دمشق ـ «القدس العربي»: تضمن حفل إطلاق الهوية البصرية الجديدة لسوريا نشاطات غطت جغرافيا البلاد، عبر أجواء احتفالية وعروض بصرية مصممة بتقنيات عالية. واحتضن قصر الشعب في دمشق الاحتفال رسمياً، أما شعبيا فكانت الجموع تشارك من مكان ليس بالبعيد، وعلى سفوح قاسيون المقابلة عند نصب الجندي المجهول، وفي الساحات الرئيسية في المدن الرئيسة مثل حلب وحمص وحماة واللاذقية وإدلب وغيرها.
والحضور في قصر الشعب تم انتقاؤه بعناية، فظهر الرئيس المؤقت أحمد الشرع وعقيلته وجميع رموز الإدارة الجديدة ووزراء حكومتها يتقدمون مدعوين من كل المحافظات ويمثلون فئات الشعب ورجال الدين والمثقفين والفنانين.
وفي كلمته خلال الاحتفالية قال وزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد الشيباني إن الدبلوماسية السورية لم تقبل خلال الأشهر الماضية بالواقع المتهالك الذي ورثناه، بل كانت في حركة دؤوبة تستنهض الرصيد السياسي، وتعيد الاعتبار للموقف السوري في ساحات القرار الدولي. وتابع: التقينا في الداخل والخارج برؤساء ووزراء ومبعوثين من جميع الدول والهيئات والمنظمات الدولية، موضحا أن تلك اللقاءات حملت الاعتراف والدعم لمسار سياسي بدأ بإرادة حقيقية من أبناء شعبنا لإعادة وطن يليق بالشام وأهلها.
وقال: حرصنا أن يكون الفجر السياسي الجديد لسوريا انقلاباً على ما مضى، ويقظة وطنية تعيد لدمشق مكانتها كبوابة للشرق، ومنطلقاً للحوار، مؤكداً أن الجهود تكللت بخطوات ملموسة فرفعت أغلبية العقوبات الأمريكية والأوروبية، وتحولت عودتنا إلى الساحات الدولية من أمنية مؤجلة إلى حقيقة قائمة، وفتحت العديد من الدول سفاراتها في دمشق، وأعادت العلاقات الثنائية على أساس الاحترام والتعاون.
وتابع: إن سوريا التي نراها اليوم تشبهنا أكثر من ذي قبل، لأنها تُحدث العالم بلغتها وتبادر بالأفكار التي نؤمن بها، فأصبحت الرمزية السورية اليوم أكثر شفافية وانفتاحاً، حيث إن شوارع سوريا وطرقاتها اليوم تتزين بما يرمز إلى الإنسان السوري، إلى ثقافته إلى أرضه، إلى لغته، لا إلى تمجيد الطغاة، وهذه الهوية بما تنطوي عليه من عمق فكري وجمال بصري ليست زينة عابرة، وما نشهده اليوم هو إعلان عن شعب ينهض من جديد، ويقول نحن نرسم ملامحنا بأنفسنا لا بمرايا، مشدداً على أن ما نحتاجه ليس بصمة بصرية تجمل وجها متعباً فحسب، بل روحاً وطنية تعيد للوجه ملامحه، وتلملم ما تناثر من ملامح الهوية السورية، هوية تتسع لكل السوريين بجميع طوائفهم ومكوناتهم وأعراقهم، السنة والعلويون والمسيحيون والدروز والإسماعيليون والشيعة، العرب والكرد والتركمان والأرمن والسريان والآشوريون وغيرهم ممن رأوا في سوريا وطناً لا يفرق ولا يقسم.
وأكد الشيباني أن الاعتراف بهذا التنوع نقطة انطلاق نحو وطن يمثل الجميع، تصان فيه السيادة، ويلغى فيه منطق الانقسام والانفصال ليكون البيت الجامع لسوريا، لكل أبنائها، معتبرا إطلاق الهوية البصرية الجديدة هو إعلان موت ثقافي لكل ما مثله النظام البائد من عبودية وفساد وظلم واستبداد مقنّع بالشعارات. وقال: إننا نقتلع جذر الباطل ونزرع ما يليق بسوريا وشعبها من أفق العدل والسلام والخير والوداد.
