بعد ضربات عسكرية غير مسبوقة شهدتها المنطقة في يونيو ٢٠٢٥، باتت احتمالات التصعيد بين إسرائيل وإيران على أعتاب مرحلة خطيرة قد تُعيد تشكيل الأمن الإقليمي. هذه المواجهة، التي تجاوزت حروب الوكالة إلى عمق الأراضي الإيرانية، لم تعد سيناريو افتراضياً بل واقعاً ملموساً تتداخل فيه حسابات الردع النووي، ومخاطر حرب شاملة، وإستراتيجيات القوى الدولية.
تستعرض هذه التحليلات المسارات المحتملة للصراع بناءً على معطيات ميدانية حاسمة: فشل الضربات الإسرائيلية في القضاء الكامل على البرنامج النووي الإيراني المُوزَّع تحت الأرض، وقدرة طهران على تصعيد إقليمي عبر حلفائها وأسلحتها الباليستية، إلى جانب تداعيات إغلاق مضيق هرمز على الاقتصاد العالمي. كل ذلك يحدث في ظل مفاوضات نووية مُعلَّقة، وغياب ضمانات دولية فاعلة لاحتواء الأزمة.
في هذا المشهد المعقَّد، تبرز ثلاثة سيناريوهات رئيسة تُحدِّدها قرارات طهران وواشنطن أكثر من أي وقت مضى: حرب محدودة تَحتويها حسابات التكلفة السياسية، أو تصعيد شامل يُجرّد المنطقة من استقرارها، أو صراع ممتد يُحوِّل الشرق الأوسط إلى ساحة حرب باردة جديدة. القاسم المشترك بينها جميعاً، أن باب المواجهة المفتوح يوم ١٣ يونيو قد غيَّر قواعد اللعبة إلى الأبد.
وبناءً على أحدث التقارير والتحليلات حتى 14 يونيو 2025، نقدَّم السيناريوهات المحتملة للحرب بين إسرائيل وإيران وفق المحاور التالية
أولاً: سيناريو التصعيد الإقليمي الشامل مع انهيار اقتصادي وأمني( السيناريو المتشائم)
يُعد السيناريو الأكثر تشاؤماً للحرب الإسرائيلية-الإيرانية.
المحاور الرئيسية للسيناريو المتشائم
1- انزلاق سريع نحو حرب شاملة
توسّع نطاق المواجهة:
تحول الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران إلى حرب إقليمية تشمل حلفاء الطرفين (حزب الله في لبنان، الحوثيون في اليمن، والميليشيات العراقية)، مع تدخل عسكري أمريكي مباشر لدعم إسرائيل بعد تدمير أجزاء من وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب.
مؤشرات التصعيد:
استخدام إيران لغواصاتها لإطلاق صواريخ باليستية لأول مرة ، وتهديدها بإغلاق مضيق هرمز مما سيحرم الأسواق العالمية من 60 % من إمدادات النفط.
2- انهيار الاقتصاد العالمي
ارتفاع النفط إلى 130 دولاراً للبرميل: نتيجة إغلاق مضيق هرمز وتدمير منشآت نفطية في الخليج
توقّف سلاسل الإمداد:
تعطيل الممرات البحرية الرئيسية (مثل قناة السويس) بسبب الهجمات الحوثية على السفن، وانهيار اقتصادات دول الخليج التي تحتاج لسعر نفط 90 -119 دولار لتحقيق توازن ميزانياتها
3- تداعيات نووية خطيرة:
انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي:
كردّ على تدمير منشآتها النووية في نطنز وفوردو، مع تسريع برنامجها النووي السري بدعم كوري شمالي.
استهداف العلماء النوويين:
مقتل 6 علماء نوويين بارزين (مثل فريدون عباسي ومحمد مهدي طهرانجي) يدفع إيران لتبني استراتيجية “الردع النووي” المباشر.
4- تفكّك الأنظمة الإقليمية
انهيار الاستقرار في لبنان والعراق: تحولهما إلى ساحات قتال بين الميليشيات الموالية لإيران والقوات المحلية.
اضطرابات سياسية في إيران:
احتجاجات شعبية بسبب الخسائر البشرية (78 قتيلاً في طهران وحدها) وانهيار البنية التحتية، مع صعود تيار متشدد يطالب بـ”حرب حتى النهاية”
5- تدخل دولي محدود التأثير
فشل جهود الوساطة:
تعليق المحادثات النووية في عُمان، وعجز مجلس الأمن عن فرض وقف إطلاق نار بسبب الفيتو الروسي-الصيني.
تصدّع تحالف “أوبك+
خلافات بين روسيا والسعودية حول حصص الإنتاج النفطي، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية.
أسوأ الاحتمالات المضافة للسيناريو
استخدام أسلحة غير تقليدية:
لجوء إيران لهجمات إلكترونية تعطّل شبكات الكهرباء والمياه في إسرائيل، ورد إسرائيلي بتدمير السدود الإيرانية.
انهيار النظام الإيراني:
تصاعد المواجهات الداخلية بعد اغتيال قادة بارزين (مثل حسين سلامي قائد الحرس الثوري)، وتفكك الجيش بين مؤيدين للمرشد ومعارضين.
