في خطوة اعتُبرت تحولًا استراتيجيًا في السياسة الأميركية تجاه سوريا، أفادت شبكة “فوكس نيوز” في تقرير نُشر مطلع هذا الأسبوع بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقع أمرًا تنفيذيًا يقضي برفع معظم العقوبات المفروضة على سوريا، في تطور وصفه خبراء بأنه “اعتراف فعلي بقدرة الحكومة السورية الجديدة على تشكيل نقطة انطلاق لتحول جيوسياسي في المنطقة”، وسط تصاعد الحديث عن فرص استعادة النفوذ الأميركي، ودعم الحلفاء الإقليميين، لاسيما إسرائيل والأردن، في مواجهة كل من الإرهاب والنفوذ الإيراني.
يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بواقع ملف رفع العقوبات عن سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية الشبكة ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:
في مطلع هذا الأسبوع، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يقضي برفع معظم العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، في خطوة اعتبرها الخبراء بمثابة اعتراف أكبر بقدرة الحكومة السورية الجديدة على تقديم فرصة نادرة للولايات المتحدة يمكنها من خلالها استعادة نفوذها الإقليمي من جديد، إلى جانب مجابهة أعدائها، ودعم حلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل والأردن، وذلك بعد انتهاء مرحلة تحول سوريا لساحة حرب أمام النفوذ الإيراني والإرهاب الإسلاموي.
ترامب يفي بوعوده
وفي إحاطة صحفية صدرت عن البيت الأبيض يوم الإثنين، أعلنت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، في مؤتمر صحفي بأن: “هذا وعد آخر قد تحقق وأوفى به هذا الرئيس”، وذلك في إشارة للقاء الذي جمع منذ فترة قريبة ترامب بالرئيس السوري المؤقت الجديد، أحمد الشرع، خلال زيارته للسعودية، وأضافت مشيرة لترامب: “إنه ملتزم بدعم سوريا المستقرة والموحدة والتي تعيش في سلام مع نفسها ومع جيرانها”.
أما ديفيد شينكر، وهو معاون الوزير السابق لشؤون الشرق الأدنى، ويشغل الآن منصب عضو رفيع في معهد واشنطن، فقد قال: “لقد فعلت العقوبات فعلها، أي أنها شلت [الاقتصاد] إلى حد بعيد، فانتهت الحياة الاقتصادية في البلد، غير أن ترامب منح سوريا فرصة لتحقيق النجاح”.
فيما ذكر جافيد علي، وهو مسؤول رفيع سابق لدى مجلس الأمن القومي وأستاذ بجامعة ميتشيغان بأن تلك الخطوة تمثل: “حسابات استراتيجية، لأن سوريا التي لم تعد تستقبل أذرع إيران، وتتعاون في ملف مكافحة الإرهاب، وتندمج ضمن جيرانها العرب، تخدم المصالح الأميركية على كل الجبهات”.
وبرأي شينكر، فإن سوريا نفذت الخطوات التي طلبتها الولايات المتحدة منها منذ فترة طويلة، إذ سمحت للوكالة الدولية للطاقة الذرية ولمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية بإجراء عمليات تفتيش ضمن الأراضي السورية، وشاركت معلومات استخبارية عن تنظيم الدولة، وتعاونت مع ضباط الارتباط الأميركيين في ملف مكافحة الإرهاب، وأضاف: “لقد كفّرت تلك الجماعات الشرع، على الرغم من أنها هي نفسها تعرضت لهجمات نفذها تنظيم الدولة”.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن المخاطر تتجاوز عملية تخفيف العقوبات إلى حد بعيد، إذ يرى شينكر بأن سوريا في حال استقرارها وتركيزها على التعليم وعلى الخدمات الاجتماعية بدلاً من رفد قواها العسكرية، لن تعود أرضاً خصبة لانتشار تنظيم الدولة أو لمد النفوذ الإيراني.
تعقيدات جديدة
ويصف علي اللحظة الراهنة بأنها جزء من استراتيجية أوسع تبناها الرئيس ترامب، إذ يقول: “الآن مع رحيل الأسد، وجهت ضربة أخرى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهذا ما خلق فرصة أمام توحيد الدول العربية السنية، سواء حول الاتفاقيات الإبراهيمية، أو حول توسيع التحالف المناهض لإيران”.
مايزال الجيش الأميركي يحتفظ بعدد ضئيل ومهم من جنوده في سوريا، حيث يقف تعدادهم عند ألف تقريباً موزعين على أربع قواعد عسكرية في شمال شرقي سوريا، ويعمل هؤلاء العساكر على تزويد المعلومات الاستخباراتية المهمة إلى جانب قدراتهم في مجال القصف السريع. ويعلق علي على ذلك بقوله: “لطالما مثل ذلك الوجود أحد أهم نقاطنا العسكرية المعنية بمكافحة الإرهاب، غير أننا تعرضنا لعدة عمليات استهدفتنا خلال هذا العام لوحده”.
