ يطالب بالعدالة الانتقالية ومتابعة ملفّ المفقودين، ويراقب كلّ ما يجري على الأرض، وبالتالي هما إشعار من الإدارة السورية بتنفيذ ما يتوجّب من استحقاقات. وقد لقي المرسومان ترحيباً وثناء في أميركا وأوروبا والعالم العربي، وعُدّا خطوة أساسية في الطريق الصحيحة لسورية الجديدة.
كلّ ما يصدر من مراسيم، لاشكّ، مهمّ، والكل يحتاج للثناء كما يحتاج للنقد والتصويب، وليكن الواقع ومتطلباته فيصلاً، فعندما تريد دولة مواطنة وقانون يشارك فيها الجميع دون إقصاء، وجب أن تُفتح زاوية الحوار والبعد عن التشنّج، لأن سورية للجميع ولا تُبنى إلا بوجود الجميع وجهود الجميع.
- رئيس التحرير