انتشار المجاعات في المنطقة:
توقف صادرات الحبوب من أوكرانيا وروسيا بسبب الحرب المستعرة، وتضرر دول مثل مصر والسودان.
خلاصة التشاؤم: لماذا هذا السيناريو هو الأسوأ؟
التوسع الجغرافي: انتشار الحرب إلى 7 دول (اليمن، سوريا، العراق، لبنان، الأردن، فلسطين، الخليج)
الخسائر البشرية: تقديرات بوصول القتلى إلى عشرة آلاف معظمهم مدنيون ونزوح 5 ملايين شخص
الانهيار الاقتصادي: فقدان 40 % من الناتج المحلي، وارتفاع التضخم العالمي إلى 30 %
التداعيات الوجودية: خطر استخدام أسلحة الدمار الشامل إذا طوّرت إيران رأساً نووياً خلال أشهر.
إيران دولة محورية ولديها قدرات حقيقية على المواجهة” “الذهاب إلى النهاية في هذه الحرب ليس مستبعداً…
هذا السيناريو يُحول الشرق الأوسط إلى “ساحة حرب مفتوحة” تُعيد تشكيل خريطة المنطقة أكثر من أي حدث منذ سايكس بيكو.
ثانياً: احتواء التصعيد عبر آليات الضغط والوساطة (السيناريو المعتدل)
سيناريو أقل تشاؤماً للحرب الإسرائيلية-الإيرانية، يركز على احتواء التصعيد عبر آليات الضغط والوساطة، مع بقاء الخطر كامناً
محاور السيناريو المعتدل (احتمالية 40%)
1– وقف إطلاق نار مُراقَب بعد 7 أيام
آلية التهدئة:
وساطة قطرية-عُمانية مع ضغوط أمريكية-صينية مشتركة، تتفق على:
وقف الضربات الجوية الإسرائيلية مقابل توقف إيران عن الهجمات الباليستية المباشرة.
إبقاء حرب “الوكالة” (حزب الله/الحوثيين) عند مستوى منخفض.
الدليل: يمكن أن نبني على تصريح وزير الخارجية القطري الذي أكد أن قطر ستعمل مع شركائها لوقف العدوان على إيران بشكل عاجل “لدينا قنوات اتصال مع الطرفين لاحتواء الأزمة”
2- تراجع إيران عن التصعيد المباشر
الأسباب: الخسائر العسكرية تدمير 40 % (من منصات الصواريخ الباليستية)
الضغط الاقتصادي (انهيار الريال الإيراني 30%) خلال يومين.
الرد الإيراني: يقتصر على: هجمات إلكترونية على البنية التحتية الإسرائيلية (تعطيل مؤقت للموانئ).
إطلاق صواريخ من اليمن تجاه إيلات دون خسائر بشرية.
3- عودة غير معلنة للمفاوضات النووية
التسوية الضمنية: إيران تسمح بتفتيش محدود لـمنشأة أصفهان تحت إشراف الوكالة الدولية
الولايات المتحدة تفرج عن 3 مليارات دولار من الأموال المجمدة لإيران في العراق.
التوقيت: جولات سرية في عُمان بحلول يوليو 2025
4- تداعيات اقتصادية محدودة
النفط: يستقر عند 85-90 دولار للبرميل (بعد قفزة مؤقتة ل 105 دولارات)
الدول الأكثر تضرراً:
لبنان: أضرار ب 300 مليون دولار (هجمات متفرقة على بيروت).
الأردن: خسائر سياحية ب 120 مليون دولار (إغلاق المجال الجوي ل 3 أيام ).
إسرائيل: انخفاض الناتج المحلي 1،5 % (نفقات عسكرية طارئة \ جنود احتياط)
عوامل مساعدة لتحقيق هذا السيناريو:
الوساطة الخليجية: قطر وعُمان تُقدمان ضمانات لإيران بعدم مهاجمة منشآتها النووية مجدداً
الضغط الأمريكي: واشنطن تمنع إسرائيل من ضربات جديدة مقابل دعم عسكري استباقي (نظم “القبة الحديدية”)
حسابات إيرانية داخلية: المرشد الأعلى يرجح كفة التيار “العملي” (مثل رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف) على “المتشددين.
غضب شعبي: احتجاجات محدودة في طهران ضد التصعيد (شعارات: “لا لحرب المرشد”)
أخطار انهيار السيناريو
اشتعال الجبهة اللبنانية: إذا استهدف حزب الله مواقع إسرائيلية بعمق (مثل حيفا)
خطأ استخباراتي: مثل اغتيال غير مُخطط له لرمز إيراني
ضربة إيرانية رمزية: إطلاق صاروخ من غواصة إيرانية تجاه سفينة أجنبية
: توقعات الخسائر البشرية والمادية
القتلى:
السيناريو المعتدل 300-500 \ السيناريو المتشائم 10000+
النازحون: المعتدل \ 20000 ، المتشائم \ 5 ملايين
خسائر الناتج العالمي: المعتدل 120 مليار دولار / المتشائم 3 تريليونات دولار
مدة الصراع الفعلي: المعتدل 7- 14 يوماً / المتشائم 6- 12 شهراً
“إيران تدرك أن المواجهة المفتوحة مع إسرائيل والولايات المتحدة هي انتحار استراتيجي… السيناريو المعتدل ليس تفاؤلاً، بل هو ضرورة واقعية” — تحليل معهد الشرق الأوسط بواشنطن (15 يونيو 2025).