ولكن زيادة التعاون بين الولايات المتحدة وسوريا برأيه قد يحمل بين طياته تعقيدات جديدة، ولهذا يقول: “في حال تعميق الأواصر هنالك دوماً خطر ماثل ويتجلى إما باحتمال تقليص الولايات المتحدة من وجودها هنا، أو مطالبة الشرع لنا بسحب جنودنا، إذ يمكن لذلك أن يؤثر على قدرتنا على مراقبة النشاطات الجهادية أو إدارة الآلاف من المعتقلين التابعين لتنظيم الدولة والذين مايزالون يقيمون في مخيمين تحرسهما عناصر من قسد”.
في تلك الأثناء، حظيت التبعات الدبلوماسية للخطوة التي نفذها ترامب باهتمام عالمي، فقد أعلنت القيادة السورية الجديدة عن فصم العرى مع إيران، وقطعها الطريق أمام مرور شحنات الأسلحة لحزب الله، وتفكيك عدد من النقاط العسكرية الإيرانية في مختلف أنحاء سوريا.
ويعلق شينكر على ذلك بقوله: “يركز الرئيس على توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية بشكل حقيقي، ويرى في سوريا الدولة المرشحة المقبلة [للتوقيع على تلك الاتفاقيات]”.
في حين صرح الناطق الرسمي باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، تايلور روجرز، بالقول: “يسعى الرئيس ترامب لإحلال سلام دائم في الشرق الأوسط، ويشمل ذلك دعم سوريا لتصبح دولة مستقرة تعيش في سلام مع نفسها ومع جيرانها، كما أن الرئيس يشد عزيمة سوريا حتى تحقق النجاح، ويقويها على ذلك عبر رفع العقوبات المفروضة على القيود التي وضعت على الصادرات، مع إبقاء العقوبات المفروضة على الإرهابيين وعلى كل ما يمكن أن يهدد الولايات المتحدة، فلقد تعهد الرئيس بمنح سوريا فرصة لإعادة البناء والازدهار عبر رفع العقوبات، وها هو ذا الرئيس يفي بوعوده”.
التطبيع وتبعاته السياسية
إلا أن قضية التطبيع مع إسرائيل ماتزال محفوفة بمخاطر سياسية، لأن سوريا ماتزال رسمياً في حرب مع الدولة الإسرائيلية، إذ في الوقت الذي ألمح الشرع إلى القبول بخطوط هدنة وقف إطلاق النار التي رسمت في عام 1974، ماتزال الفصائل الجهادية والجماعات الإسلامية الموجودة في سوريا تعارض ذلك أشد المعارضة، ويعلق شينكر على ذلك بقوله: “وردت أنباء حول وجود محاولات لاغتيال الشرع، بيد أن الأمور ستغدو أصعب في حال الانتقال من وضع الالتزام بعدم شن أي اعتداء إلى حالة التطبيع الشامل”.
يعلق على ذلك تشارلز ليستر، وهو مدير برنامج سوريا لدى معهد الشرق الأوسط، فيقول: “لطالما بقيت سوريا جرحاً مفتوحاً في وسط هذه المنطقة، كما أنها محرك لانتشار حالة عدم الاستقرار فيها… ولكن في حال استقرارها اليوم، فإنها ستفتح بذلك الطريق أمام عملية اندماج أوسع مع محيطها الإقليمي، كونها ستربط بين إسرائيل والأردن بهلال أشد أماناً، مع التقليل من حجم الحاجة إلى تدخل عسكري أميركي كبير”.
على الرغم من ظهور بوادر مشجعة على الصعيد الدبلوماسي، مثل المحادثات السرية وتخفيف حدة الخطاب المعادي لإسرائيل، تواصلت الغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية، إذ شنت إسرائيل مئات الغارات على سوريا فقط خلال هذا العام، بيد أن القيادة السورية الجديدة لم ترد على ذلك عسكرياً، فبقي التوتر على أشده بين البلدين.
يشرح ليستر الموقف بقوله: “إن الوقائع على الأرض لا تعبر حتى الآن عن حدوث تطور خلف الأبواب الموصدة، لذا لم يبق أمامنا سوى أن نأمل بالتقاء هاتين الديناميتين في المنتصف، عندئذ ستهدأ الأمور على الأرض أيضاً”.
- تلفزيون سوريا