مثّلت الضربة الأمريكية لإيران، أول أمس السبت، تطوّرا خطيرا على مستوى البلدين والعالم.
تشكل العملية نجاحا لبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، بإدخال رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب بلاده في الحرب التي تشنّها القوات الإسرائيلية على إيران، وتمكن بذلك، حسب ما قال في تصريح بالعبرية أمس «من الإيفاء بوعده» بتدمير البرنامج النووي الإيراني.
جرى الهجوم، حسب الجنرال دان كين، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، باستخدام سبع قاذفات من طراز بي 2 التي استهدفت ثلاثة مواقع نووية إيرانية رئيسية: فوردو ونطنز وأصفهان، واستخدم فيها الجيش الأمريكي 75 سلاحا «موجها بدقة» وشاركت فيها 125 طائرة، وغواصة (أطلقت 20 صاروخ توماهوك على أصفهان) وألقيت فيها، لأول مرة في التاريخ، 16 من القنابل الخارقة للتحصينات من طراز جي بي يو ـ 57 (المدعوّة «أم القنابل» MOP) وشهدت ثاني أطول رحلة جوية في تاريخ الجيش الأمريكي، واستخدمت فيها القوات الأمريكية عناصر تضليل.
تمثّل عملية «مطرقة منتصف الليل» كما سمّاها الأمريكيون، انتقالة كبرى منذ عملية «الأسد الصاعد» الإسرائيلية التي استهدفت مواقع نووية وقادة عسكريين وعلماء نوويين ومراكز عسكرية ومدنية، وفي حين أخذ الوضع، منذ بدء الهجوم الإسرائيلي في 13 حزيران/يونيو الماضي، شكل الرد المتواصل على الهجمات الإسرائيلية بضربات الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، التي كان آخرها وأكثرها عنفا أمس الأحد، فإن من غير المعلوم بعد، إن كانت القيادة الإيرانية على وشك الرد على الضربات الأمريكية، وماهية هذا الرد.
فتح الهجوم الأمريكي الباب على توضّح أكثر في الاستقطاب العالمي وهو ما عبرت عنه مواقف أكثر صراحة وحدة، فشهدنا إدانات شديدة من الصين وروسيا (أعلن الكرملين، بطريقة دبلوماسية، عن قطع الاتصالات بين الرئيسين فلاديمير بوتين وترامب) وبالمقابل شهدنا موافقة ضمنية من الاتحاد الأوروبي على الهجوم الأمريكي، وقلقا في الخليج العربي، ومواقف أقل حدة في مجمل دول العالم.
رغم الموقف الغربي المؤيّد عموما لـ«مطرقة الليل» الأمريكية، فمن الصعب عدم ملاحظة مظاهر صعود شعور مناهض متزايد لأمريكا وإسرائيل معا في الرأي العام الغربي، وهو تطوّر يضيف على أشكال التعاطف مع الشعب الفلسطيني التي انطلقت مع تكريس إسرائيل لحرب الإبادة والتجويع في غزة، أشكالا أخرى تتغذى على انكشاف الدور العدواني الإسرائيلي المهيمن في المنطقة والعالم، وكذلك على مناهضة التيار اليميني المتطرّف الذي يقوده ترامب في أمريكا.
مع هذه الانتقالة الكبرى، خرج ترامب أيضا من معادلة القائد الراغب في «صناعة السلام» العالمي التي تعهد بها عند تنصيبه في كانون ثاني/يناير الماضي إلى قائد «طائرة يوم القيامة» ومقرّر إلقاء «أم القنابل» على إيران، وبذلك وضع بلاده، والعالم، على شفا حرب خطيرة.
طالب ترامب في خطابه التلفزيوني بعد الضربة إيران «أن تصنع السلام» وإلا فإنها ستشهد «مأساة أكبر بكثير مما شهدنا خلال الأيام الماضية» وهو تعبير آخر لـ«الاستسلام من دون شروط» الذي تحدث عنه قبلا.
من غير المعلوم بعد إن كان البرنامج النووي الإيراني قد تدمّر فعلا أم أن ما جرى سيدفع الإيرانيين، عمليا، إلى الخروج من معاهدة عدم الانتشار النووي، والتوجّه فعلا لاستعادة المشروع وإنتاج قنابل وصواريخ نووية، ومن غير المعلوم، بالتالي، إن كان هذا الهجوم سيؤدي إلى إخضاع إيران أم إلى تورّط أمريكي لاحق في حرب برية، وليس جوية فحسب، لإسقاط النظام الإيراني. ما هو أكيد أن قرار ترامب هو مغامرة خطيرة قد تتوسّع بشكل لا يستطيع أحد معرفة نتائجها النهائية.
- القدس العربي