والهوية البصرية الجديدة لسوريا هي نتاج مسار عمل امتد لأشهر من التخطيط والبحث والتحليل وانتهى بتوليفة بصرية وطنية متكاملة، تعبر عن جوهر الدولة السورية وهويتها السيادية وثقافتها العميقة، وهو ما أكده مدير فريق تطوير الهوية البصرية وسيم قدورة في كلمته، وما ذهب إليه أيضا وزير الإعلام السوري حمزة مصطفى الذي بين أن العمل هو نتائج ليس فقط فريق التطوير ووزارة الإعلام الذي انتهى بصناعة هوية تسعى إلى أن تشبه كل السوريين وتعبر عنهم، وإنما هو إنجاز لزملاء في وزارات الاتصالات والداخلية والمالية ومحافظة دمشق والمكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية وفريق وزارة الإعلام، الذين أثبتوا جميعاً أن الدولة حين تتكامل مؤسساتها تصنع مستقبلها. إطلاق الهوية البصرية السورية ترافق مع احتفالات حاشدة وبترحيب شعبي، واعتبر باسل صلخدي أن الهوية البصرية تعني أن أحلام الشباب سترى النور، وتفتح أبواباً جديدة لهم، وتعني الكرامة والعراقة لبلد الحضارة، وتعني مستقبلاً زاهراً للجميع، حسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية «سانا».
كما رأى بشير السيدة انطلاقة الهوية البصرية أنها تعبر عن أمل جديد يسعى الشعب لتحقيقه، وأن التغيير الحقيقي يتطلب الأفعال وليس الأقوال، بينما اعتبرت سليمة راعية أن الهوية الجديدة تعزز مكانة سوريا بين الأمم، وتعبر عن القيم الثقافية والحضارية وأهداف الثورة المباركة في التحرر والقضاء على الظلم. في المقابل لم ينفد الاحتفال والهوية البصرية الجديدة من انتقاد النشطاء على صفحات التواصل الاجتماعي، حيث ظهر شبه إجماع على وجود تطابق كبير بين صورة العقاب السوري والنسر الذي يعتلي زجاجة خمر ألمانية مع تصميم بعض من اللوحات الفنية أو حتى المقاطع المتحركة الساخرة.
وكتبت الصحافية والناشطة خولة غازي عبر صفحتها أن ما حصل كان حفلة تيكتوكية مخجلة، معتبرة أن هذه ليست هوية سوريا إنما هذه هويتكم أنتم، وما يجري هو تعد صارخ على تاريخ سوريا ومستقبلها، في إشارة منها إلى الإدارة السورية الجديدة.
أما «أم غياث الغالي»، وقدمت نفسها باعتبارها أم لشهيدين في الثورة، فقالت إنه وبعد سقوط نظام القهر حتى شكل الهوية البصرية تغير، ويقولون إن هويتنا البصرية الجديدة تمثلنا، ولكن هويتي الحقيقية كانت تمشي على رجليها وتقول لي: ماما بس بدي اكسب الرضا، أين هويّة ابني؟ وأين أنس وحازم؟
وتابعت: تغيرت هوية الدولة وحتى الآن لا نعرف أين الذين ضحوا بحياتهم، معتبرة أن الدولة ليست شعارا ولا لونا ولا خطا جديدا، إنما هي أولادي وكل المعتقلين والشهداء، وهي أولادي الذين كبرت فيهم وربّيتهم وغابوا ولم أستطع أن أصل حتى لهوياتهم، وقالت: أريد دولة تعترف بهم ليس فقط كمقابر جماعية، أنا أم وما أريده خبر يطمن قلبي وأعرف الحقيقة كاملة.
- القدس العربي