هذا السيناريو لا يعني انتهاء الأزمة، بل تحولها إلى حرب باردة إقليمية مع استمرار الهجمات المحدودة عبر الوكلاء، لكنه يُجنّب المنطقة السيناريو الكارثي.
ثالثاً: سيناريو التصعيد والاحتواء (السيناريو الوسطي)
السيناريو الوسطي الأكثر واقعية للحرب الإسرائيلية-الإيرانية، الذي يجمع بين عناصر التصعيد والاحتواء
محاور السيناريو الوسطي (احتمالية 50%)
1- مواجهة محدودة تنتهي بوقف إطلاق نار هش
المدة: 2-3 أسابيع من الضربات المتبادلة، تتوقف بوساطة قطرية-عُمانية مدعومة أمريكياً وصينياً
طبيعة العمليات:
إسرائيل: تركّز على الأهداف النووية (نطنز، أصفهان) وتجنب المواجهة البرية.
إيران: تردّ بصواريخ باليستية من أراضيها (70% تُعطَّل بأنظمة “القبة الحديدية”)، مع تصعيد وكيلها حزب الله عبر (هجمات على حدود لبنان الشمالية).
2- تداعيات اقتصادية متوسطة الشدة
النفط: قفزت أسعار النفط من 95 إلى 105 دولارات للبرميل (بسبب اضطرابات مؤقتة في مضيق هرمز).
الخسائر الإقليمية:
إيران: انهيار الريال بنسبة 50 % / تضخم 25 %
إسرائيل: خسائر عسكرية/ احتياط 500 مليون دولار
لبنان: تدمير بنية تحتية بقيمة 400 مليون دولار
3- تجميد النزاع لا حله
عودة المفاوضات النووية: 2 جولة سرية في عُمان (يوليو 2025) بضمانات أمريكية محدودة (إفراج عن 2
مليار دولار من الأموال المجمدة
استمرار حرب الظل: هجمات إلكترونية متبادلة، عمليات استخباراتية (اغتيالات محدودة)
هجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر (دون تعطيل ملاحي كبير).
4- تحولات جيوسياسية غير جذرية
دول الخليج: تسمح باستخدام أجوائها للدفاع عن أمنها، مع إدانة علنية للحرب
روسيا والصين: تضغطان لوقف إطلاق النار عبر مجلس الأمن، لكن دون فرض عقوبات
الولايات المتحدة: تقدم دعماً لوجستياً لإسرائيل (نقل ذخائر من مخازنها)، لكن ترفض ضربات وقائية
عوامل استقرار السيناريو:
التوازن العسكري: تفوق إسرائيل الجوي طائرات أف 15 يُحدّ من فعالية الضربات الإيرانية المباشرة
الرهان الاقتصادي: حاجة إيران للإعفاءات النفطية (تصدير 1.5 مليون برميل/يوم) تمنعها من إغلاق مضيق هرمز
الإرهاق الشعبي: احتجاجات في طهران وإسرائيل ضد التصعيد
الدور الخليجي: ضمانات تقدم للطرفين
نقاط الضعف في السيناريو
قنابل موقوتة:
محاولة إسرائيلية لاغتيال المرشد قد يُشعل موجة تصعيد لا تنتهي.
ضربة إيرانية “عن طريق الخطأ” على بارجة حربية غربية.
تأجيج التطرف: صعود تيارات متشددة في البرلمان الإيراني تطالب بـ”الثأر المقدس“
: مقارنة السيناريوهات
مدة الحرب الفعلية:
السيناريو المتفائل : 7 أيام ، الوسطي: 3 أسابيع، المتشائم: 6- 12 شهراً
سعر النفط:
السناريو المتفائل : 90 دولار، الوسطي: 105 دولار، المتشائم: +130 دولار
الخسائر البشرية:
السيناريو المتفائل: 200-300 / السيناريو الوسطي: 800-1200 / السيناريو المتشائم: 10000+
المخرج السياسي:
السيناريو المتفائل: اتفاق هش/ السيناريو الوسطي: مفاوضات متعثرة/ المتشائم: انهيار المفاوضات النووية
التوقعات طويلة المدى
“سيناريو الوسط هو الأقرب لواقع المنطقة… الحرب لن تُحسم عسكرياً، لكنها ستدفع الأطراف إلى قبول ‘توازن رعب جديد’ يُدار عبر قنوات غير مباشرة
– تحليل مركز كارنيغي للشرق الأوسط (15 يونيو 2025).
هذا السيناريو لا يحقق نصراً لأي طرف، بل يُحوّل الصراع إلى أزمة مزمنة تُدار بآليات الردع والوساطة، مع بقاء جذور الأزمة (البرنامج النووي/الدعم للميليشيات) دون حل.
- كاتب سوري